العدد 25 - بورتريه
 

خالد ابو الخير

أداؤه طوال أربعين عاماً من العمل العام عرضة لتساؤلات، ودأبه العمل بصمت.

يجد نفسه في زراعة الأرض، لدرجة أنك تخال المناصب التي حازها مجرد تنويع مثير على الدرب الى البلقاء، حيث تنحني هامات الذرى، ويعفر الوجه المدى.

ولد مروان الحمود في حي العيزرية، بمدينة السلط العام 1942، وفي فمه "ملعقة" من سياسة وهم عام. وتفتحت مدارك الفتى السلطي الأسمر على والده عبد الحليم النمر، السياسي والمفكر القومي و"الشيخ" الذي يؤم منزله سياسيون ومثقفون وناس عاديون، قصدوا وساطته في إصلاح ذات بين أو مشورة.

"أبي مدرسة تتلمذنا في أفيائها، فقد وعيت عليه مشغولاً بصورة دائمة مشاركاً في نشاطات حزبه "الوطني الاشتراكي"، سواء في الانتخابات أو الاجتماعات أو التظاهرات أو مشاورات تشكيل الحكومات، التي كنت أحضر شطراً منها" وفق الحمود.

وقف الحزب الوطني الاشتراكي في سنوات الخمسينيات موقفاً معارضاً لحلف بغداد، ومحرضاً على إسقاطه. وحين كلف الملك الراحل الحسين، عبد الحليم النمر عضو حزب الأكثرية "الوطني الاشتراكي" في البرلمان بتشكيل الحكومة العام 1956، اعتذر لأن رئيس الحزب سليمان النابلسي الذي خسر الانتخابات أحق بها. وهكذا كان.

" إذا كان فينا، نحن أبناء عبد الحليم النمر، شيء جيد ومميز فقد أخذناه منه". يعقب الحمود بصمت يكتنفه الإجلال.

"كان عبد الحليم النمر صادقاً ملتزماً بقضايا أمته ووطنه يؤمن بالمشروع النهضوي العربي في مواجهة المشروع الصهيوني. وقد جسد ذلك من خلال أدائه كنائب وكاتب وسياسي في صحيفة الميثاق. منحازاً الى الطبقة العاملة ". يصفه سياسي عاصر فترة الخمسينيات والستينيات.

ولأن "من شابه أباه ما ظلم"، فقد انخرط مروان في التظاهرات التي اندلعت ضد المعاهدة مع بريطانيا، واحتفاء بتعريب قيادة الجيش العربي، وفي مواجهة حلف بغداد، ومشروع "فراغ" ايزنهاور، وفي كل مفاصل القضية الفلسطينية. وبتقديره "أن مشاكل الأمة كلها سببها عدم حل القضية الفلسطينية، وعدم قناعة الناس جميعا بالحلول المطروحة التي لا تلبي طموحات الشعب العربي عامة والفلسطيني بخاصة".

..أمضى مروان الحمود طفولته وصباه متنقلا بين ضفتي النهر، فقد درس في مدرسة السلط الثانوية ومنها تخرج وحاز "المترك"، كما درس في كلية بير زيت التي صارت جامعة الآن، ثم أكمل دراسته في كلية الحسين الزراعية في طولكرم.

عن المرحلة الفلسطينية في حياته يقول: أمضيت 9 سنين هناك، ويمكنني القول إنني اعرف فلسطين كلها، لي صداقات ما تزال تمتد من تلك الأيام، والشعب الفلسطيني من أنقى وأصدق الشعوب ولا مثيل له في نضاله ووفائه لقضيته".

أدت وفاة الوالد العام 1964 الى أن يطرأ على العائلة وضع مالي جديد، ما اضطره الى العمل في الأرض.. وهزته حرب 1967 في العمق، فقد راعه أن تنهار الجبهات العربية ويتبخر حلم التحرير بهذه البساطة، وتغدو الطرقات الى غربي النهر محفوفة بجنود الاحتلال.

انتخب رئيسا لبلدية السلط في العام 1968 وتميز ادأؤه بالعمل على الاقتراب من الناس وخدمتهم.

يجمع محبوه على أنه "طيب القلب، دمث، واسع الأفق، وله باع في العمل العام" فيما يجادل منتقدوه بانه "قليل الكلام، لم يبرز في موقف قوي أو ينقل على لسانه تصريح مدو، ويصعب تصنيفه هل هو: اصلاحي أم محافظ".

يعتبر هو "أنه يعمل بهدوء ويبذل كل ما يستطيع لحل القضايا التي تعترض حياة الناس"، معلنا رفضه للمزايدات أو للتصنيفات، محدداً موقعه بأنه "من الناس ومعهم".

يصفه صحفي من أبناء السلط بأنه "من أبرز شيوخ المحافظة، محبوب لدى الجميع، وشخصية وطنية لها طريقتها الخاصة في إدارة الأمور تركت بصماتها في تاريخ السلط والأردن".

