العدد 25 - أردني
 

حسين أبورمان

تمثل التوجهات والرؤى الرسمية الموجهة للشباب خطاباً مصاغاً في معظمه بلغة العصر، زاخر بعبارات تمجد تعزيز الانتماء، والإعلاء من شأن المشاركة السياسية والشفافية والديمقراطية.لو وضع هذا الخطاب موضع التطبيق، لكان كفيلاً بتفعيل الطاقات الشبابية وتأطيرها في خدمة التنمية الوطنية الشاملة. لكن الواقع غير ذلك تماماً. والنتيجة قيود تتلوها قيود على حريات الشباب، وغياب للتنمية السياسية، وتعميق لحالة التشتت وتعزيز الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

حرمت الجامعات طلبتها منذ بداية التسعينيات من إقامة "اتحاد عام لطلبة الأردن" كممثل لهم في سائر الجامعات. وحين قبل الطلبة كحل انتقالي بتأسيس اتحادات موقعية لهم في الجامعات، مُنعوا حتى من استخدام مسمى "اتحاد" وفُرض عليهم مسمى "مجلس طلبة".

ثم استقوت الجامعات بنظام الصوت الواحد الانتخابي، وفرضته على طلبتها.

في وقت لاحق، عاقبت "الأردنية" طلبتها على احتجاجهم على نظام الصوت الواحد، ففرضت "التعيين" لنصف أعضاء مجلس الطلبة.

الملك عبدالله الثاني، يقوم بزيارة جامعة اليرموك يوم 20 نيسان/أبريل الماضي، ويخاطب الطلبة يحديث يثلج صدورهم مؤكداً فيه "لا مساءلة أمنية من انخراطهم في العمل السياسي والحزبي، و"أن لا مشكلة مع الأجهزة الأمنية".

بعد أسبوع ألغيت محاضرة مقررة لمنسق حملة الحقوق الطلابية "ذبحتونا"، فاخر دعاس، في جامعة اليرموك.

رئيس الجامعة الأردنية، خالد الكركي، هدد من ناحيته "طلبة الجامعة بإلغاء انتخابات مجلس الطلبة التي ستجري في منتصف أيار/مايو الجاري إذا أقدم أي من الطلبة على إحداث الشغب والمشاجرات في حرم الجامعة" (العرب اليوم، 23 / 4).

حينما تواجه جامعات مشكلة تتعلق باستخدام العنف على خلفيات شخصية أو عشائرية، فإن الإدارات المعنية لا تبحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، كأن تعقد ورش عمل لأساتذتها في المباحث الإنسانية، كي يحللوا الظاهرة، ويقترحون لها حلولاً. بدلاً من ذلك تلجأ الإدارات لفرض مزيد من العقوبات. الجامعة الأردنية وضعت نظاماً جديداً للتأديب في حزيران/يونيو 2007، لمواجهة العنف في الجامعة، وها هو مجلس التعليم العالي يقر مشروع "نظام عام لتأديب الطلبة في مؤسسات التعليم العالي"، يسمح للأجهزة الأمنية بانتهاك الحرم الجامعي واعتقال الطلبة. ويضع النظام عقوبات على النشاط السياسي أقوى من تلك المفروضة على حيازة ونرويج المخدرات.

حركة "ذبحتونا" الطلابية، اعتبرت ان النظام " لم يساهم إلا بمزيد من العنف في الجامعات والمزيد من القمع للحركة الطلابية والعقوبات القصوى ليس بحق مثيري الشغب في الجامعات وإنما لطلبة يقومون بتوزيع بيان طلابي هنا أو تنظيم اعتصام هناك".

التنمية السياسية للشباب في مجتمع فتي كمجتمعنا، تمثل العمود الفقري للتنمية الوطنية الشاملة، ولبناء الخبرات والقيادات في القطاعين العام والأهلي.

ليست التنمية السياسية دروساً أو مزاولة لـ"الحكي" السياسي، فالأصل هو إرساء بيئة مناسبة لتنمية المعرفة والقدرات والتجربة في إدارة الشأن العام ، فمن لا ينال فرصته في التنمية السياسية في سن الشباب، يفوته القطار، ولا يبقى أمامه سوى الانضمام إلى طوابير "الأميين"، حتى وإن كان يقرأ ويكتب، ويستخدم الحاسوب. الأميّة السياسية خسارة فادحة للبلد، إذ تحد من تطوير إنتاجية الفرد والمجتمع.

