العدد 4 - اقتصادي
 

انتخب الأردنيون الأسبوع الماضي 110 ممثلاً لهم في البرلمان الخامس عشر، وظهرت النتائج لتتلخص في ظاهرتين: بذخ الحملات الانتخابية الممولة من الأفراد، ونجاح عدد بسيط من مرشحي جبهة العمل الإسلامي فقط، أي أن غالبية النواب ستكون من الأثرياء، ولن يكون أثر للأحزاب والكتل الحزبية في البرلمان القادم. الواضح أن الاقتصاد هو هم البيت الأردني وليس السياسة، وأن المال في ظل غياب الحزبية كان له الدور الأكبر في التعريف بالمرشحين وبالتالي في انتخابهم.

بدأت الحملات الانتخابية قبل شهر من تاريخ الاقتراع (2007/11/20)، وتراجع عدد المرشحين من 992 إلى 885 في 2007/11/17، وخلت الانتخابات من الأحزاب باستثناء جبهة العمل الإسلامي التي طرحت 22 مرشحاً ومرشحة. من الملاحظ أن توزيع المقاعد الانتخابية لا يتماشى مع عدد السكان في المحافظات. فحسب أرقام إحصاء السكان عام 1994، بلغ عدد سكان محافظة عمان 1.6 مليون نسمة، وحسب الأرقام الحالية مليوني نسمة، وتنتج المحافظة %90 من الناتج المحلي ولكن لها 23 مقعداً فقط، أي %20 من التمثيل في البرلمان، بينما يسكن في محافظة البلقاء 280 ألف مواطن (أو 14 % من عدد سكان محافظة العاصمة) وهم ممثلون بعشرة مقاعد (أو 9 % من التمثيل على مستوى الوطن)، وفي الوقت ذاته تحصل محافظة الكرك على عشرة مقاعد بينما عدد سكانها مائة وسبعون ألفاً، وتحصل محافظة المفرق (عدد السكان مائة وتسعة وسبعون ألفاً) على أربعة مقاعد فقط.

لقد أنفق كل مرشح مائة ألف دينار في المتوسط، على الحملة النيابية، وهي موازنة مرتفعة بالنسبة لما أنفق في الأعوام الماضية. وقد يكون أحد أسباب ذلك أن الأغنياء ازدادوا ثراء في الأعوام الثلاثة الماضية بينما اشتد فقر الفقراء. فحسب مسح العائلات الأخير لدائرة الإحصاءات العامة، استهلك أغنى 10 % من السكان 36 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2006 بينما استهلك أفقر 10 % من السكان 2.6 % من الناتج المحلي فقط.

مجموع ما أنفق على الحملات الانتخابية تجاوز 100 مليون دينار (حاصل ضرب المتوسط للمرشح في عدد المرشحين). إن إنفاق الأغنياء من أموالهم ظاهرة إيجابية تعود بفرص العمل وفرص الإشباع للباحثين عن العمل والفقراء، خصوصاً أن الوجبة الأساسية التي قدمها المرشحون هي المنسف المكون من الأرز واللحم واللبن والخبز، وجميعها مواد أساسية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة ارتفاع أسعارها عالمياً، ورفع الدعم عن بعضها، علاوة على إضافة 12 % كضريبة مبيعات قبل أسبوعين على أحد مكوناتها (المكسرات كاللوز والصنوبر) لتصبح بذلك الضريبة 16 %، وبهذا تكون الحكومة استفادت أيضاً من دخل الأغنياء ومناسفهم.

أما بالنسبة للصوت الواحد، فالأردنيون راضون عن هذا القانون، الذي بدأ العمل به منذ 14 عاماً، حسب دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والتي تبين رضا 61 % من السكان عن هذا القانون.

ما الذي سيحصل عليه البرلمانيون الجدد؟ بما أننا لا نستطيع أن نحسب، لعدم توافر الأرقام، الفائدة المتحققة للبرلماني من الشهرة والظهور الإعلامي والقدرة على التأثير في القرار الحكومي، فإننا سنركز، بافتراض أن البرلمانيين يمثلون فعلاً مصالح منتخبيهم وليس مصالحهم الشخصية، على الدخل المباشر المتحقق لكل برلماني: 1500 دينار شهرياً وتقاعد لمدى الحياة بعد أربع سنوات، إعفاء جمركي لسيارة واحدة (10 آلاف دينار في المتوسط). وبافتراض أن الكثير من البرلمانيين هم من الشباب وبما أن متوسط الحياة للأردني هو 70 عاماً، فإن تكلفة كل برلماني على الموازنة تتكون من الراتب الذي يتقاضاه خلال أربع سنوات وراتب التقاعد مدى الحياة والإعفاء الجمركي لسيارة من اختياره، أي 550 ألف دينار، ومجموع ما سيحصلون عليه من نقد مباشر هو 60.5 مليون دينار، أي 11 ديناراً من كل مواطن أردني، أو أقل من 1 % من الناتج المحلي الإجمالي. مقابل هذا سنطالبهم بحل القضايا الاقتصادية المهمة أولاً. والتركيز على هموم وآلام الفقراء في ظل معدلات بطالة وفقر عاليين وتضخم مرتفع في أسعار الأساسيات، ونتمنى لهم التوفيق، كل التوفيق.

اقتصاديات الانتخاب والتصويت والبرلمان – د. يوسف منصور
 
29-Nov-2007
 
العدد 4