العدد 26 - أردني
 

حسين أبورمّان

تواصل النائبة ناريمان الروسان الأسلوب الذي دأبت عليه منذ جلسة الثقة بالحكومة ،بتوجيه انتقادات واتهامات إلى وزراء ورؤساء حكومات سابقين وحاليين، وتتعمد في ذلك النيل من خصومها حد التشهير بهم، دون إثباتات أو أدلة.

الروسان تجاوزت هذه المرة تلك الحدود، ولامست خطوطاً حمراء بتعرضها المباشر وغير المسبوق لرئيس الديوان الملكي باسم عوض الله، من خلال تشبيهه بشخصية الإسرائيلي كوهين الذين فاق السوريون عليه عام 1964 وإذ به قد بات على صلة مع مراتب عالية في الدولة السورية.

في اللقاء الذي جمع الخميس الماضي رئيس الوزراء نادر الذهبي مع ما يزيد على 80 نائباً لإيضاح موقف الحكومة من مسألة بيع الأراضي المقامة عليها المدينة الطبية والمباني الجديد للقيادة العامة للجيش في منطقة دابوق.

فضائية «الجزيرة» حضرت اللقاء، وبثت على الهواء مباشرة مقاطع تحدثت بها الروسان عن باسم عوض الله الذي يمتنع الآن، مثلما امتنع سابقاً، عن الرد على التهجمات. ولم تتمكن «السجل» من الاتصال مع عوض الله لاستطلاع موقفه.

الروسان انتقدت عوض الله، الذي لم يكن حاضراً في الاجتماع، بدعوى تدخله في الشأن الحكومي والنيابي، مطالبة بأن" يقف عند حدّه". وحين قاطعها رئيس المجلس عبد الهادي المجالي، أصرت على المتابعة "أنا نائب وبعبر عن الناس ... وبحكي زي ما بدي" .

وواصلت الروسان التصعيد رغم نصائح النائب عبد الرؤوف الروابدة لها بالقول» بس يا ناريمان»، إذ زادت «كوهين موجود، والباسم له بواسم أخرى في الحكومة والمجتمع» بحسب نائب حضر اللقاء طلب عدم نشر اسمه.

عوض الله، الذي يشغل منصب رئيس الديوان الملكي منذ تشكيل حكومة المهندس نادر الذهبي في العام الماضي، يتميز بالمبادرة والديناميكية، لكنه في الوقت نفسه شخصية إشكالية وخلافية، باعتراف مريديه وخصومه. حتى أنه كان في الأسبوعين الأخيرين محور كتابات وردود فعل» شعبية» القليل منها مؤيد له، وكثير منها معارض.

اقترنت فترة صعود نجم عوض الله، بانتقال الأردن إلى مرحلة تنفيذ برنامج الخصخصة، إذ أشغل منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي خلال الأعوام من 2001- 2005 وقاد ما عرف باسم برنامج التحول الاقتصادي الاجتماعي والذي رصدت له أموال طائلة قاربت المليار دولار من عوائد التخاصية والمنح والمساعدات. ومع ذلك لم تتزحزح معدلات الفقر والبطالة وبقيت تراوح مكانها 14 بالمئة للفقر و 13.4 للبطالة بحسب الأرقام الرسمية، واستقال من وزارة فيصل الفايز في شباط 2005 إثر تعرضه لانتقادات نيابية حادة، ليعود وزيراً للمالية في حكومة عدنان بدران في نيسان/أبريل 2005.

المهاجمون لعوض الله ينقسمون إلى فريقين: الأول يعتمد على نقد البرامج التي نفذها عوض الله لا سيما «التحول» الذي دار حوله جدل كبير، ويرتكزون على أن إنفاق أموال البرنامج لم يتم بشفافية وكذلك تقييمه الذي لم ير النور لغاية الآن وبقي قابعاً في مكتب وزير التخطيط والتعاون الدولي الحالي.

على صعيد البرامج ونتائجها، كان احد أسباب الهجوم عليه، تراجع الظروف المعيشية للأردنيين وتزايد معدلات التضخم التي لامست 11 بالمئة خلال الربع الأول من العام الجاري نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة التي بات الانطباع العام أن مهندسها الرئيسي هو عوض الله.

أما الفريق الثاني فمواقفه من عوض الله تقوم على أسباب يختلط فيها «الإقليمي» مع «المواقف الشخصية».

عوض الله كان قد لجأ إلى تقديم استقالته بعد مرور تسعة أسابيع على تسلمه حقيبة المالية، في خطوة استبق بها تهديد 49 نائباً بحجب الثقة عن الحكومة، وعدّت الاستقالة بمثابة «تضحية» في رسالة وجهها الملك عبدالله الثاني لرئيس الوزراء آنذاك.

