العدد 4 - ثقافي
 

لم تشهد وزارة الثقافة انتعاشاً كالذي شهدته في زمن د.عادل الطويسي، الوزير الذي غادرها راضياً عن أداءٍ تبدو ثمارُه مما يمكث في الأرض طويلاً. والرجل وإن كان يصرّ على أن يردّ الفضل لأهله، فيلفت إلى أن المنجَز الذي تحقق على يديه لم يكن لَيُتاح له ذلك لولا جهود الذين تولوا حقيبة «الثقافة» قبله، لم يألُ جهداً ولم يبخل بوقتٍ في سبيل تطوير رؤية الوزارة واجتراح آليات عمل انتقلت بها من الاقتصار على خدمة شريحة المثقفين إلى توسيع اهتماماتها لتشمل قطاعات واسعة من الشعب، وقد تجلى ذلك خصوصاً في مشروع مكتبة الأسرة -مهرجان القراءة للجميع، والذي جاء بعد أن أُولي المبدعون ما يستحقونه من رعاية عبر مشروع التفرغ الإبداعي، وبعد أن تأسس إطارٌ عملي لمشروع المدن الثقافية دشّنه اختيار إربد مدينة للثقافة الأردنية للعام 2007، وبعد أن شرع العمل في مشروع الذخيرة العربية، وبعد أن أُعيد فتح مديريات الثقافة في المحافظات وقد كانت أُغلقت في فترة «مظلمة» في تاريخ الوزارة.

وربما يقول قائل إن هذا المنجَز سيكون تحصيلَ حاصل وأن معظم المشاريع شُرع بالعمل فيها قبل زمن الطويسي وصودف أن حان قطافها في عهده، ولكني أكتفي بالإشارة هنا إلى أن شخصية الوزير لها دور لا يمكن الاستهانة به في توجيه الأمور وتسييرها بما يحقق النتائج المتوخّاة في حدودها القصوى، وهذا ما أجاده الطويسي الذي ظل حتى آخر ساعة في منصبه يُولي التفاصيل الصغيرة اهتماماً شأنها شأن الأمور الكبيرة حرصاً على نجاح العمل وتسيير شؤونه، وهو الذي حوّل الوزارة إلى خلية نحل متضافراً أداؤه مع أداء الأمين العام المثقف جريس سماوي، وطاقم من الموظفين الخُلّص على رأسهم الأمين العام المساعد د.باسم الزعبي.

لقد أوجد الطويسي بلا شك نمطاً جديداً يستحق التأمل: الأكاديمي المثقف صاحب الرؤى الاستشرافية البعيدة، والمليء بالطموح الذي لا تحدّ منه المعيقات، وفي الآن نفسه: متولّي الحقيبة الرسمية الذي بذل ما في وسعه لإزالة الحواجز وتجسير العلاقة بين المثقف والسلطة، من دون أن يطلب ثمناً لذلك موقفاً أو تفريطاً في استقلالية هيئةٍ ثقافية، وهو ما أكده خلال زيارته رابطةَ الكتاب مهنئاً إدارتها الجديدة.

نفتقد الطويسي، الذي مدّ ذراعاً كبيرةً طالت جميع مَن في الساحة، فمدّ المثقفون إليه أيديهم أيضاً، ولم ينقطع سيلُ الثناء عليه، فهو قام بواجبه وأكثر، وإخاله الآن ينام قريرَ العين وهو يراجع سجلاً مليئاً بالمنجَز المضيء، وتحديداً على صعيد خطة التنمية الثقافية، وربما يتنفس الصعداء مرتاحَ البال وهو يترك منصبه لخلَفٍ لديها من القدرات ما يمكّنها من استلهام التجربة ومواصلة المشوار، والبناء فوق ما تم إنجازه، خصوصاً وأن كثيراً من المشاريع أُقرَّت وجرى تنفيذ المراحل الأولى منها بنجاح.

وأخيراً، هي دعوةٌ لتكريم الرجل بما يليق به، فقد وصلَ ما انقطع، واجتهد فأصاب، وعمل فأنجز، وفتح الباب على مصراعيه للأفكار الخلاّقة.. وأوجّه الحديث هنا لرابطة الكتاب الأردنيين التي لم يُقيَّض لها أن تشكل شراكة مع وزارة الثقافة مثلما حدث في عهد الطويسي.. أفلا يستحق أن تمنحه عضويةً فخريةً فتعبّر عن تقديرها للرجل الذي لم تقيده حدود المنصب الرسمي، فانحاز للمثقف في داخله، وتحمّس لإعادة طبع أعمال غالب هلسا، وقبل ذلك شهدَ عهدُه منح جائزة الدولة التقديرية لغالب أيضاً، فكانت نقطة تحوّل في مسيرة وزارة الثقافة وإحدى علائم انفتاحها الحضاري على المشهد الثقافي بتلويناته المختلفة.

عادل الطويسي.. إنها كلمة حقّ.. لقد وفّيت وكفّيت. فطوبى لمن هم مثلك.

*كاتب أردني

الطويسي مغادراً "الثقافة" – جعفر العقيلي
 
29-Nov-2007
 
العدد 4