العدد 1 - أردني
 

تستعد حكومة معروف البخيت بعيد الانتخابات للرحيل منهية عامين في الدوار الرابع شهدا سلسلة أزمات وسجالات داخلية قوّضت هيبة السلطة التنفيذية كما ساهمت في ترحيل ملفات عالقة مثل " المحروقات" وأرتفاع أسعار السلع والحريات العامة.

ويطلق على تشكيلة «الجنرال» معروف البخيت «حكومة الأزمات» تعبيراً عن العثرات التي شهدتها خلال ولايتها التي ناهزت العامين. ويرى حزبيون وقادة رأي أن الحكومة الخامسة في عهد الملك عبد الله الثاني، لم تفِ بوعودها التي نالت على أساسها ثقة مجلس النواب السابق، ولم تلتزم بما جاء في كتاب تكليفها، وفق الأمينين العامين لحزب الوحدة الشعبية الدكتور سعيد ذياب والوطني الدستوري الدكتور أحمد الشناق.

يعتقد هؤلاء أن الحكومة التي واجهت ثلاث أزمات متفجرة- تتعلق بتلوث المياه، وتسمّم الشاورما ووجبات غذاء المدارس، والانتخابات البلدية التي قال المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقرير خاص حولها إنه قد «شابها العديد من مراحل التشويش» ما شكك في «نزاهتها وحياديتها» ، يعتقد هؤلاء أنها رغم صمودها أمام سلسلة الأزمات، إلا أنها فقدت عوامل البقاء والاستمرار، وباتت تدرك أن انتهاء الانتخابات النيابية المقبلة يعني رحيلها.

ويأخذ آخرون على الحكومة «التصيد» للإسلاميين وفتح ملفاتهم المغلقة منذ أكثر من 60 عاماً، وإحالة أربعة من نوابهم الى المحكمة على خلفية العزاء بالزرقاوي، وإسقاط نيابة اثنين منهم بعد إدانتهم. ويذكّرون أن قضايا الفساد التي فتحت الحكومة ملفاتها لم يثبت أنها قضايا فساد او استغلال للسلطة.

وتعرضت الحكومة لانتقادات لاذعة إثر التعيينات التي قامت بها، والتي بدت إرضاءً لجهات نافذة وفق السيد الشناق. ويستذكر الأخير العديد من التعيينات التي حصلت دون أسس واضحة باستثناء تعيين مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي.

وتطال انتقادات المناوئين للحكومة تعديلها الأول، معتبرين أنه كان بلا طعم او لون، وأن الحكومة انتظرت كثيراً دون أن تقدم تعديلاً مقنعاً، وفق السيد ذياب.

وقبيل التعديل الثاني للحكومة، دفع وزيرا الصحة والمياه ثمن عثراتها، على خلفية تلوث مياه منشية بني حسن، فيما استقال نائب رئيس الوزراء وزير المالية لتباين وجهة نظره مع الرئيس في مسألة رفع أسعار المحروقات.

بالمقابل، يرى فريق آخر أن الحكومة أنجزت «بعض وعودها» ، معتبرين أن تفجر أزمات خارجة عن سيطرتها مثل ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً؛ وأزمة تلوث المياه والشاورما والوجبات، قد عرقل خططها .

ويؤكد هذا الفريق أن ما قامت به الحكومة تجاه الإسلاميين كان «ضرورياً وهاماً» ، ما ساعد في إعادة الإسلاميين الى الأرض بعد أن حلقوا عالياً إثر فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وفق الكاتب سلطان الحطاب.

وفيما يرى مؤيدو الحكومة أن عدم قيامها برفع أسعار المحروقات، وقبول استقالة وزير المالية إثر ذلك يعتبر من حسناتها، يرى فريق آخر أن القرار لم يكن يصب في مصلحة الوطن وأنه اتخذ لزيادة شعبيتها. في بيانها الوزاري قبل عامين، كانت حكومة البخيت قد تعهدت بسن تشريعات إصلاحية أبرزها قوانين الانتخاب، والأحزاب والبلديات. كّذلك وعدت بالتصدي لقضايا الفقر والبطالة عبر حزمة إجراءات من بينها إنشاء قاعدة معلومات حول ثنائية الفقر ـ البطالة.

ويرى حزبيون أن الحكومة أظهرت حاجتها لتدخل ملكي في كل مرحلة فشل أو تقصير، من أجل إنعاشها، ولم تختلف الحكومة في ذلك عن حكومات سبقتها، كانت بحاجة في أكثر من مناسبة للتدخل الملكي، كما حصل مع حكومة فيصل الفايز في أزمة النفط الكويتي وغيرها، ومع حكومة عدنان بدران في أزمة الثقة مع النواب.

ويرى السيد ذياب أن الانتقادات الخارجية التي وجهت للأردن لكثرة التعديلات الوزارية وتغيير الحكومات، ساهمت في إطالة عمر الحكومة. ويرى الأمينان العامان لحزبي جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد، والوطني الدستوري أحمد الشناق، أن الحكومة ابتعدت عن كــتاب تكليفها ولم تنفذ منه سوى الجزء اليســير، وأنها مارست اغتراباً عن الوعود التي قـــطعتها في بيان الثــقة الذي تقدمت به الى مجلس النواب، ونالت عليه ثقة 83 نائباً.

