العدد 25 - أردني
 

ياسر أبو هلالة

راهن رموز من الأكثرية الفاعلة في مجلس شورى الإخوان المسلمين على التجديد لسالم الفلاحات بفارق صوت، لكنهم فوجئوا ومعهم همام سعيد أن العكس هو الذي حدث، وأن همام سعيد غدا المراقب العام للجماعة. يقول أحد الفاعلين في مجلس الشورى، أن سعيد أدرك حراجة الموقف وأن الجماعة باتت مهددة في ظل استقطاب داخلي حاد،واستهداف خارجي بلغ مداه. قال لأعضاء الشورى إذا لم تتواقفوا بالإجماع على مكتب تنفيذي فلن أبقى في موقعي، وهو يدرك أنه القادر على تحقيق الإجماع هو وسلفه سالم الفلاحات.

خرج الفلاحات من ولايته غير المكتملة منهكاً في معارك خارجية وداخلية، وخسر الساعون إلى الإصلاح السياسي واحداً من أكثر الشخصيات جدية واستقامة وانفتاحا ومرونة، لكن الفلاحات كسب أيضاً، فمن النادر في التجارب السياسية العربية أن يخرج المسؤول مرحباً بخلفه ويصفه بأنه أكفأ منه. لم يكتف سالم بذلك بل سعى إلى نزع الألغام من طريق منافسه من خلال تحقيق الإجماع على المكتب التنفيذي، ورئاسة مجلس الشورى التي تولاها الرمز المعتدل عبداللطيف عربيات.

ومع أن وصول همام سعيد الموصوف بـ«التشدد» أثار هواجس الحكومة والمعنيين بالإصلاح، إلا أنه أوصل رسالة واضحة؛ فالتشدد الرسمي وحال الانغلاق السياسي يضعف –وفق قوانين الطبيعة- التيار المعتدل في الجماعة ويقدم التيار المتشدد في سياق ردة فعل. وعندما لا تؤمن الحكومات بالعملية السياسية ستجد معارضة لا تؤمن بها، وحين تنكر شرعية الآخر ينكر شرعيتها.

لا يبدو خطراً وصول "صقـوري" إلى قيادة الإخوان، خصوصا أن المكتب التنفيذي للجماعة يغلب عليه الاعتدال، كما أن رئيس مجلس الشورى في الجماعة عبداللطيف عربيات يشكل ضمانة إضافية، وفوق ذلك فإن شخصية همام سعيد «مرنة وعملية» وتجلى ذلك منذ اللحظات الأولى لانتخابه. الخطورة تكمن في قراءة الانتخابات باعتبارها «فرز إقليمي بين الأردنيين والفلسطينيين» وأن المنتصر هو "تيـار حمـاس". بذلك تكون الحياة السياسية في الأردن خسرت قبل أن يخسر الإخوان التنظيم السياسي الوحيد العابر لضفتي النهر.

إلا أن التدقيق في تيارات الجماعة،والظروف التي أدت إلى وصول أول أردني من أصل فلسطيني إلى قيادة الجماعة يقلل من خطورة احتمال كهذا، ويرجح أن يظل الخلاف في الجماعة على أساس "فكري سياسي" و"حسابات تنظيمية وشخصية" بعيدا عن "الفرز الإقليمي". فكل تيارات الجماعة "مختلطة" من حيث الأصول ولا يوجد تيار محسوب على أصل بعينه.

بالإجابة عن الأسئلة الأساسية : ما هي التيارات الفاعلة في الجماعة؟ وكيف جرت الانتخابات يمكن ترجيح الإجابة المتفائلة بأن الجسر بين الضفتين لم ينهدم، وإن كان تعرض لصدوع.

التيار الرابع أم تيار حماس؟

على الصفحة الأولى في جريدة «الرأي» هوجم زكي سعد بني رشيد في رسالة واضحة للجماعة بأن الحكومة لا تقبل بعضو في حماس أمينا عاما لحزب جبهة العمل الإسلامي، ولم يدر منظمو الحملة أنهم حققوا عكس ما يريدون. فللجماعة حساسية تجاه محاولات التدخل الخارجي، وبدل أن يكون زكي محل خلاف تضامنت الجماعة وعلى رأسها المراقب العام سالم الفلاحات مع بني رشيد، وربما كانت هذه من الأسباب التي وترت علاقة الفلاحات بالحكومة ودفعها إلى سياسة عدوانية تجاهه. بعد انتخاب همام سعيد أدرك كثيرون في الجماعة، بأن الخصوم سيستغلون ذلك لـ"تشويه" العلاقة مع حماس. وقف إبراهيم زيد الكيلاني، وهو الذي شغل موقع وزير الأوقاف الأردني مخاطبا مجلس الشورى "كلنا حماس". وبعدها وفي تصريحات على قناة الجزيرة قال سالم الفلاحات إن العلاقة مع حماس شرف لا تهمة.

