العدد 25 - اقليمي
 

معن البياري

أسباب غير قليلة يعود إليها ضعف التجاوب في مصر يوم الأحد الماضي 4 مايو أيار الحالي مع الدعوة إلى إضراب عام، وأكثر من سبب يعود إليها الاتّساع النسبي لحالة التجاوب مع الدعوة السابقة إلى إضراب يوم 6 ابريل الماضي، وهما دعوتان تعلّقتا أساسا بالاحتجاج على الغلاء، وبالمطالبة برفع الأجور، والإفراج عن المعتقلين السياسيين. الأساسي في الواقعتين أن شبّاناً هم من كانوا الدعاة الرئيسيين لهذا التحرك،الذي نأت عنه جماعة الإخوان المسلمين في طوره الأول، وساندته في طوره الثاني. وبات معلوماً أن أولئك الشبان اختاروا شبكة الإنترنت وسيلة التواصل والتعبئة والتحشيد لتنظيم الإضرابين، واشتهرت من بينهم إسراء عبد الفتاح (28 عاماً) الموظفة في شركة خاصّة، وتردد أنها، وهي المحجّبة، من أنصار حزب الغد المعارض الذي يُوصف بأنه أكفأ التشكيلات الحزبيّة المصرية الراهنة في اجتذاب الشبان وتنشيطهم، وساهم اعتقال إسراء لأيام في إشهار تقنية استخدام موقع «فيس بوك» على الشبكة العنكبوتية، وهو الفضاء الذي تمكّن من تظهير إمكانيات أولئك الشبان، وتجميع قدراتهم في أن تكون للمدوّنات التي بادروا إلى إنشائها فاعليتها، أو نفوذها على الأصح، في سياق الحثّ على الانتظام في الإضراب الاحتجاجي، تحت حملة «خليك في البيت» وغيرها.

وعلى ما أفيد في الأثناء، فإن شبّاناً مدوّنين ممن لم يكن لهم اهتمام بالشأن السياسي انضموا إلى نحو نصف مليون شاب (بحسب أرقام مرجحة) شكلوا قوافل الداعين والمنخرطين في الإضراب. وأفيد أن الحكومة والحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) استعانا بشباب من ذوي الخبرة في التعامل مع المدوّنات، أو الذين تستهويهم غرف الدردشة في «الإنترنت» للحض على رفض الدعوة إلى الإضراب.

وذُكر أن مدارس عديدة عمدت إلى فرض امتحانات مفاجئة على التلاميذ، للتأثير عليهم وجعلهم يستنكفون عن الاعتصام في منازلهم تجاوباً مع المُضربين. والبادي في هذين المسلكين، وغيرهما ربما، أن المؤسسة المصرية الرسمية تتحسس جدّياً، وربما تتخوّف، من ظاهرة اتساع انشغال الشبان في الشأن العام، ودخولهم في مناشط ذات صبغة سياسيّة، احتجاجية وساخطة خصوصاً، الأمر الذي يعدّ بالنسبة إلى المؤسسة المذكورة مستجدّاً يُنذر بعودة الحيوية إلى النشاط الشبابي والطلابي في مصر، بعد أن انحسر طويلاً وانكفأ، وبعد النجاح الظاهر لسياسة إبقاء الجيل الجديد منشغلاً بهمومه الذاتيّة وأوضاعه الخاصّة، وإغراقه في أجواء الترفيه والتسلية والثقافة السطحية والاستهلاكية.

ويُنسب إلى الرئيس حسني مبارك الذي لم يعرف 60 بالمئة من المصريين رئيساً غيره، الذي اختار الداعون يوم ميلاده الثمانين موعداً للإضراب الأحد الماضي، يُنسب إليه أنه دشن عهده قبل 28 عاماً بسياسة «لا علم في السياسة ولا سياسة في العلم»، وأن «الطالب طالب علم وبس»، وذلك في سياق محاصرة السلطات العمل الطلابي والشبابي.

وإذا كانت ظواهرُ غير قليلة تتعلق بالشبان المصريين في اللحظة الراهنة، تُشابه غيرها لدى نظرائهم العرب عموماً، فإن ما يمكن قوله إن تمايزاً يستجدّ بشأنهم، موجزه أن حيويّة خاصّة بدأت ملامحها بالظهور، وتعكس نفسها في انخراط نسبٍ عالية منهم في النشاط الاحتجاجي العام في بلدهم، وهو النشاط الذي يطرد اتساعاً وعلى غير صعيد، حيث كان العام 2007 الذي انقضى عام إضرابات واحتجاجات عديدة غير مسبوقة ومتنوعة في مختلف محافظات مصر.

يتوازى ذلك مع انتعاش تشكيلات المجتمع المدني،من خارج الأحزاب، والنقابات، والاتحادات المهنيّة المكرسة الموالية بعضها للسلطة، ومع ضعف حادّ للأحزاب على كثرتها،وشيوع مزاج من المحافظة تستفيد منه جماعة الإخوان المسلمين. والظاهر في هذا السياق أن مصر تعرف حالياً، ومنذ العام 2004، على ما يؤرخ متخصصون، رواجاً ملحوظاً لثقافة الاحتجاج التي تكسر حاجز الخوف، وارتفاعاً لوتيرة النقد والانتقاد للنظام، وبحدّة أحياناً، ونشاطاً متواصلاً للتظاهرات السلميّة، وظهور قطاعات غير هيّنة مهيأة لدفع أثمان نضالها المدني.

