العدد 25 - استهلاكي
 

مع بداية العام الحالي طرأت تغييرات جذرية على توجهات الأردنيين السكنية، فبعد أن كانت الشقق ذات المساحات الكبيرة هي المفضلة لدى السواد الأعظم من السكان، بدأ المواطنون يتجهون إلى شراء الشقق ذات المساحات "الصغيرة" نسبياً، بما يعكس، بحسب عاملين في سوق العقار ومحللين، تحولاً واضحاً في السوق لسنوات قادمة.

أرقام دائرة الأراضي والمساحة تؤكد توجهاً واضحاً نحو شراء شقق تراوح مساحاتها بين 120 و150 متراً مربعاً، التي ارتفعت نسبة مبيعاتها في الربع الأول من هذا العام بنسبة 26 بالمئة، مقابل تراجع الطلب على مساحات الشقق التي تزيد على 197 متراً مربعاً بنسبة مقدارها 1 بالمئة. الشقق ذات المساحات التي تقل عن 120 متراً مربعاً زاد الطلب عليها بنسبة 15 بالمئة.

"المواطنون الآن يقدمون العديد من التنازلات، فيما يتعلق بمواصفات المنازل التي يسكنونها،" يقول المستثمر في قطاع الإسكان، صفوان العمد. ويستطرد: "الآن المواطنون لا يرغبون بغرف واسعة جداً أو غرفة لعاملة التنظيف أو غرف ضيوف واسعة لأنهم ببساطة لا يقدرون على شرائها."

هذه التغيرات بحسب عاملين في قطاع الإسكان، جاءت نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية. الحكومة أيضاً ساهمت في هذا التحول عندما قررت في العام 2006 إلغاء إعفاء على رسوم التسجيل ونقل الملكية كان يمنح لمشتري الشقق التي تقل مساحاتها عن 150 متراً مربعاً. الحكومة قللت مساحة الشقة التي يمنح مشتريها إعفاءً من 150 متراً مربعاً إلى 120 متراً مربعاً. القرار نص أيضاً على منح إعفاء جزئياً للشقق من مساحة 121 متراً مربعاً إلى 150 متراً مربعاً. فيما لا تمنح الشقق التي تتجاوز مساحتها 151 متراً مربعاً أي إعفاء.

ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الإنشاءات من حديد وإسمنت وغيرها والناجمة عن ارتفاع الطلب العالمي، وتواصل مسلسل ارتفاع أسعار البترول وإزالة الدعم محلياً عن مشتقات البترول، رفع أسعار الشقق السكنية بشكل "صاروخي". يضاف إلى ذلك أن أسعار الأراضي في المملكة تضاعفت أكثر من مرة على مدى السنوات القليلة الماضية مما انعكس على أسعار الشقق السكنية.

رئيس جمعية مستثمري قطاع الإسكان، زهير العمري، قال إن دراسة حديثة للجمعية بيّنت أن معدل المساحة المقبولة للشقق لدى المواطنين انخفض في العام 2007 من 202 متراً مربعاً في العام الذي سبقه إلى 180 متراً مربعاً.

العمري، قال إن المستثمرين في هذا القطاع قاموا بالتكيّف مع هذا التغيير. الإعلانات المبوبة في الصحف المجانية نهاية هذا الأسبوع حملت العديد من الإعلانات عن شقق في تلاع العلي، وأم السماق، وخلدا تراوح مساحاتها بين 90 و140 متراً مربعاً وبأسعار تبدأ من 48 ألف دينار. مساحات الشقق التي بنيت في هذه المناطق الثلاث على مدى السنوات القليلة الماضية لم تكن في الأغلب تقل عن 170 متراً مربعاً.

المواطنون يدفعون ما نسبته 35 بالمائة من ثمن الشقة ضرائب ورسوم وتسجيل وهذا يرفع الكلف، يقول العمد، الذي يشتكي من أن عدد العمارات السكنية التي كان يشيدها كل عام انخفض من معدل 18 عمارة في الأعوام السابقة إلى ثماني عمارات هذا العام وذلك بسبب ارتفاع الكلف.

محلياً، ارتفعت أسعار الحديد المسلح من نحو 1540 دينار بداية العام الماضي إلى ما يتجاوز 900 دينار هذا العام. طن الإسمنت ارتفع من 40 ديناراً إلى 106 دنانير لفترة المقارنة ذاتها.

العمري، قال إن عدد الوحدات السكنية التي تحتاجها المملكة سنوياً يبلغ نحو 45 ألف وحدة، فيما يقدر العجز المتراكم في المملكة من الشقق بحوالي 215 ألف وحدة.

أستاذ علم الاجتماع، موسى شتيوي، يرى أن تكيّف الأسر الأردنية مع التغيرات الاقتصادية التي فرضت واقعاً إسكانياً واجتماعياً جديداً تغيّر إيجابي. بجانب الدافع الاقتصادي البحت، يلاحظ شتيوي أن "الأجيال الجديدة" تنجب عدداً أقل من الأطفال، ولذا فإنها أصغر وحاجتها للمساحات السكنية أقل.

هذه التغييرات على بنية الأسرة الأردنية رافقها تغيّر في رؤية أصحاب المنزل لوظائفه الاجتماعية. البيوت لم تعد مكاناً للاجتماع، كما كان في السابق، ولم تعد هناك حاجة لم يسمى "بالمضافة"، في ظل تباعد الأسر، ووجود عدة أماكن عامة تؤدي وظائف اجتماعية هامة مثل:الأعراس و"الأتراح" والاجتماعات العائلية الكبرى.

شتيوي يرى أن هذا التغير إيجابي لأن الأنماط السابقة للسكن كان يشوبها نوع من الهدر خصوصاً عند تخصيص مساحات كبيرة لـ "غرف الضيوف" التي نادراً ما كانت تستخدم.

"نستطيع القول إن المستهلك الأردني مستهلك منطقي وذكي، خصوصاً عندما نتحدث عن الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود."

ارتفاع أسعار العقارات يدفع لشراء شقق بمساحات أقل
 
08-May-2008
 
العدد 25