العدد 25 - حريات
 

"محمد عدي" الريماوي

يعود تاريخ قوانين حماية الملكية الفكرية لقرون مضت، إذ أقر البرلمان البريطاني في القرن السابع عشر أول قوانين الملكية الفكرية، وحمى بذلك حقوق الكتاب وحفظ إبداعاتهم من النسخ والتشويه. واشتمل الدستور الأميركي (عام 1787) على بند يتعلق بـ "حقوق الطبع"، محدداً بذلك مبادئ الملكية الفكرية. وتتالت بعد ذلك القوانين والأحكام والقرارات، وأصبح للكتاب والمبدعين مظلة وعشرات القوانين الصارمة التي تحميهم ..

بالرغم من هذه القوانين، فإن مظاهر الإبداع يطالها النسخ والتشويه. ويعد "النسخ" تجارة رائجة وناجحة في كثير من الدول، خصوصاً العربية. وهو ما يفسر وجود أحدث الأفلام وأفضل الكتب في المكتبات والمحلات التجارية، وأحياناً قبل أن يطرحها أصحابها في الأسواق! وبهذا نكون رواداً في اختراق حقوق الملكية الفكرية، والوصول إلى ما نريد، وقتما نريد، وبوسائل غير مشروعة.

يتجدد الجدل حول ما إذا كانت القوانين تحمي الكتاب والمبدعين، أم أنها تحد من انتشار المعرفة. فهناك من يقول إن انتشار الكتب والأفلام على مواقع الإنترنت بهذه السرعة مفيد لأصحابها، ويحقق انتشاراً أوسع لهم، ويضمنون من خلاله جمهوراً كبيراً ومتعطشاً لأعمالهم، مع ما ينطوي عليه ذلك من تجاهل لحقوقهم وحقوق المنتجين والموزعين.

تقل جودة النسخ المقرصنة عن مستوى الأعمال الأصلية التي يصدرها أصحاب العمل، وبدا لافتاً أن شركات السينما أصبحت تعمد إلى إصدار أفلامها على أقراص DVD بعد فترة قصيرة من عرضها في الصالات، في محاولة لإبعاد الجمهور عن وسائل القرصنة المنتشرة.

المحاكم الأميركية تزخر بعشرات القضايا التي ترفعها شركات الإنتاج الكبرى مثل Sony وFox ضد بعض المواقع على شبكة الإنترنت، التي تستبيح أعمالها وتنشرها بلا أي تردد. وتستغرق هذه الدعاوى القضائية عادة وقتاً طويلاً، ولا تحقق شركات الإنتاج فائدة كبيرة من ذلك، فعادة ما يعمد أصحاب المواقع الإلكترونية إلى فتح موقع جديد باسم آخر وبالطريقة نفسها. وتتميز الدعاوى القضائية ضد مواقع الإنترنت بتعقيدها، إذ يصعب الوصول إلى المالكين الأصليين للموقع، ويمضي وقت طويل للوصول إلى المدعى عليه ، قبل بدء النظر بالقضية.

موقع Google الشهير مثلاً، واجه الكثير من الضغوطات والصعوبات عندما قرر إنشاء مكتبة إلكترونية، للوصول إلى جميع الكتب في العالم، وقامت فكرة هذه المكتبة على وضع المعلومات الأساسية عن الكتاب على الشبكة، وليس النص الكامل للكتاب. وقد واجه الموقع كثيرا من الصعوبات قبل تطبيق هذا المشروع الذي يلاقي الآن نجاحاً باهراً، ذلك أنه في مقابل رسوخ مفاهيم الملكية الفكرية، تبرز حملة "الحرية الإلكترونية" التي تعمل من خلال موقع الإنترنت digitalfreedom.org للمطالبة بوضع قوانين جديدة تسمح للأفراد بالإنتاج والتوزيع مثل الشركات، ويقول منظمو هذه الحملة "إن للجميع الحق بأن يكونوا مبدعين، وأن يكون باستطاعة كل شخص أن يشارك أغانيه وأفلامه المفضلة، ونشرها على الإنترنت من دون خوف من الملاحقة القضائية." وتهاجم هذه الحملة شركات الإنتاج الكبيرة التي" لا همّ لها سوى ملاحقة الموزعين الصغار"، بحسب القائمين على الحملة.

تساند هذه الحملة، مواقع توصف بأنها "ملوك الإنترنت" مثلFacebook وYouTube، التي تعد سباقة في منح الأفراد فرصا للإبداع، ونشر ما يريدون بكل حرية وبدون قيود. وتلاقي الحملة الدعم من كثيرين، وتبقى شركات الإنتاج والقائمين عليها على الضفة الأخرى، ساعية إلى قطع الطريق على من يسعى لإعادة نشر المعلومات والإبداعات المختلفة.

ويبقى الجدل حول هذه الحرية مستمراً، إذ يتعين حفظ حقوق المبدعين، وحماية أعمالهم من النسخ غير المشروع، لكن كثيرين يتساءلون عن المغزى من وجود قوانين بهذا الحجم لحماية إبداعات وأعمال من المفترض إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الناس لتعميم المعرفة.

يعمد البعض إلى نشر أعمالهم على شبكة الإنترنت، ثم ينددون بالقرصنة والتحايل على حقوق النشر، فهل نتوقع في مقبل الأيام إضافة قانون جديد إلى صحيفة قوانين الملكية الفكرية، يحدد للأفراد الطرق القانونية للوصول إلى تلك الأعمال ونشرها على الإنترنت؟

“الحرية الإلكترونية” تتحدى الملكية الفكرية؟
 
08-May-2008
 
العدد 25