العدد 26 - حريات
 

فاخر الدعاس*

تعتبر الجامعة الأردنية أهم مؤسسة تربوية على الصعيد الوطني، فهي الجامعة الأعرق من حيث التأسيس، الأكبر من حيث عدد الطلبة، وتضم نخبة من طلبة الجامعات - بحكم أنها تكون في العادة الخيار الأول للطلبة من أصحاب المعدلات العالية - وهي الجامعة الوحيدة التي تقع في قلب العاصمة عمان، حيث يكون تأثير الشارع الطلابي على الرأي العام وبالعكس كبيراً.

العمل النقابي الطلابي بدأ منها، aqوفيها تبلورت معظم التحركات الطلابية والتوجهات المتعلقة بحرية العمل الطلابي؛ منها انطلقت مبادرة الوحدة الطلابية التي انبثقت عنها اللجنة التحضيرية للاتحاد العام لطلبة الأردن، ومنها تأسس أول مجلس للطلبة في الجامعات، وفيها طبق نظام الصوت الواحد لأول مرة، كما كانت هي السباقة إلى تطبيق نظام التعيين. إضافة إلى ذلك، فإنها كانت تعتبر المعقل الأهم للاتجاه الإسلامي، فقد سيّطر الإسلاميون على مجلس طلبة الجامعة منذ قيامه سنة 1991 ولغاية 2001، حين قاطعوا الانتخابات نتيجة صدور نظام التعيين.

.. من هنا يستطيع المرء أن يدرك سر الترقب الكبير لقرار رئاسة الجامعة الأردنية حول نظام التعيين، ومن هنا أيضاً يتفهم المرء- إلى حد ما- هذا التردد الكبير لرئيس الجامعة الأردنية خالد الكركي - في اتخاذ قرار قطعي وواضح بشأن الانتخابات في الجامعة.

استلم خالد الكركي، رئاسة الجامعة في ظل أجواء مشحونة في الجامعات بشكل عام والجامعة الأردنية بشكل خاص، فقد أقر نظام التأديب الجديد قبيل استلامه لمهامه بأقل من شهر، وهو نظام قوبل باستهجان من قبل منظمات حقوق الإنسان والحركات الطلابية الفاعلة، كما أن ظاهرة العنف في الجامعات كانت حديث الشارع في ذلك الوقت، وبخاصة بعد زيارة الملك إلى الجامعة الأردنية في أيار/مايو 2007، إضافة إلى ظهور الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" وما أحدثته من إرباك لواضعي استراتيجية التعليم العالي في بندي "خفض الدعم المالي للجامعات" و"الحريات الطلابية".

في ظل هذه الأجواء استلم الكركي رئاسة الجامعة، ونظراً لتاريخه القومي، فقد توقع المراقبون أن يكون تعيينه تجسيداً لرغبة حكومية في التخفيف من القيود على الحركات الطلابية، وعلى رأسها ملف "التعيين في انتخابات مجلس طلبة الجامعة"، لذا انتظر الجميع أن يكون العام 2008 هو عام العودة إلى الانتخاب الكامل لأعضاء مجلس الطلبة. ولكن كانت المفاجأة أن حدد الكركي يوم 15 أيار/مايو موعداً لإجراء الانتخابات دون إلغاء التعيين، وجاء تحديد الموعد بعد أقل من أسبوع على زيارة الملك إلى جامعة اليرموك، والتي أكد فيها ضرورة تعزيز وتنمية الحياة السياسية لدى الطلبة، ما أدى إلى استنكار الأوساط الحقوقية لقراره، بل وصل الأمر بحملة «ذبحتونا» إلى المطالبة باستقالته، إلا أن رئيس الجامعة عاد وفاجأ الجميع، فقد يتراجع عن قراره ليصدر تصريحاً صحفياً عائماً حلّ بموجبه المجلس الحالي، وأجّل انتخابات مجلس الطلبة إلى حين "إصدار تعليمات تحقق توسعة القاعدة الديمقراطية". وهنا لا بد من قراءة تفصيلية في أسباب هذا القرار وتداعياته:

أولاً: ثبت بالتجربة العملية أن قرار التعيين في الجامعة الأردنية قرار أمني أولاً، وسياسي ثانياً، وأن الأحاديث والتصريحات من قبل رؤساء الجامعة السابقين واللاحقين حول تبريرات القرار هي للاستهلاك المحلي لا غير. وللتدليل على ذلك، أذكر هنا موقفين، الأول عندما صرح رئيس الوزراء الأسبق عدنان بدران أثناء توليه رئاسة الحكومة بأنه سيعمل على إلغاء نظام التعيين في الجامعة الأردنية، وذلك أثناء لقاء له مع نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، والموقف الثاني هو تأكيد خالد الكركي لعدد من زواره - ومن بينهم نواب ونقابيون وحقوقيون - بأنه سيلغي نظام التعيين في الجامعة الأردنية. ولكن رئيس الجامعة فشل في إلغا القرار، مثلما فشل رئيس الوزراء من قبله!!

ثانياً: استخدام رئيس الجامعة للمادة (26) من تعليمات مجلس الطلبة، والتي تعطيه صلاحية حل المجلس دون إبداء الأسباب، هو تعسف في استخدام مادة عرفية، فهذه المادة وضعت لتكون سيفاً مسلّطاً على رقاب أعضاء مجلس الطلبة، يلوح بها رئيس الجامعة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وما استخدام هذه المادة سوى دليل على حجم الاستخفاف بالمجلس وعضويته، بغض النظر عن رفضنا لتركيبة المجلس. فنحن هنا نتحدث عن احترام الهيئات؛ فعلى سبيل المثال نحن نرفض قانون الصوت الواحد في الانتخابات البرلمانية ونتحفظ كثيراً على تركيبة مجلس النواب، لكننا سنكون أول الرافضين لقيام مجلس الوزراء بالتنسيب بحل المجلس.

ثالثاً: إذا كان هنالك قرار قطعي بإلغاء التعيين - ترك الكركي موضوع التعيين معوّماً في تصريحاته - وإقامة انتخابات ديمقراطية كاملة، فقد كان من الأولى أن تقام الانتخابات في موعدها، ومن الممكن تطبيق تعليمات العام 1995 (الصوت الواحد) أو تعليمات عام 1991 (نظام القوائم) لحين إنجاز نظام يحقق "تطلعات إدارة الجامعة لتوسعة القاعدة الديمقراطية لطلبتها"، كما ذكر الكركي في تصريحه، لا أن يتم حل المجلس وتأجيل الانتخابات علماً بأن الاتجاه الإسلامي - وهو الحركة الطلابية الأكبر في الجامعة - أعلن مشاركته في الانتخابات حتى في ظل نظام التعيين.

إن تأجيل الانتخابات في الجامعة الأردنية وإبقاء موعدها مفتوحاً دون تحديد، يترك المجال مفتوحاً لخيارات كثيرة، وربما أراد الكركي بذلك أن يعطي لنفسه وقتاً أطول للتفكير في كيفية الخروج من مأزق التعيين بأقل الأضرار.

الشارع الطلابي يبدو أنه مقبل على خريف ساخن، فمع بداية الفصل الدراسي الأول تكون الحكومة قد أقرت نظام التأديب العام، الذي يسمح للأجهزة الأمنية بدخول الجامعات، وتكون قد تبلورت أيضاً الصورة النهائية لشكل انتخابات مجلس طلبة الجامعة الأردنية، وما إذا كان سيلغى نظام التعيين، أم سيأتي الكركي بنظام توفيقي يجمع بين الجانب الأمني وجانب الحريات الطلابية، ورغم عدم فهمنا لكيفية الجمع بينهما فإن من الظاهر أنه سيكون الاحتمال الأرجح .

اخطأ طلبة الاتجاه الإسلامي بالاحتفال بتأجيل انتخابات مجلس الطلبة، واعتبارهم التأجيل انتصاراً لهم، كيف يحتفلون بانتصار لم يتحقق، وإن تحقق فإنهم على الأقل لم يكونوا الرافعة الأساسية لتحقيقه- إذ أعلن الإسلاميون قبل أسبوعين استعدادهم للمشاركة في الانتخابات وفق نظام التعيين.

(*) طبيب، منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا".

تأجيل انتخابات الجامعة الأردنية: هروب إلى الأمام
 
15-May-2008
 
العدد 26