يرى الباحث المؤسس في الحركة المصرية للتغيير «كفاية» أحمد بهاء الدين شعبان، أن هذه الظواهر واجتماعها في سياق سياسي، واجتماعي متوتّر إلى حد ما، أحدث حراكاً خاصاً لدى الشباب المصري، انعكس مثلاً في بروز حركتي «شباب من أجل التغيير» و«طلاب من أجل التغيير»، وفي العمل الميداني والملحوظ وبهمة عالية لشباب حزب الغد المعارض الذي يقبع رئيسه أيمن نور، في السجن، وكذلك لشباب جماعة الإخوان. حضرت هذه التشكيلات في مختلف أنشطة «كفاية» وفي عدّة محافظات مصرية، وكذلك في إسناد تحركات القضاة وأساتذة الجامعات، وفي المشاركة الفاعلة في الاعتصامات الرافضة للتمديد والتوريث، والرافضة للعلاقات مع إسرائيل والداعمة لشعب فلسطين، وغيرها من أنشطة كانت ظاهرة في الشارع المصري ظاهراً، وإن وجب عدم المبالغة في تقدير مساحته.

يُشار إلى هذا مع أهمية ربطه بالوقائع الاجتماعية الراهنة في مصر، ومنها أن انحسار الوظائف وفرص العمل هو الهاجس الرئيس الذي يؤرق النسبة الغالبة من الشبان، وهو ما يكاد يكون سببا في ارتفاع نسبة غير المتزوّجين من الشبان المصريين إلى 37بالمئة، بحسب الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء الذي يفيد أن نحو 9 ملايين مصري تجاوزوا سن ال 35 عاماً من دون زواج،، وذلك من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 75 مليوناً.

وزارة العدل قبل أيام، نشرت أن 200 ألف جامعية مصريّة من ذوات التحصيل العلمي العالي تزوجن من أميين أثرياء،مصريين وعرب وأجانب كبار في السن، هرباً من العنوسة والفقر. وكشفت وزارة الشؤون الاجتماعية أن 255ألف طالب وطالبة يمثلون 17بالمئة من طلبة الجامعات المصريين اختاروا الزواج العرفي،وسيلة للهروب من أي التزامات مادية، ليصبح الزواج تلبية فقط للاحتياجات العاطفيّة. وفيما المعطيات على هذا النحو الذي ييسر أسباباً مضافة للنقمة والتوّتر وشيوع مزاج مكتئب، فإنه يعد مستجدّا غيرَ هيّن الدلالة تنشيط الشبان لفاعليتهم وتنظيم أطر وسياقات مبتكرة للاحتجاج على الواقع العام،الذي يُغالب فيه الغلاء الشنيع والفساد الكبير وانتشار المحسوبيات وتسلط الأجهزة الأمنية وتسيد «العواجيز» في الدولة والأحزاب،وتردي حالة التعليم ومستوياته النوعية.

من المبكر تلمس آثار هذا المستجدّ ونتائجه، لا سيّما أن ذلك يأتي بعد قناعات توطنّت وأكدتها دراسات اجتماعيّة، مسحيّة وميدانيّة، دلّت على أزورار الشبان عن السياسة والنشاط فيها، بل وخوفه على نفسه منها أيضا. من ذلك أن استطلاعات وكشوفات علميّة أظهرت قبل أعوام أن 87 بالمئة من عيّنة متنوعة من الشبان المصري لا يعبأون بالأحداث الجارية، وأن 88بالمئة لا ينتمون إلى حزب سياسي، وأكثر من 92بالمئة يخشون العمل في السياسة. وتنظر الغالبية إلى مؤسسات العمل السياسي على أنها مجرد ديكور، ولا قناعة لديهم بجدوى المشاركة في الانتخابات، ويجمع بينهم السخط على الأوضاع السياسية والعامّة. هذا كله وغيره طبعا، يجعلهم يندفعون إلى شؤونهم الحياتيّة، وينصرفون إلى تحسين أحوالهم الاقتصادية والمعيشية، وإلى تزجية الوقت في مناشط التسلية والترفيه، أو التعبد والانتظام في حلقات الدرس الديني، من دون أي حرص على امتلاك معرفة سياسية.

يذهب أحمد بهاء الدين شعبان في بحث له في مجلة «الآداب» البيروتية مايو أيار يونيو حزيران 2006 إلى أن هذه القناعات باتت تتغيّر كثيراً باتجاه انخراطٍ في عمل مدنيّ احتجاجيّ، والظاهر في مستجدّات الأشهر الأخيرة، وواقعتي إضرابي 6 نيسان/أبريل و4 مايو المحدودين. أن سخط الشبان على الأحوال الموجزة الوصف هنا بات يدفع إلى اجتراح صيغ من الاحتجاج، جديدة وفاعلة، لا تأخذ بالضبط بأطر العمل التقليدي للأحزاب التي يرميها هؤلاء بأنها شائخة. وها هم آلاف ممن حشدوا في «فيس بوك» على الإنترنت للإضراب يعتبرون أنفسهم قوى معارضة جديدة.

وفي البال أن قوى التغيير والتحديث والنهوض في مصر الملكيّة كانت غالباً من الشبان ويقودها شبان وتعتمد أساساً على الشبان، وفوجئت مصر بعد ذلك بأن شبّاناً هم من قاموا بثورة يوليو تموز 1952. ولا أحد يشتهي لمصر تغييراً جديداً يقوده عسكريون جدد، وإن كانوا على وطنيّة وحماس أولئك الشبان، بل يقوده ويقوم به مدنيون منحازون إلى المدنيّة وقيم المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، مواظبون على ثقافة السلام والأمن الاجتماعي.

الشبان المصريون.. قوة معارضة جديدة؟
 
08-May-2008
 
العدد 25