العدد 27 - بورتريه
 

محمود الريماوي

منذ مطلع الألفية الثالثة أشغل الأكاديمي والوزير خالد طوقان(54 عاماً) الرأي العام، بما جعله بين قلة من الوزراء، الذين يثور صخب حولهم وخاصة مع حضوره الإعلامي. ينتمي خالد دارس الهندسة النووية.. لعائلة نابلسية ظلت رموز منها على الدوام، جزء من التركيبة السياسية للدولة الأردنية: سليمان وأحمد طوقان والملكة الراحلة علياء على سبيل المثال، و جزء من قطاع الاقتصاد في البلد ، كما كانت العائلة وما زالت جزء من النسيج الفلسطيني الاجتماعي والثقافي: الشاعران الشقيقان اللامعان ابراهيم وفدوى طوقان .وهو ما يمنح شخصية خالد خصوصية، بما يحمله من هوية مركبة على قدر ملحوظ من السلاسة .

. وزارة التربية التي كانت في حقب ماضية من نصيب جماعة الإخوان المسلمين أو مقربين منهم ، انتقلت لوزير تقني غير مسيس، طموح وبعيد عن الصالونات السياسية، لكنه قريب من من الوسط الأكاديمي ومعروف لديه ، ويتميز بنزعته العلمية كباحث، علاوة على ما يتمتع به من "ذكاء علمي خارق" كما وصفه أحد عارفيه. تولى حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي في ثلاث حكومات، وارتبط اسمه بحوسبة المدارس والجامعات وتعليم اللغة الانجليزية للصف الأول الأساسي .دخول الكمبيوتر الى القرى والمناطق النائية شكل تطوراً مهماً ،وتطلب قراراً حكومياً بل قراراً سياسياً، وهو ما حدث ،حيث حظي طوقان بدعم من أعلى المستويات يتماشى مع توجه الدولة للإفادة من ثمرات العولمة ، وقد اثار "خطابه التعليمي " منذ مطلع الألفية الثالثة حراكاً في المياه الراكدة لوزارة التربية .

خلا ذلك فالمدارس الحكومية ما زال يخيم عليها شبح الحال المتواضعة ،وهي في مرتبة أدنى من المدارس الخاصة ،لذلك يلتحق أبناء كبار مسؤولي وزارة التربية بالمدارس غير الحكومية . أما في الجامعات الحكومية فكليات تدريس الكمبيوتر تتقاضى رسوماً تضاهي رسوم الجامعات الخاصة . ازدهرت في حقبة طوقان المدارس الخاصة أكثر فأكثر ومعها الجامعات الخاصة . قد يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي هو ما أثمر هذه التحولات على القطاع التعليمي ، غير أن النهوض التعليمي على ما عليه من ملاحظات ، هذه يحسب للقطاع غير الحكومي، والمتاح فقط لشرائح عليا من الطبقة الوسطى فأعلى .

اصطدم الوزير طوقان في العام 2004 بمشكلة غير مسبوقة في الحياة التعليمية، وهي اكتشاف تسرب في اسئلة امتحان الشهادة الثانوية . "صمد" طوقان أمام المشكلة ونأى بموقعه عنها ، ولم يلوح بأية تبعة أو مسؤولية معنوية عما جرى.

في الإدارة يأخذ عليه بعض من عملوا معه، بأنه يقلل من أهمية كفاءات وخبرات الكوادر القديمة في الوزارة، وأن تعامله في المجمل مهذب ودقيق، لكن هذا التعامل يفتقد السلاسة بما يجعله غير مريح في كثير من الأحيان.

مع ذلك ففي ظل تولي طوقان لوزارة التربية نشأ وضع جديد لدى الأجيال الفتية مفاده ان زمن الحياة دون حاسوب قد ولى .وأنه لا طموح خارج استخدامه ودون اقتنائه، وبعد ما بات متيسرا لشرائح فقيرة اقتناء أجهزة مستعملة زهيدة الثمن نسبياً، أو أن يقصد الفتى مقهى للانترنت .

