العدد 26 - اقليمي
 

سليم القانوني

دلت التطورات التي شهدها لبنان أن المخاوف التي أبداها كثيرون كانت في محلها. اختار فريق المعارضة حسم الخلاف السياسي بقوة السلاح، واستباحة المناطق، وإغلاق المنافذ الجوية والبحرية.السبب المباشر لهذه التطورات يكمن في وضع حزب الله كاميرات مراقبة قرب المطار وقرار الحكومة بوضع رئيس جهاز أمن المطار في عهدة الجيش بسبب تقصيره الإداري.سبب آخر تمثل في توسع حزب الله بإنشاء شبكة هاتفية خاصة به موازية لشبكة الدولة ودون علمها.طلب حزب الله من حكومة الاكثرية التراجع عن قراراتها واعتبر أن من حقه اتخاذ أية خطوات وتنفيذ أية مشاريع لـ"دعم المقاومة".

وقد حدد الحزب وحركة أمل موعداً لتحركهما يتزامن مع دعوة أطلقها الاتحاد العمالي للتحرك ضد موجة الغلاء. والاتحاد مقرب من المعارضة. وقد لوحظ أن الاتحاد علق التحرك بعد ساعات على البدء به، فيما كانت قوات لأمل وحزب الله تقطع الطرقات وبخاصة طريق المطار.ثم تسارعت التطورات، فاستباحت ميليشيات لحركة أمل وحزب الله منطقة بيروت الغربية وأوقعت قتلى وجرحى من المدنيين، وهددت بإحراق مبنى جريدة المستقبل التي يمتلكها سعد الحريري إذا لم يتم حجبها وقد احتجبت بالفعل، وقامت بإحراق مبنى تلفزيون المستقبل (مبنى قديم في الروشة، كما ذكرت بعض التقارير وليس مبنى استوديوهات البث).وانتقل تمدد قوات حزب الله وأمل الى الشمال في طرابلس وإلى الجبل معقل الدروز واحتكم كل من النائب السابق طلال أرسلان والنائب الحالي وليد جنبلاط الى الجيش اللبناني وقاما بتسليم الأسلحة له مع احتفاظ قوى المعارضة بكل أنواع الأسلحة.

وأيدت قوى المعارضة المبادرة العربية بشأن الحل، لكنها اشترطت التفاهم المسبق على اسم رئيس الوزراء المقبل، وقائد الجيش الجديد، وهو ما اعترض عليه سليمان، كون ذلك لا يبقي صلاحيات للرئيس الجديد.

وكان رئيس حركة أمل نبيه بري، وهو رئيس مجلس النواب، قد رفض عقد 16 جلسة لانتخاب رئيس جديد بامتناع نوابه ونواب كتلة حزب الله عن الحضور، كما رفض من قبل عقد جلسات "عادية " للمجلس النيابي بما عطل السلطة التشريعية وأتبع ذلك بإبقاء كرسي رئاسة الدولة فارغاً.

يعيد ما حدث في بيروت ومناطق أخرى إلى الأذهان،سيطرة حماس بالقوة العسكرية على قطاع غزة في حزيران الماضي.لقد جرى حينها اختلاق مؤامرة والتذرع بالمقاومة للإجهاز على سلطة شرعية وإقامة سلطة أمر واقع، ولو أدى ذلك لإزهاق الأرواح، وتمزيق النسيج الاجتماعي وتغليب منطق الحسم العسكري في الخلافات السياسية.

في بيروت رفعت حملة أمل وحزب الله شعارات مشابهة،واعتبرت أن عدم تمكين الحزب من فعل مايشاء في المطار مثلاً هو مؤامرة. ورأت في اعتراض الدولة على تمدد الشبكة الهاتفية دون علم الجهات الرسمية، استهدافاً للمقاومة. الى ذلك اتخذت الحملة طابعاً طائفياً ومذهبياً، باستهداف مناطق سنية وترويع أهلها وقتل 62 شخصاً في المواجهات المتبادلة، وإطلاق حملة سياسية ودعائية، مفادها أن لحزب الله أن يفعل ما يشاء في أي وقت وفي أي مكان على الأراضي اللبنانية، ومن يعترض أو يناقش، وبخاصة الدولة صاحبة الولاية، يرمى بالعمالة ثم يرفع السلاح في وجهه.