يشرح حزبي يساري علاقته معه " كان موقفي سلبياً منه من بعيد، لكني حين عرفته عن كثب اكتشفت أنه ذو أخلاق رفيعة، ويحتل مكانة محترمة في المدينة. ورغم أنه يرتدي بدلة وربطة عنق وله سجل في المناصب الحكومية، الا أنه في العمق يلعب دور شيخ العشيرة لكل أبناء السلط، وهو موجود في كل القضايا التي تتطلب تدخل علية القوم".

حين عصفت فتنة أيلول 1970 ، يحرص الحمود على القول "إن السلط تجاوزت تلك المرحلة بهدوء كبير" .

تزوج في العام 1970، زواجاً تقليدياً، وله من الأبناء ولدان وبنت "جميعهم درسوا على حسابي وليس على حساب الحكومة" يفاخر الحمود.

عين عام 1972 عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني ، ثم انتخب رئيساً لمكتب التنظيم الشعبي، واستمر فيه حتى عام 1973، سنة حل الاتحاد الذي يعبر عن عدم قناعته بحله "كان يجب ان يبقى لتفعيل الحوار وكقاعدة للديمقراطية والحرية".

عندما شكل زيد الرفاعي حكومته الأولى عام 1973 جاء وزيراً للبلديات، إذ عمل على إجراء عملية تنظيم كامل لمناطق في العاصمة عمان ثم انتقل في العام نفسه لحقيبة الزراعة، التي وضع لها نظامها الذي ما يزال معمولاً به الى الآن، واستمر بها حتى عام 1976.

يؤكد مقرب منه: على الرغم من أن الحمود أجرى عملية التنظيم لمناطق عمان كـ "أم السماق، وعبدون، وخلدا وغيرها، إلا أنه ليس مسجلاً باسمه ولا حتى شبر واحد من الأرض في تلك المناطق".

حين وقعت حرب 1973 اجتمع الملك الراحل الحسين بمجلس الوزراء وعرض أمامه إمكانيات الدولة كاملة، وخلص للقول مخاطباً الوزراء: "القرار لكم، أن نخوض هذه الحرب أو لا نخوضها".

تداول المجلس في الموضوع ليومين، وقرر عدم الاشتراك في الحرب بصورة مباشرة ،كون الأردن غير مستعد لحدث كهذا ،كما قرر المجلس: "مساعدة مصر، وسورية بكل ما أوتينا من قوة وإمكانيات، ووضعها تحت تصرف الدولتين الشقيقتين". كما أرسل الأردن اللواء الأربعين للقتال الى جانب الاشقاء السوريين في جبهة الجولان.

عين في العام 1978 عضواً في المجلس الوطني الاستشاري الذي يعده "نسقا من أنساق الديمقراطية" ويعتبر "وجوده في تلك المرحلة أفضل من لاشيء " الى أن أعيد المجلس النيابي القديم العام 1984، الذي انتخب عضواً فيه في الانتخابات التكميلية،وصولا إلى انتخابات 1989 التي ترشح فيها وحاز مقعداً في مجلس النواب الحادي عشر. ولم يكرر التجربة بعدئذ لأسباب لا يود الخوض فيها.

عين عضوا في مجلس الأعيان العام 1993 وما زال الى اليوم.

بعد هذه التجربة البرلمانية الطويلة يقر بوجود "تراجع في الاداء البرلماني، يربطه بالتراجع العام الحاصل في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ".

عين في حكومة عبد الرؤوف الروابدة التي تشكلت العام 1999 نائباً للرئيس : "ثمة تفاهم يكاد يكون تطابقا في الاراء بيني وبين الروابدة، والرجل كان صادقاً بكل معنى الكلمة، شفافاً، ومحباً لوطنه وقيادته، يسير بقناعاته ". رئيس مجلس إعمار مدينة السلط، امين عام المنتدى البرلماني العربي الافريقي للتنمية منذ العام 1999 ولحد الآن، وانتخب لهذا المنصب من قبل 64 مجلساً تشريعياً عربياً وأفريقياً. وعضو المجلس الأعلى للسكان.

ليست السلط في عرفه مجرد مدينة إنها "كل شيء" ففيها تربى وعاش مسكوناً بأحيائها وطرقاتها ، وفيها أقرباؤه ومعارفه الذين يحب سواء كانوا من أهل السلط أو قدموا إليها أو تعلموا في مدرستها. "وهي سباقة الى ابتكار المبادرات الايجابية ، كما هو الحال بالنسبة لعاداتها الحميدة، ومنها أن أهالي السلط يحاسبون "المنيح والعاطل" ولا يدعون الأمور تجري بأعنتها".

"أبو العبد" ما زال يمتهن الزراعة، عاشقاً للأرض والمحراث وزهر اللوز والربى، وأفضل أوقاته هي التي يقضيها مع عائلته ومع الناس.. كل الناس.

مروان الحمود: شيخ السلط.. له طريقته!
 
08-May-2008
 
العدد 25