العدد 26 - حريات
 

سامر خير أحمد

شهد المجتمع الأردني خلال الأيام القليلة الفائتة، جريمتي شرف جديدتين، ارتفع بهما عدد الفتيات اللاتي قُتلن في هذا النوع من الجرائم، منذ مطلع العام الجاري، إلى خمس. واللافت في هاتين الجريمتين، أنهما وقعتا ضد فتاتين متزوجتين حديثاً، لا ضد فتيات غير متزوجات، كما يكون عليه الحال في معظم "جرائم الشرف"، لا بل إن إحدى هاتين الجريمتين وقعت بسبب اتهام الضحية بإقامة علاقة قبل الزواج، مع الشاب نفسه الذي تزوجت منه، وهو قريبaها، ما يعني أن زواجها منه لم يعفها من القتل، ولم يكن كافياً في نظر أهلها لـ"تطهير شرف العائلة"!

هذه الجريمة، وهي الرابعة لهذا العام، كانت ضحيتها في العشرينيات من عمرها، وحامل في شهرها الثالث، وقد وقعت في منطقة وادي السير بعمان، إذ قام شقيقها بإطلاق ثلاث رصاصات على رأسها، فقتلت على الفور، ثم قام بتسليم نفسه للمركز الأمني معترفاً بجريمته، حيث تم إيقافه على ذمة التحقيق.

أما الجريمة الأخرى، أي الخامسة للعام الجاري، فكانت أكثر غرابة في طريقة تنفيذها، إذ اصطحب شاب في العشرينيات من عمره، شقيقته التي تبلغ من العمر 22 عاماً، وتدعى "آيات"، إلى البحر الميت، وقام بإغراقها في مياهه عبر الضغط على جسدها بهدف إبقائها تحت الماء حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبعدها أخرج جثتها ووضعها في الكرسي الخلفي لسيارته، وعاد إلى عمان، حيث دخل مركز أمن الحسين حاملاً الجثة بين ذراعيه، وسلم نفسه معترفاً بجريمته. وقد وقعت الجريمة بعد أسبوعين من زواج الفتاة، وأوضح موقع "إيلاف" على الإنترنت، أن أهل الزوج كانوا اتصلوا هاتفياً بأهل الضحية، طالبين منهم الحضور لأخذ ابنتهم من بيت زوجها، مدعين أنهم شاهدوا شخصاً غريباً يخرج من منزلها، فما كان من الأهل بعد أن أخذوا ابنتهم، إلا أن أوسعوها ضرباً بالعصي في محاولة لإجبارها على الاعتراف بما حصل، قبل أن يصطحبها شقيقها إلى مياه البحر المالحة. وقد ادعت عائلة الضحية، حين قرر المدعي العام إيقاف أفرادها على ذمة التحقيق، بتهمة تدخلهم في القتل، بأن ابنهم الذي نفّذ الجريمة، كان أوهمهم بأنه سيسلم الفتاة لزوجها، بمعنى أنهم لم يكونوا يعلمون بأنه يمضي بها إلى حتفها.

يطرح هذا النوع من الجرائم، سؤالاً حول إصرار "المجتمع" على القتل، باعتباره الحل الوحيد لما يسمى تطهير الشرف: ألا يُعد زواج الفتاة من الشخص الذي اتهمت بإقامة علاقة معه، قد تكون صحيحة وغالباً لا تكون كذلك، بمثابة "حل وسط" بديل عن القتل والجريمة؟

يقول إبراهيم أبو زيد (31 عاماً)، الذي يؤيد جرائم الشرف لأن "الشرف غالٍ" كما يقول، إن تزويج الفتاة بالشخص الذي تقيم معه علاقة غير مشروعة، ليس حلاً كافياً، وإلا صارت هذه الطريقة وسيلة يلجأ إليها الشباب والفتيات لإجبار الأهل على ارتباطهما، إذا ما كانت عائلة الفتاة لا توافق على الزواج، فتصير بذلك بديلاً للخطبة التقليدية المتعارف عليها بين الناس، ولا يعود ثمة حاجة "للدخول من الباب"، وهو أمر يضيع حقوق الفتيات قبل حقوق الأهل، فضلاً عن أنه يعد بمثابة مكافأة للمجرمين على جريمتهم، بدلاً من معاقبتهم عليها. ويضيف إبراهيم، أن من يقدم على الزواج بهذه الطريقة، لن يربي أولاده وبناته تربية صالحة، ولن يمانع بأن تتزوج بناته بهذه الطريقة، وهو ما يشيع هذه الممارسة في المجتمع، ويفسد حياة الناس.

علي زريق (30 عاماً)، ينحو المنحى نفسه، مؤيداً جرائم الشرف ضد الفتاة سواء انتشر خبر "جريمتها" بين الناس وصارت "فضيحة"، أو حتى اقتصر الخبر على أهل الفتاة ولم يعلم به أحد، ويقول إن الزواج ليس حلاً مقبولاً، لأنه لن يصنع عائلة سعيدة ومتماسكة، إضافة إلى أن الزوج لن يكون عندها مخلصاً لزوجته، لأنه يعرف ماضيها "غير الشريف"، وسيواصل شكه فيها إلى الأبد، وعلى الأغلب فإن زواجه بها لن يكون إلا مؤقتاً، في محاولة للتخلص من ضغوطات أهلها والمجتمع. وفي رأيه تكون المصيبة أكبر لو حملت الفتاة نتيجة علاقة ما قبل الزواج، إذ سينظر الأبوان طيلة عمرهما لولدهما باعتباره "ابن حرام"، ولن يعطفا عليه كما يعطف الآباء على أولادهم المولودين في إطار الزواج.

أما خزعل الحطاب (34 عاماً)، فلا يؤيد ارتكاب جريمة القتل في حق من يوافقون على الزواج، ويرى أن الخطأ لا يُعالج بالخطأ، فلعل الله يهدي الزوجين، وينتهي الأمر بتكوين أسرة، بدلاً من ارتكاب القتل وخلق المشاكل في المجتمع. لكنه يرى أنه في حال عدم تزويج الطرفين، كحل لعلاقتهما غير المشروعة، فإن "جريمة الشرف" تكون مبررة، ولا بديل عنها.

شيما التل (36 عاماً)، ترفض جرائم الشرف، جملة وتفصيلاً، وترى أن الحل لا يكون بتزويج الطرفين، بل بترك موضوع العلاقات غير المشروعة للقانون، فالزواج الناجح يكون بتراضي الطرفين عليه منذ البداية، لا بإكراههما. وتنتقد التل تغييب الاحتكام للقانون لدى المجتمع، مشيرة إلى أنها تعتبر جرائم الشرف ممارسة متخلّفة، من حيث المبدأ.

جرائم الشرف مؤشر على درجة التخلف التي يعاني منها مجتمع ما، حتى لو كان هنــالك من لا يزال ينادي بغسل العار بالنار.

حين لا يحُول “تزويج الفتاة” دون قتلها
 
15-May-2008
 
العدد 26