العدد 26 - بورتريه
 

محمود الريماوي

بين رجالات الدولة تميز عبدالله النسور (69عاماً) بتعدد تخصصاته العلمية والثقافية من دراسة الرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت الى رسالته للماجستير في الولايات المتحدة في ادارة المؤسسات العلمية والثقافية، الى وضع أطروحة دكتوراه عن تخطيط القوى البشرية في جامعة السوربون.وهو ما جعله يشغل مناصب متباعدة في تخصصاتها، لكنها جميعها ذات أهمية كبيرة من مدير عام دائرة الموازنة ووكيل وزارة المالية ومدير ضريبة الدخل، الى وزير لكل من التخطيط والصناعة والتجارة، الى حقيبتي التربية والتعليم العالي،وليس انتهاء بحقيبتي الإعلام والخارجية.

تخصصاته العديدة هذه جعلته من نخبة التكنوقراط ونجماً في الادارة العامة،ووزيراً مرشحاً تتجه اليه أنظار رؤساء الحكومات المكلفين بالتشكيل.العمق الاجتماعي بانتمائه الى عشيرة كبيرة بل كبرى في البلقاء (السلط) سبب آخر لجاذبيته. فوزه الكاسح في الانتخابات النيابية لعامي 1989 قبل اعتماد الصوت الواحد أظهر مدى الشعبية التي يتمتع بها رجل التكنوقراط، العصري والبلقاوي معا، والذي تبنى بعدئذ قانون الصوت الواحد، والذي تربطه صداقات وثيقة بمختلف مكونات المجتمع السياسي ورموز الحياة العامة ولفيف من الإعلاميين، علاوة على المجتمع المحلي في السلط وخارجها.

خلال ثلاثة عقود من خدمته في القطاع العام وحتى مطلع الألفية الثالثة، طغت صفة رجل الدولة التقني المتعدد التخصصات والخبرات والمواهب،على صفته كسياسي ينتمي لتيار أو مدرسة بعينها كحال سياسيين أمثال: أحمد عبيدات، وطاهر المصري، وعبدالرؤوف الروابدة، وعبدالكريم الكباريتي، وعبدالهادي المجالي وآخرين. ليس معلوماً عنه إن كان يحسب نفسه على فئة إصلاحيين أم محافظين،على "الوطنيين" بالمعنى المتداول، أم على ديمقراطيين يسعون لعصرنة البلاد.إن كان قومياً ام ليبرالي النزعة أم يعمل على طريقته على الجمع بينهما.على أن للرجل مواقفه وقناعاته، وسبق له أن تقدم في أثناء توليه لوزارة الخارجية في حكومة طاهر المصري،بطلب تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية من مهامه حضور مؤتمر مدريد، او القبول باستقالته. جرى ذلك عشية انعقاد مؤتمر السلام في العاصمة الإسبانية في خريف 1991 وقد طُلب منه الاستمرار في منصبه الى أن ألقى كلمة الاردن في اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك،في سبتمبر/أيلول وقفل بعدها عائداً الى الوطن، وقبلت حينذاك استقالته وتم تعيين كامل أبو جابر وزيراً للخارجية وشارك في مؤتمر مدريد.

لا يعرف عن النسور معارضته للتسوية إن لم يكن مؤيدا لها، غير أن المقصود بالاشارة أن للرجل حساسيته السياسية والمبدئية، على ما يتسم به من هدوء وابتعاد عن الخطابة.