في ذلك يصنف طوقان بأنه من حاملي راية العولمة، وبعضهم يربط بينها وبين الليبرالية وهو ربط لا يجافي الواقع كثيراً.غير أنه لا يعرف عن طوقان مثل هذه النزعة . فليس في المرويات عنه كبير احتفال بالليبرالية السياسية : الحريات العامة والبرلمان والأحزاب والقوانين الناظمة للحياة العامة. ويصفه بعض آخر بأنه حكومي التوجهات بصفة عامة وشبه دائمة، وليس المقصود بالملاحظة تحبيذ أن يكون ضد الحكومات، بل أن يكون مستقلاً . لم يعرف عنه أي تأييد أو انشغال بإنشاء نقابة معلمين وهو مطلب تاريخي لم يتحقق.أو للعودة الى نظام الانتخاب الكامل لمجالس الطلبة الجامعيين.ولعل تخصصه العلمي الدقيق ،من العوامل التي شكلت مزاجه الذهني ودفعته للاتبعاد عن الخوض في السياسة، كما حال كثيرين من أصحاب هذه التخصصات.

إلى ذلك فإن القريبين منه يعرفون مدى التزامه بالعائلة وتعلقه بها ، وقلة قليلة تعرف مدى تدينه، وهو على أي حال قليل الصداقات، وبعضهم يصفه بأنه صاحب نزعة صوفية، رغم مظهره العصري بقامته العملاقة وصوته القوي الأجش.وكذلك رغم اختلاطه الكثير بحكم عمله بأجانب وإقامته المديدة في الغرب.. في الولايات المتحدة .كان طوقان على سبيل المثال عضواً في اللجنة الملكية التي وضعت "رسالة عمان" التي شددت على الهوية الدينية ـالحضارية وأبانت الوجه الانساني للإسلام .وهو ما لم يحمه من النقد وحتى الحملات بعد التغيير الذي طرأ على المناهج المدرسية وخاصة في الصفوف : الأول والرابع والعاشر ،للتماشي مع منظومة حقوق الانسان و"ثقافة السلام" معاً ،وقبل ذلك مع الحاجة القديمة لتطوير المناهج بمنحى ينمي القدرات العقلية والتحليلية لدى الطالب ،مع الحفاظ على المساحة الكبيرة والأساسية للتعليم الديني.وهو ما حدث، وذلك يفسر هدوء الحملة على المناهح التي اتخذت في الأصل طابع حملة سياسية وسلفية عليه، وتبين أن الحملة حفلت بمبالغات كبيرة .

الآن يحتل خالد طوقان موقع رئيس مفوضية الطاقة النووية بمرتبة وزير( يشارك في جلسات مجلس الوزراء وهو عضو فيه ).وقد طالب بتحويل مفوضية الطاقة النووية الى هيئة قبل توليه هذه المسؤولية وهو ما كان .

من المقدر ان تشغل الطاقة النووية الجمهور في السنوات القليلة المقبلة، لما تحمله من وعود حسب تصريحات متواترة لطوقان ، حول امتلاك الأردن مخزوناً كبيراً من اليورانيوم يقدر بألفي طن في منطقة الوسط فقط، بينما يكفي أربعون طناً لتشغيل مفاعل نووي. إضافة الى عشرة آلاف طن يمكن استخلاصها من الفوسفات .وقد شرعت الهيئة في توقيع اتفاقيات أو التحضير لها مع شركات وهيئات كندية وكورية (جنوبية ) وفرنسية ،والهدف توليد الكهرباء وتحلية المياه واستيعاب تحدي ارتفاع كلفة الطاقة .وقد حدد طوقان العام 2012 كبداية مفترضة للتمتع ببعض الثمرات المدنية للطاقة النووية أو ما يسمى ب"الكعكة الصفراء" التي تطلق على استخراج وتعدين المواد النووية، فيما يحتاج توليد الكهرباء حسب تصريحات طوقان الى 8سنوات .

بصرف النظر عن لونها فإن المواطنين يتطلعون الى كعكة ما ، تأتي كثمرة لخام اليورانيوم أم الصخر الزيتي البترولي، وهو ما سيجعل طوقان قبلة الأنظار في ما يأتي هذه الأيام .

خالد طوقان: وَعْد بـ“كعكة صفراء” بعد تعميم الحوسبة !
 
22-May-2008
 
العدد 27