عوض الله الذي تخرج من أرقى الجامعات، حاصل على الشهادة الأولى من جامعة جورج تاون الاميركية، ودرجة الدكتوراه من London school of economic ، دخل العمل العام في بداية التسعينيات سكرتيراً اقتصادياً لرئيس الوزراء آنذاك المرحوم الأمير زيد بن شاكر، وتدرج في العمل إلى أن أصبح مستشارا اقتصادياً لرئيس الوزراء.

في الوقت نفسه حافظ عوض الله على علاقته المهنية بالقطاع الخاص وأطّر ذلك بالعقد الذي وقعه عند تعيينه في الرئاسة. في أثناء عمله في الرئاسة كان الذراع الأيمن لمجموعة كبيرة من نواب رؤساء الحكومات منهم: جواد العناني و ريما خلف.

علاقة عوض الله الشاب الديناميكي المنضبط، الذي يتحمل ضغوطات العمل كانت قريبة من الجميع في ذلك الوقت، باستثناء عبد الرؤوف الروابدة الذي دفع باسم للخروج من الرئاسة بعد تشكيل حكومته عام 1999، ليعينه رئيس الديوان الملكي عبد الكريم الكباريتي في الديوان.

يشتكي من يعملون عند عوض الله من عصبيته وضعف تقديره لهم وشراسته في بعض الأحيان. وحتى عام 2000 كان باسم خارج منطقة الضوء.

وهذه ليست المرة الأولى التي يمارس فيها نواب توجيه اتهامات دون سند، كالتي نالت عوض الله. إذ ينخرط عشرات النواب أحياناً في التوقيع على عرائض للضغط على وزير أو مسؤول دون تدقيق أو تمحيص، وما تلبث أن تنفض أغلبية منهم بدعوى عدم الاطلاع على العريضة أو ما شابه ذلك.

لقاء الخميس الحكومي مع النواب جاء خارج الدورة البرلمانية، ورغم أنه لا حصانة للنائب بين دورات المجلس، إلا أن طبيعة اللقاء من حيث كونه لقاء للتباحث في شأن عام بين الحكومة وبين أغلبية النواب، منحته خصوصية الجلسة النيابية.

تنص المادة 87 من الدستور على أن «لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس المنتسب إليه. ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس».

على أن التساؤل يبقى قائماً: هل تمتلك النائبة الروسان حصانة لموقف لا تستند فيه إلى إثبات، وتستخدم فيه لغة اتهامية مباشرة ضد خصومها لمجرد أنها نائبة؟ .

وزير العدل الأسبق فهد أبو العثم يقول إن «الفيصل في هذه الأمور هو الدستور، إذ لا مجال لإعطاء أحكام ارتجالية أو الفتوى بغير علم دون الرجوع إليه».

يضيف «ما يصنف في باب الشتم أو الذم أو التحقير، يشكل جرائم بموجب قانون العقوبات، لكن المحكمة المختصة هي وحدها التي تقرر ما إذا كان ذلك هناك جريمة فعلاً أم لا. وإذا قررت المحكمة أن موقفاً ما ينطوي على مفهوم الذم أو التحقير، فإنه لا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة النائب المعني جزائياً أو اتخاذ إجراءات إدارية ضده إلا بإذن من المجلس. على أنه يجوز، بالمقابل، ملاحقة النائب جزائياً في غير مدة انعقاد المجلس، بما في ذلك جواز توقيفه ومحاكمته».

الروسان ترد بأنها لم توجه لعوض الله تهمة شخصية، « أنا أتحدث سياسياً عن ظاهرة لها صلة بأداء يوصل إلى تخريب اقتصاد البلد، وعوض الله هو عرّاب هذا التوجه، وهذا أمر معروف لا يحتاج إلى دليل».

تضيف الروسان في تصريح لـ «السجل» « لم أقصد الموقع الذي يحتله باسم عوض الله، فأنا أجلّ هذا المنصب، وأنا في السياسة عندي خط أحمر وحيد هو سيدنا، وما عداه كل الأشخاص قابلين للنقد والمساءلة».

تتساءل الروسان التي انتخبت في مجلس النواب الحالي مساعدة لرئيس مجلس النواب «لماذا لم تجد الصحافة سواي لمراجعتها بشأن الموقف من عوض الله»، فهناك نواب آخرون وجهوا انتقادات واضحة له وكانوا يقصدونه دون تسميته، لا بل حمّله بعضهم مسؤولية هدر مئات ملايين الدنانير، لكن أحداً لم يؤاخذهم على موقفهم. الفارق بيني وبينهم أنني قمت بتسمية الأشياء بأسمائها».