بعيداً عن " التشويه " يمكن الإجابة عن سؤال العلاقة بين التيار الرابع وحماس.فالتيار تقدم داخل قواعد الجماعة التي تغلب عليها الأصول الفلسطينية. ويفضل رموز هذا التيار تسمية " الرابع " على التسمية الرسمية له: "تيار حماس". ويدركون أن استراتيجية محاربة الإخوان المسلمين تقوم على أساس " فلسطنة التنظيم وتحويله إلى فصيل مثل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ". إلا أنهم بموقفهم الحدي من المراقب العام السابق سالم الفلاحات، انساقوا وراء استراتيجية الخصوم وخدشوا " بعداً رمزياً " من خلال وجود شخصية شرق أردنية على رأس التنظيم منذ تأسس عام 1945.

يرد رموز التيار على ذلك بأن الفلاحات لم يتعاون معهم ، وأنهم حاولوا مع رموز شرق أردنية مثل عربيات والكيلاني للقبول بموقع المراقب العام إلا أنهم رفضوا. وكان اختيار همام سعيد وفق حسابات تنظيمية مرتبكة ولم يكن بسبب أصوله ولا حتى مواقفه السياسية والفكرية. وأنهم ظلوا أقرب إلى " تيار الوسط " ودخلوا معه في حوارت فكرية وسياسية كادت أن تصل إلى توافق.

عاندت الرياح شراع التوافق، وعصفت به باتجاه استقطاب حاد. فبدل أن يكون المراقب العام سالم الفلاحات عنوان التوافق، غدا بنظر مؤثرين في "التيار الرابع" عقبة في وجهه. وصار الثابت الوحيد إقصاؤه واستبداله بأي اسم آخر! وهو ما لاقى قبولا لدى الفلاحات نفسه، الذي تكسرت نصال الحكومات على نصال ذوي القربي في استهدافه. رفض أنصار الفلاحات ابتعاده أو إبعاده عن موقع المراقب، لجملة أسباب، أبرزها أخلاقي؛ فهم يرفضون أن يعاقب مرتين، مرة من الحكومة التي وجهت نصالها إليه في حل جمعية المركز الإسلامي، والانتخابات البلدية النيابية.. ومرة من ذوي القربي الذين عملوا على حل مجلس الشورى والإطاحة بالقيادة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. مع أنه بموجب صلاحيته كان قادرا على رفع الجلسة وعدم حل المجلس. لكنه بشخصيته النظامية جار على خطه وانتصر للمؤسسة. 

اعتذر أشخاص مثل عبد اللطيف عربيات و جميل أبو بكر وغيرهما للحلول بدلاء منه. خصوصا أن استهدافه توازى مع الدفاع عمن ارتكبوا مخالفات سياسية وتنظيمية واضحة في الانتخابات، وصدرت بحقهم عقوبات من المحاكم. على خلاف الفلاحات الذي أخذ مسافة واحدة من المراقب العام السابق عبدالمجيد الذنيبات وأمين عام جبهة العمل الإسلامي بني ارشيد. ورفض الدخول بأي مساومات أو مناورات تتعلق بالمحاكمات تجاه أي طرف. ترسيخا للمؤسسية التي خسرته داخليا.

ما يثير الاستغراب، أن الجماعة بقيادة الفلاحات دفعت كلفة انتخاب بني ارشيد، وتحدت الرسائل الرسمية الواضحة التي طالبت بعدم انتخابه، مع أنها كانت تستطيع استبداله بأمين عام آخر يتوافق معها، أو على الأقل تقول ما يقال اليوم «اختاروا أي شخص غير زكي»، حرصا على مصلحة الجماعة ووقاية من الاستهداف، لا تنفيسا لضغائن وأحقاد.

بالنتيجة انتصر « التيار الرابع « فما هو هذا التيار، وكيف تشكل؟

سمي رابعاً تمييزاً له عن تيار الوسط الذي سمي بالتيار الثالث ،وهو من أراد كسر ثنائية تياري الصقور والحمائم اللذين تنافسا على قيادة الجماعة من عام 1986 إلى عام1994 حتى مقاطعة الانتخابات النيابية عام 1997 كان التيار الرابع محسوبا في عداد الثالث أو الوسط. بعدها بعام وقبيل إبعاد قادة حماس من الأردن كان أبرز قادة تيار الوسط ؛ عماد أبو دية نائب المراقب العام قد دخل في خلافات مع قادة حماس على خلفية « التداخل الكياني « بين الجماعة والحركة، على قاعدة الحدود التنظيمية الواضحة. في ظل الخلاف هذا بدأ يتبلور التيار الرابع على أساس «وجهة نظر سياسية وتنظيمية لا على أساس إقليمي».