تساوق ابو زهير مع التحول الديمقراطي منذ أواخر الثمانينات، وانطلاقاً من ذلك خاض الانتخابات النيابية بعزيمة واندفاع الشباب، وفي مجلس عام 1989 عمل وبنجاح على ارجاء تشكيل لجنة نيابية للدفاع والأمن رغم أن شطراً من اعضاء المجلس أيد الفكرة. بعدئذ وخارج البرلمان لم يخض نقاشات علنية حول حدود التجربة انجازاتها وإخفاقاتها،أو حول التحول الاقتصادي ونتائجه الاجتماعية وما يحف به من جمود ثقافي وممكنات للتغيير، رغم أن لدى الرجل ما يقوله من واقع ثقافته الواسعة وخبرته العميقة، وإقامته في الولايات المتحدة وفرنسا طالب دراسات عليا ثم مندوباً مناوباً عن الأردن في المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو في سنوات الشباب الأولى ( 1965 ـ 1977 ) عاد خلالها الى الوطن لأربع سنوات وعمل في الأثناء مديراً إدارياً في الجمعية العلمية الملكية بين عامي 1971 و1975،وهي أولى وظائفه في الخدمة الحكومية.وفي سائر الوظائف التي تقلدها وبخاصة العليا منها،أثبت جدارة وجدية عالية "يحفظ درسه جيداً ويقرأ الملفات قراءة دقيقة، ويخرج بآراء محددة حول كل ما يقرأ بما في ذلك التفاصيل، ويمتلك البراعة واللباقة الطبيعية في عرض وجهات نظره ". هكذا وصفه مرة مسؤول كبير.

بينما يصفه البعض بأنه يتمتع بكفاءة ومزاج "الرجل الثاني" في الحكومات.كحال شخصيات أمثال المرحوم ذوقان الهنداوي وجواد العناني وعلي سحيمات ومروان المعشر وغيرهم. لذلك لم يعرف عن عبدالله النسور المتمرس في الإدارة والمطل على الملفات الحيوية، تطلعه الى الدوار الرابع، رغم أنه يمتلك الكفاءة لذلك ورغم أن هذا الطموح مشروع. فيما يساجل آخرون بأن الرجل منسجم مع نفسه،يزاوج بين "الطموح والقناعة" وقد وضعته الظروف في دائرة الضوء لنحو ربع قرن، دون أن يكون من الساعين وراء الأضواء وتلميع شخصه، وأن الجدارة في الخدمة العامة ليست منوطة باحتلال موقع دون سواه مثل رئاسة الحكومة. على أن لموقع الرجل الثاني الذي أشغله أعباءه ومتعلقاته، وتتمثل على الخصوص في وجوب الدفاع بحكم الموقع عن سائر السياسات والإجراءات الحكومية، وهو ما "اضطر " إليه النسور نائب رئيس الوزراء في حكومة عبدالسلام المجالي الثانية في العام 1998، بخصوص أزمة تلوث مياه الشرب التي خرج بموجبها وزيرالماء والري منذر حدادين من الحكومة..وهي الأزمة التي غيرت سلوكيات الناس وثقتهم ب"مياه الحنفية "،وشيوع ثقافة تناول المياه المعقمة وهو ما تعجز عنه قدرات كثيرين. ينطبق ذلك أيضاً على الموقف من قانون مؤقت للمطبوعات رقم 27عام 1997 أدى لإغلاق نحو 13 صحيفة و"اضطر " ابو زهير بحكم موقعه للدفاع عنه، فيما قررت محكمة العدل العليا بعدئذ وقف العمل بالقانون لعدم دستوريته.

منذ نحو سبع سنوات غاب النسور عن المشهد السياسي، وإن كان يسجل له حضوره منتديات ومؤتمرات، ومساهماته في مداخلات مهمة.إضافة لحضوره في هيئة " الأردن أولاً "عام 2002،وهو ما حمل البعض على توقع عودة النسور الى موقع متقدم ( يمكن إضافة ال التعريف إلى الكلمتين) في السلطة التنفيذية. إلا أن ذلك لم يحدث..بعد. وها هو على رأس مجلس الأمناء في جامعة الزيتونة الأهلية، ومجالس أمناء الجامعات من المواقع التي تحتلها شخصيات عامة متقاعدة..وإن كان يصعب تخيل أبو زهير متقاعداً عن الشأن العام.

عبدالله النسور: نخبوي شعبي ونجم التكنوقراط
 
15-May-2008
 
العدد 26