الروسان تقفز هنا عن فحوى الحصانة البرلمانية، وهي محامية تدرك لا بد حدود ما يتمتع بالحصانة وما لا يتمتع. يؤكد ذلك تصريحها لوكالة الأنباء الفرنسية الذي كررت فيه ما وصفت به عوض الله في اللقاء النيابي، وقدمت «توضيحات إضافية» لما قالته، مؤكدة أن « كل الصفقات التي تجري والتي جرى الحديث عنها من بيع لأرض ميناء العقبة وبيع مبان من المدينة الطبية هي صفقات مشبوهة، وجميعها فيها شبهات فساد وهي تمثل رؤية باسم عوض الله».

لكنها استدركت «لا أريد القول إنه يتسلم عمولات من وراء هذه الصفقات لكنه هو من يضع الخطط وهذه رؤيته التي يتم تنفيذها».

رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي قال في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية «لا أعتقد أن الدور الرقابي للنائب يسمح بتوجيه مثل ذلك التجريح، وأرى أن ما قيل كان خارجاً عن أصول العمل البرلماني، ويتنافى مع مبادئ المهمة البرلمانية وهو ممارسة خاطئة وغير جائزة ،وتحتاج إلى دليل مثلما تنطوي على بادرة غريبة عن مجريات العمل البرلماني كما حددها الدستور».

ردود فعل نيابية، التقت مع ما ذهب إليه المجالي من رفض لهذا الأسلوب في التعبير. النائب بسام حدادين يقول إنه «حق اجتهادي للنائب أن يشير إلى رئيس الديوان الملكي، لكن المشكلة هي في شكل التعبير وقساوته ومضمونه الذي يخوّن ويجرّم الآخر. فالاتهام لرئيس الديوان أقحم الموقف خارج تقاليد وآداب الحوار البرلمانية، لا بل حوّل الحوار إلى سلوك تناحري».

النائبة الروسان التي وصلت القبة للمرة الثانية بفوزها بأحد مقاعد الكوتا النسائية الستة عن دائرة لواء بني كنانة، الدائرة الخامسة في محافظة إربد، تقول إنها لم تكن تعتزم تقديم مداخلة، في اللقاء المشار إليه، "لكن مشهد البيوعات استفزني، وجعلني أثور وأحكي، من موقع الإحساس بقسمنا أن نكون مخلصين للبلد".

يضيف النائب المخضرم حدادين الذي يعود تحت القبة للمرة الخامسة على التوالي، "تخرج في مجلس النواب زلات لسان أحياناً، لكنني لا أعتقد أن ذلك ينطبق هذه المرة على تلك المداخلة".

أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا سالم ساري يعقب على ما جرى بالقول " هذا النمط من المداخلات لا يعبر عن جرأة وإن كان أصحابه يتوهمون أن الشارع كله معهم. كما أنه لا يوجه للطرف المناسب، إذ لا معنى أن توجه الاتهامات لشخص بعينه دون رؤية تداخل كل العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في قرارات مثل الخصخصة أو بيع المرافق أو رفع الأسعار ، فهذه نظرة محلية ضيقة تدّعي لنفسها حراسة الأخلاق الفاضلة وهذا يعبر نوعاً من "النفاق الاجتماعي".

أيضا، يرفض النائب الثاني لرئيس مجلس النواب تيسير شديفات، موقف النائب الروسان ويقول "لقد تحدثت شخصياً مع الزميلة بعد اللقاء، وقلت لها إنه لا يجب أن تأخذ الأمور هذا المنحى. فالأساس هو مراقبة عمل الحكومة، وإذا لزم الأمر نقوم بمحاسبتها، لكن لا ينبغي اللجوء إلى شخصنة الأمور فهذه مسالة مرفوضة". ويرى بأنه في حالات مماثلة، فإن من" واجب رئيس مجلس النواب إيقاف المتحدث إذا بدا واضحاً أنه خرج عن الموضوع".

ردود الفعل في أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية على موقف الروسان، تراوحت بين مؤيد ومعارض أو ما بينهما. فمن المؤيدين للنائبة للروسان من اعتبر أنها "فشت غل الأردنيين"، وخاطبوها بألقاب مثل "النشمية"، "أم ياسمين"، و "بنت الشمال"، واعتبر بعضهم أن من حق النائبة أن "تعرف ما يدور في الكواليس".

المعارضون لها اعتبروا أنها تحاول "تسجيل نقاط سياسية"، وأن "الهجوم كان مقصوداً ومخططاً له". وتحوّل هؤلاء إلى الهجوم على الروسان واتهامها بالفساد بإثارة ما أسموه "جمعيات الشمال". ومنهم من اعتبر أنه لا يجوز التهجم على شخصية "تحظى بثقة سيدنا". وأخذت بعض التعليقات منحى إقليمياً. فيما طالب بعضهم عوض الله باللجوء إلى القضاء.

“منطق” إطلاق قذائف اتهام دون سند
 
15-May-2008
 
العدد 26