يذكر أن جلسات للحوار اللبناني دارت في العام 2006 قبل حرب تموز في ذلك العام وطرحت فيها مسألة وضع استراتيجية دفاعية للبنان وتحديد موقع حزب الله في هذه الاستراتيجية التي سبق أن طالبت بها بها قيادة حزب الله. لكن الحزب تريث وتمهل غير مرة ثم أرجأ بحث هذه المسألة المصيرية وهو ما أبقى على علاقة الحزب ملتبسة بالدولة مع رفض بسط سلطتها.

وفي جميع المناسبات، وفي سائر المنابر، حدد مسؤولون لبنانيون، وبالذات رئيس الحكومة، فؤاد السنيورة، رفضهم نزع سلاح حزب الله،والتأكيد على أن مستقبل هذا الحزب وأسلحته بعدما تم تحرير الجنوب في العام 2000، هو موضوع للحوار الداخلي، وأن البت فيه يتم على طاولة الحوار فقط بين مختلف الفرقاء.رغم ذلك رميت الحكومة ورئيسها بالعمالة، وتحت طائلة التهديد باستخدام السلاح ضدها.

لم تجد هذه التطورات من يؤيدها سوى الحلف الإقليمي الذي يدعم حركة أمل وحزب الله.مؤتمر وزراء الخارجية العرب،الذي عقد الاثنين الماضي أدان ما جرى ودعا لوقف إطلاق نار شامل وقرر إيفاد وزير الخارجية القطري، وأمين عام الجامعة الى بيروت. الدوحة على علاقة وثيقة بمختلف الفرقاء، وهو ما حمل على اختيار ممثل عنها لينوب عن أعضاء الجامعة في مخاطبة الأطراف اللبنانيين.

على أن الأزمة مرشحة للاستمرار بوسائل أخرى منها الضغط السياسي باستثمار "الانتصار الميليشيوي". هناك أصوات تدعو لاستقالة الحكومة، وفي ظروف مشابهة تعمد الحكومات للاستقالة بالفعل وتشكيل حكومة وحدة وطنية. غير أن لبنان بلا رئيس للجمهورية يجري تقديم الاستقالة له. ومجلس النواب معطل بقرار من رئيسه. فإذا استقالت حكومة السنيورة في هذه الظروف، فإن ذلك يعني دفع البلاد الى فراغ كامل بعد تجويف السلطات والمؤسسات.

مع العلم أن انتخاب رئيس توافقي كان وما زال يفتح الباب، كما لاستقالة الحكومة وفق الأعراف الدستورية في هذا البلد، ما أن يتولى الحكم رئيس جديد. غير أن المعارضة تطلب فراغاً حكومياً الى جانب الفراغ الرئاسي وشلل مجلس النواب وهو ما يؤدي لفوضى كاملة يراد للميليشيات تنظيمها.

في هذه الأثناء هددت قوى المعارضة باستمرار الاعتصام المدني بعد الاجتياحات المسلحة التي أوقفتها مساء الاثنين الماضي. يسهل تنفيذ العصيان ما دامت لغة السلاح والتخويف به هي السائدة والمعتمدة.الخوف يؤدي الى التزام الناس ببيوتهم. بدلاً من تحفيزهم للعودة للحياة الطبيعية بما في ذلك تشغيل الإدارات والمرافق الحكومية يراد الانتقال الى طور جديد من الشلل.

لبنان: نصف انقلاب عسكري
 
15-May-2008
 
العدد 26