العدد 26 - كتاب
 

تواصل وتسارع الإيقاع، دون توقف، وبخاصة في السنوات الخمس الأخيرة في قيمة الحوالات التي يرسلها المغتربون الأردنيون إلى البلاد، ومن (1404) ملايين دينار عام 2003، إلى (1460)، (1545)، (1783) مليون دينار، في السنوات (2004، 2005، 2006) على التوالي، وارتفعت أكثر عام 2007 وبمبلغ (343) مليون دينار، وبنسبة (19 بالمئة)، لتسجل رقماً قياسياً بقيمة (2123) خلال العام 2007، ويبدو من المؤشرات الأولية أنه من المتوقع استمرار الاتجاه التصاعدي في قيمة هذه الحوالات.

استناداً لما تقدم، فإن تحويلات المغتربين أصبحت تحتل أهمية متزايدة ليس فقط باعتبارها أحد المكونات الرئيسية في صادرات الأردن غير المنظورة، بل تجاوزت هذا البعد أيضاً لتشكل المصدر الأساسي لدخول وإنفاق عشرات الآلاف من الأسر الأردنية التي تتلقاها من أبنائها وأقاربها العاملين في العديد من النشاطات الاقتصادية في مواقع الاغتراب المتناثرة في أرجاء المعمورة.

وفي الحقيقة، فإن قيمة وأهمية تحويلات المغتربين الفعلية تجاوزت أرقامها المدرجة سابقاً، وذلك وفقا لأرقام النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي الأردني، إذ إن هذه الأرقام لا تعكس سوى قيمة الحوالات المرسلة عبر وحدات الجهاز المصرفي؛ بنوك وصرافة، والتي يمكن بالطبع رصدها وتحديدها، أمّا القيمة الحقيقية لتحويلات المغتربين، فهي أعلى من الأرقام المدرجة في البيانات الرسمية، إذ إن قيما أخرى فعلية من التحويلات تتم عبر طرق غير طريق الأجهزة البنكية والمالية، وذلك من خلال تنقل أفراد، أو من خلال قيم تدخل البلاد مع المغتربين عند عودتهم في إجازة أو الانتهاء من النشاط هناك.

وإذا كان قسم كبير من تحويلات المغتربين يمر من خلال قنوات أسرهم، وبما يشكل أحد أو حتى كل مصادر دخل وإنفاق بعضهم، فإن جانباً آخر من هذه التحويلات يتجه بالتأكيد عبر قنوات أخرى يفترض أنها تؤدي إلى نشاطات وقرارات استثمارية. ولكن للأسف لا يصعب تلمس واستنتاج أن معظم هذه التحويلات اتجهت، وما تزال تتجه، نحو شراء أراض وسيارات وكماليات، أو إقامة وحدات سكنية وتجارية، أو للتعامل التجاري أو للمضاربة في البورصة الأردنية، أي أن تحويلات المغتربين تعكس في بعدها الاستثماري، على محدوديته، تتركز في تمويل نشاطات خدمية الطابع، وبما يؤدي أيضاً، وكما يلاحظ حالياً بوضوح، إلى تشوهات واختلالات في نوعية ومكونات عناصر النمو، وفي هكيلية الاقتصاد الوطني، وفي مدى عدالة توزيع ناتجه، وهذا لا ينفي أهمية مساهمة التحويلات في الحد أو في تخفيف حالات التباطؤ الاقتصادي، وفي تقليص مساحات الفقر والبطالة.

على أنه لا يزال من الممكن تعزيز وتعميق التداعيات الاقتصادية، والاجتماعية الايجابية لتدفقات حوالات المغتربين والحد من جوانبها السلبية لو اهتمت الحكومات الأردنية المتعاقبة بوضع ترتيبات ومرتكزات تنظم وتعزز علاقة الوطن بالمغتربين في الاتجاهين؛ اتجاه رعاية وحماية وخدمة المغتربين في مواقعهم، وفي اتجاه التوصل إلى خيوط وقنوات مناسبة لمسار واتجاه الحوالات نحو أفضل الاستخدامات، ونحو الاستثمارات المتوازنة والمطلوبة على النطاق الذاتي والوطني بدلاً من أن يترك ذلك لرغبات وقرارات عشوائية ومتناقضة في اقتصاد السوق الرأسمالي المنفلت من عقاله.

وفيما حرصت أكثر من حكومة عربية على تخصيص وزارة كاملة للعناية بشؤون مغتربيها وتنظيم علاقتهم بالوطن، وبمدى مساهمتهم في التطوير والتنمية الشاملة المستدامة في فروعها كافة، فإن الأردن لم يأخذ بهذا الخيار حتى الآن، رغم العدد الكبير من وزاراته المخصصة لأغراض أقل أهمية. بل لم يتم إنشاء أو تخصيص إدارة دائمة خاصة بالمغتربين ضمن وزارة قائمة مثل: وزارة الخارجية، أو وزارة العمل، أو الصناعة والتجارة أو التخطيط. وما هو أكثر غرابة، هو أن قناة أوجدت قبل 1989 لتنظيم وتعزيز العلاقة مع المغتربين من خلال عقد مؤتمر سنوي في عمان لممثلين عنهم بمشاركة حكومية وأهلية محلية، جرى شطبها بعد العام 1989، لتقتصر العلاقة على جهود حكومية وأهلية متناثرة، تتم عبر سفرات وجولات ترويجية وتسويقية للعديد من الجهات التي لا رابط تنظيميا أو مصلحيا بينها.

أحمد النمري: تحويلات المغتربين ثروة تحتاج إدارة
 
15-May-2008
 
العدد 26