العدد 27 - ثقافي
 

السّجل - خاص

من الصعب أن يترك فنان تشكيلي شاب انطباعاً قوياً عن عمله الفني باستثناءات نادرة، ولقد كان المعرض الأول للفنان عماد أبو حشيش، قبل أكثر من عامين أثراً واضحاً دفعه بقوة إلى مقدمة الفنانين الشباب، وجعله واحداً من بينهم.

اختار الفنان أبو حشيش التجريد مداراً لاختبار طاقة اللون في التعبير عن جملة أحاسيس ليست «ملونة» فحسب، بل تشير لرؤيته للعالم وموقفه الجمالي منه ومن المعرفة.

إن أول ما يلفت انتباه العين هي درجة (شدة) الإضاءة التي يتوافر عليها اللون. إنها درجة إضاءة من غير الممكن التعرف إلى الخامة التي أنتجتها، في حين هي سرّ الرسام الذي لا يريد البوح بمصادره الأصلية، وإن كانت، على الأرجح، خليطاً من عدة مواد يعالجها الرسام مباشرة.

تبدو لوحة الرسام الشاب للناظر إليها مباغتة ومثيرة للفضول، إذ تتوزع مساحات اللون على السطح التصويري في تناغم شديد التضاد إذا جاز التوصيف، فهي لا ترتكز إلى موروث لوني يجعلها تنتمي إلى هذا الطيف أو ذاك من أطياف التجريد، بل يسعى الرسام إلى اختبار مدى طاقة اللون ومدى سعة المخيلة في التعبير عن الانفعالات على السطح التصويري مباشرة، لذلك من غير الممكن الوصول إلى توصيف منطقي وقارّ في طمأنينته للعمل الفني الذي ينتجه عماد أبو حشيش إلا بعد اكتمال مقدرته على إشاعة نوع من الجدل حوله. هكذا تبدو الكتل اللونية الموزعة على السطح التشكيلي وقد أثارت جدلها الخاص بها تبعاً لمنطقها الخاص بها. فلا علامة تشير إلى المعنى ،وما من شكل يصنعه جدل اللون ذاك، فيأخذ التأويل إلى ما يجعل الكلام قادراً على الوصف ويجعل الوصف قادراً على الإحاطة بالفكرة.

لا معنى، إذاً، للعمل الفني خارج ذاته، بل إن الأرجح أن يكون يقين عماد أبو حشيش نفسه ليس سوى هذا الدفق من المشاعر، التي تتبدى في عمق السطح التصويري، أكثر مما هي مساحات لونية ذات إيقاعات خاصة بها. على هذا النحو فإن مركز الجذب في اللوحة هو مقدرتها على جذب البصر باتجاه جماليتها الخاصة بها.

إن أبرز الألوان التي «يشتغل» في مساحاتها الرسام أبو حشيش هي غالباً الأصفر والأحمر والأسود الذي هو من فعل إحراق مادة على السطح التصويري، هذه الألوان في تناغمها المتضاد تصنع منطق بناء العمل، فيمكن لعين النظر أن تكتشف أن بنية اللوحة عنده ليست بنية كلاسيكية جاءت من جرّاء التأسيس اللوني على السطح التصويري مباشرة، بل تبدو اللوحة، كما لو أنه جرى إبداعها بنَفَس تجريبي بحيث لا يمكن للوحة إلا أن تحوز صفتها الفنية الخاصة بها كلوحة أو لا تكون كذلك أبداً، وتلك هي على الأرجح مغامرته بتوزيع اللون على السطح التصويري وبخلق بنية عن طريق اختبار حدود وطاقة المادة الخام على التعبير الفني الصافي، كما لو أن الحالة التعبيرية التي تخص الفنان تأخذ شكل الإحساس بقَدْر هائل من العبث الوجودي، عندما تأخذ هذه الحالة التعبيرية نفسها شكل الإحساس بنوع من الجمال في لحظة ممتلئة عنفا وتدميراً للذات والعالم معاً.

عماد أبو حشيش: العنف الجمالي
 
22-May-2008
 
العدد 27