وكان جلالة الملك قد عهد الى الحكومة في كتاب التكليف بإنجاز قانون للانتخاب، وآخر للبلديات، وثالث للأحزاب، والاسترشاد بمخرجات لجنتي الأقاليم والأجندة الوطنية، الا أن الحكومة اكتفت بإصدار قانون للبلديات وآخر «مثير للجدل» للأحزاب، وتجاهلت قانون الانتخاب الذي يعد حجر الأساس في العملية الديمقراطية.

بدورها أعلنت الحكومة في بيانها الوزاري الى مجلس النواب التزامها المطلق بالرؤية الملكية للإصلاح، وأبدت كل الحرص على حماية حرية الرأي والتعبير وصون الحقوق الفردية، مؤكدة أن هذه المنظومة الثلاثية ستكون جزءاً رئيساً في برنامج الحكومة بما في ذلك على صعيد الإصلاح السياسي الذي سيصار إلى تنفيذه استجابة للتوجيهات الملكية السامية، وإلى اقتناع الحكومة بضرورته وجدواه.

إذاً... فالحكومة التي تشكلت في السابع والعشـــرين من تشرين الثاني2005، وبعد ما يناهـــز عامين من تشكـــيلها تعرضت لهزات قاتـــلة،و لم يكن يبقيها على قيد الحياة سوى ظروف داخلية او خارجــية طارئة.

ويرى الكاتب عبد الفتاح طوقان أن وزراء في الحكومة كانوا قليلي الخبرة، كما ساهم تعدد الاجتهادات، وإغلاق قنوات الاجتهاد خارج إطار مجلس الوزراء، بانكماش الحكومة، وجعلها أقرب الى حكومة تصريف أعمال وإدارة أزمات منها الى حكومة قادرة على تأطير الحياة السياسية، وتعميق المفهوم الديمقراطي، وتقديم قانون انتخاب جديد، وفق السيد طوقان.

وفشلت الحكومة في الوفاء بتعهداتها في سن تشريعات جديدة، منها قانون الانتخاب والقوانين ذات العلاقة بمؤسسات المجتمع المدني، مثل قوانين النقابات والإعلام والمرأة، والشباب، وفق أمين عام حزب الوحدة الشعبية المعارض سعيد ذياب. ويقول إن الحكومة استأنفت سيرورة حكومات سابقة جاءت وذهبت دون لون، وإنها تعهدت ضمن تعهداتها الكثيرة بإعادة النظر بعدد من القوانين وعلى رأسها قانون الاجتماعات العامة ومختلف القوانين التي اعترفت هي نفسها بأنها «تتعارض مع التزامات الأردن بالقواعد والمعايير الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان».

بدوره أشار طوقان إلى افتقار الحكومة في أجزاء من كيانها إلى قيادات ذات رؤية، فضلاً عن عدم مقدرة على التنفيذ وتلبية الاحتياجات في الوقت المناسب.

ويرى ان «الأردن يحتاج إلى وزراء قادرين على التطوير ولديهم رؤية ومبادرة وشركاء في المسؤولية لمجلس الوزراء لا حاضرين جلسة كل ثلاثاء أو سبت لتمرير قرارات والموافقة الدائمة على مقترحات رئيس الوزراء».

أما الكاتب الحطاب، فيعتقد أن حكومة البخيت قامت بخطوات عملية لم تجرؤ أي حكومة أخرى على اتخاذها، مثل: فتح ملفات الإسلاميين المغلقة، وفرض النظام واستعادة ممتلكات الدولة في الأغوار وغيرها. ويؤشر الحطاب في ذلك الى قيام الحكومة بإعادة هيبة الدولة في مناطق مثل منطقة اللبن/ لواء سحاب، حيث داهمت قوات الأمن جماعات قالت عنها إنها خارجة عن القانون ، كما أن الحكومة منعت استغلال الأراضي الأميرية من قبل جماعات في منطقة الاغوار والشونة الجنوبية على وجه التحديد.

ويعتبر الحطاب أنه من الظلم تحميل الحكومة الحالية، مسؤولية الفشل في محاربة الفقر والبطالة كونها مشكلة تراكمية، ويقول: لكن يمكن قياس إنجاز الحكومة في قضايا أخرى مثل: قضايا تحسين الاستثمار، والوضع الأمني، وابتداع وسائل جديدة لتطوير الوضع الاقتصادي.

ويذهب النقابي المهندس فراس الصمادي الى الخلاصة نفسها التي ذهب اليها زملاؤه، من حيث نقد أداء الحكومة في موضوع الحريات العامة، إلا أنه أبدى اتفاقاً مع الحطاب بشأن قيام الحكومة بفتح ملفات مغلقة منذ سنين، معتبراً أن ذلك أمر إيجابي وجيد.

ويشير الصمــــادي إلى أن كثرة التـدخلات الخارجية في عمل الحكومة أدت الى بعثرة أوراقها، وأفقـدتــهــا القدرة على الإصلاح، وجعـلـتـهــا تقبــع على الدوام في زوايا الدفــــاع عن النفس وتـــلقي الضربــات، وليس في خانة المخطط لإنجـــازات مقبـــلة. ويضيف أن أساس العملية الديمقراطية هو إصدار قانون انتخاب عصري متـطـور، يرفع من سوية العمل الحزبي ويجعــل التنـافس في الانتخـابــات مبنياً على أسس حزبيـة وليس على أسس مناطقية أو عشـائـرية أو فئوية أو إقليمية، وهو ما لم تقم به الحكومة.

حكومة البخيت هل شهدت أزمات أم ساهمت بوقوعها – السجل خاص
 
08-Nov-2007
 
العدد 1