لكن الحياة لا تقبل الفراغ، وما لا يملؤه الحراك السياسي الطلابي، يحتله حراك آخر أدنى منه تشيع فيه العصبيات، والعنف، وضيق الصدر، والأفق، أو اللامبالاة تجاه القضايا العامة. الفرق بين الحراكين كبير؛ ففيما يشتمل الأول على تنمية قدرات الناشئة على إدارة الشأن العام، يشتمل الثاني على هدر الطاقة وتجويف الشخصية.

أين يكمن الحل؟ إنه يبدأ باحترام حق الطلبة في ممارسة حريتهم في التعبير عن الرأي ومزاولة النشاط، وإلغاء بدعة التعيين لنصف عدد أعضاء المجلس الطلابي في الجامعة الأردنية، وتحميل إدارات الجامعات مسؤولية رعاية الحراك السياسي لطلبتها وإدارته، وليس قمعه.

الخلل لا يقتصر على الجامعات والمعاهد العليا، فهناك خلل مستفحل لدى الأحزاب السياسية بعجزها وإهمالها تأطير الجيل الجديد. تعد الأحزاب، بما تمثله من خيارات فكرية وبرامجية، أهم مؤسسة وطنية في التنمية السياسية، فيها يتوحد المواطنون في صفوفها من مختلف الأصول، والمناطق، والأعمار، والجنس، والأديان، والمهن. وتقوم بأشق عملية تمكين لأعضائها وكوادرها كي يتقنوا مخاطبة "الآخر" واستقطاب دعمه لبرنامجهم.

من حق الأحزاب على الدولة أن تحظى بالدعم المعنوي والمادي كي تنهض بهذه المهام الجسام. ومن واجبها التنبه لهذا الأمر، وتجديد بناها التنظيمية باستيعاب الطاقات الشابة.

لكن الأحزاب عندنا ضعيفة، ولا تشكل أطراً جاذبة للمواطنين بشكل عام، فكيف حين يتعلق الأمر بالشبان والشابات؟ ولئن كانت الأحزاب تتحمل قسطها من المسؤولية عن هذا الوضع، فإن مسؤولية أكبر تقع على عاتق دوائر الحكم التي تضع العراقيل في وجه تنمية الحياة الحزبية. وما يتصل بها من استحقات كالانتخابات.

كثيرون يعتقدون أن ارتفاع معدلات المشاركة الشبابية في الانتخابات مؤشر مهم على المشاركة السياسية لهذا القطاع. هذا اعتقاد خاطئ. فالبيئة السياسية هي التي تحدد سلوك الأفراد السياسي. وبما أن السائد هو تحكم الانتماءات الأولية العشائرية، والعائلية، والمناطقية، والدينية، والاثنية، وشراء الذمم، في قرار الفرد الانتخابي، لذلك تعد الانتخابات مدرسة فاعلة في "تخريب" الأجيال الجديدة.

الحل بتبني قانون انتخاب ينطلق من إدراك ما صنعه قانون الانتخاب المؤقت الحالي من "خراب"، كي ينشأ في القانون المطلوب معيار التنافس الانتخابي على أسس برنامجية وسياسية، مما يملي إدماج نظام التمثيل النسبي للقوائم الحزبية بصفته مكوناً رئيسياً من مكونات النظام الانتخابي.

وليس بعيداً عن ذلك واقع المراكز الشبابية. وعددها يزيد على 250 مركزاًً في المملكة، تشكل إطاراً مهماً على الصعيد الثقافي والرياضي. لكن المراكز أو الأندية تعاني من مشاكل تضعف قدرتها على بلوغ أهدافها التنموية، بعضها ذات صلة بالبيئة المحيطة، وبالدعم الذي تحتاج إليه لتمكينها من تنظيم أنشطتها. لكن هناك أيضاً صعوبات ناجمة عن قيود على حرياتها في تنظيم الأنشطة الثقافية والوطنية العامة.

معالجة هذه المشاكل من شأنها النهوض بالأندية ودورها المهم في تمكين الشباب على الصعد الرياضية، والثقافية، والترفيهية.

ليس مطلوباً من الدولة الانكباب على تأطير الشباب، كأن تؤسس لهم جمعيات أو نوادي أو مراكز، فهذا دور منوط بالمجتمع المدني والشباب أنفسهم. لكن واجب الدولة تيسير هذه العملية، بوضع التشريعات المناسبة، وإقامة البنية التحتية اللازمة، وبلورة السياسات الوطنية الملائمة.

الجيل الجديد في مهب تحديات شائكة:خطاب عصري وسياسات تقيّد الشباب
 
08-May-2008
 
العدد 25