انسحب أبو دية نائب المراقب العام واعتزل المواقع القيادية،وأبعد قادة حماس عن الأردن بذلك تعمق الشرخ بين التيار الوسطي ( الثالث ) والتيار الرابع. إلا أن العلاقة بينهما عادت إلى تحالف بعد انتخاب الفلاحات خلفا لذنيبات. وفي عهد الفلاحات تلقت الجماعة أشد ثلاث ضربات في تاريخها : الاستيلاء على جمعية المركز الإسلامي، وتزوير الانتخابات البلدية وبعدها الانتخابات النيابية. رأى التيار الرابع أن الفلاحات والمجموعة القيادية في تيار الوسط لم تتعامل مع الضربات بكفاءة واستكانت أمام الحكومة، وكان عليها أن ترد بقوة وتقاطع الانتخابات النيابية. وتمكن التيار الرابع من حل مجلس الشورى والعودة بقوة في الانتخابات الداخلية، مع أنها جرت بعد فصل « التنظيم الفلسطيني « وتخفيض أعداد الإخوان المغتربين والذين تغلب عليهم الأصول الفلسطينية.

الصقور والحمائم والوسط.. ما تبقى لكم؟

الغريب في الانتخابات الداخلية أن التيار الرابع الذي قرر النتائج لم يصعد إلى أي موقع قيادي ( المراقب العام، رئيس مجلس الشورى،المكتب التنفيذي ) ومنح موقع المراقب لتيار الصقور، وأكثرية المكتب للوسط، ورئيس مجلس الشورى للحمائم.

ومع أن تيار الوسط يأتي ثانيا بعد التيار الرابع، إلا أن دفة القيادة عادت إليه من خلال حصوله على أكثرية المكتب التنفيذي الذي يعتبر القيادة اليومية العليا للجماعة. وهو على رغم تراجعه في الانتخابات الداخلية يظل صاحب الحضور خارج الجماعة وداخلهها ( سالم الفلاحات ورحيل الغرابية وجميل أبو بكر..) في حين تعتبر شخصيات التيار الرابع من طراز « قيادات الظل « التي لا تفضل الظهور العلني ( سعود أبو محفوظ وفرج شلهوب..) وقد تسهم المرحلة المقبلة في التجسير بين الوسط والرابع.

ومع أن الصقور حصلوا على موقع المراقب العام، إلا أن وضعهم التنظيمي في تراجع منذ العام 1990، فهم قادوا الجماعة في الفترة من 1986 إلى 1990 من خلال الأربعة الذين قادو ا المكتب التنفيذي (همام سعيد ومحمد أبو فارس و داود قوجق وإبراهيم خريسات) ولولا التيار الرابع لما تمكنوا من الوصول إلى موقع المراقب العام، وفوق ذلك خسروا مجالهم الحيوي التنظيمي ممثلا في جمعية المركز الإسلامي التي صادرتها الحكومة.

مُني الحمائم بهزائم أشد من الصقور، فقد خسروا أهم مؤسساتهم وهي جامعة الزرقاء، وانتزعت الدولة أبرز رموزهم من خلال المواقع ( بسام العموش، عبدالرحيم العكور، وعبدالله العكايلة..). داخليا لم يعد لهم حضور يذكر وتوزع جمهورهم بين تياري الوسط والرابع. وتعرض المراقب العام السابق عبدالمجيد الذنيبات لعقوبة قاسية بتقديمه لمحاكمة ولم ينتخب لا في الشُعب ولا ضمن الخمسة الذين ينتخبهم مجلس الشورى. إلا أن انتخاب عربيات رئيسا لمجلس شورى الجماعة شكل اعترافا بهذا التيار. خصوصا أن موقع رئيس مجلس الشورى مستحدث للمرة الأولى وهو ثاني المواقع القيادية بعد المراقب العام، ويتفوق عليه في حال انعقاد المجلس.

سؤال المستقبل

خرجت الجماعة بقيادة « توافقية مركبة « وتجاوزت « عقدة الانقسام « وأن كان رأسها ممثلا في المراقب العام « متشدد « إلا أن جسمها معتدل. وتظل الكرة في مرمى الحكومة التي عليها أن تقرر إن كانت تؤمن بالعملية السياسية وتريد شركاء لها، أم أنها تستأثر بالسلطة وتتعامل مع أكبر جماعة سياسية باعتبارها « ملفا أمنيا «.

ستقابل الجماعة أي بادرة انفتاح تجاهها بمثلها، كما حدث في مطلع التسعينات، وستقابل كل تشدد بمثله، فإن اعتدلت السياسات الرسمية تقوى تيار الاعتدال ممثلا بالمكتب التنفيذي ورئيس مجلس الشورى، وإن تشددت يقوى تيار التشدد ممثلا في المراقب العام والأمين العام.

أما خطر الانقسام على أسس إقليمية فليس وارداً. وإن كان الجسر بين الضفتين يحتاج إلى صيانة دورية وطارئة.

**

انتخابات الإخوان: تشدد يقابل التشدد الحكومي: الفلاحات خرج مُنهكاً وعربيات ضمانة للاعتدال
 
08-May-2008
 
العدد 25