العدد 24 - كتاب
 

قبل البدء بأي عملية تخاصية يسأل الاقتصاديون السؤال التالي: ما هو أثر العملية على المنافسة في هذا القطاع وعلى الاقتصاد ككل؟ الإجابة يجب أن تكون في مضمون حماية المنافسة وليس المتنافسين، كما يجب أن تتناول مدى تحمل المواطن لمعدلات التضخم الحالية (11 بالمئة بالأرقام الرسمية)، لا سيما أن الاحتكار الحكومي إذا انتقل إلى احتكار من قبل القطاع الخاص، فإنه يؤدي عادة إلى زيادة الأسعار، وليس إلى تحسين الكفاءة والارتقاء بمستوى الخدمات.

من خلال هذا المبدأ نلاحظ ما يلي:

1 - ضعف الهيئات القطاعية التنظيمية في مجال المنافسة وافتقارها إلى الخبرات اللازمة للتعامل مع شؤون المنافسة، مع أن بعضها يتلقى الدعم ويستقبل خبراء أجانب، لكن هذه خبرات تبقى مؤقتة وتذهب بعد انتهاء فترة الدعم الفني.

2 - بجب أن تنشئ مديرية المنافسة في وزارة الصناعة هيئة مستقلة، لتتمكن من توظيف المؤهلات اللازمة، وهي مؤهلات عادة ما تكون مكلفة؛ فالاقتصادي الذي يتخصص في مجال المنافسة يعتبر من أكثر الاقتصاديين كلفة، نظرا لما يتطلبه هذا المجال من مزج بين المعرفة النظرية، الكمية، سعة الاطلاع، ودوام المتابعة لما يحصل في هذا العلم المتخصص من مستجدات.

مع أننا ضد خلق أجهزة حكومية إضافية، فإن وجود هذه الهيئة سيوفر على الموازنة إيجاد هيئات إضافية، وأكثر من ذلك تقليل حصص الهيئات القائمة من الموازنة، لأن هيئة المنافسة تصبح هي صاحبة الحق في رعاية المنافسة في الأردن بغض النظر عن القطاع، وتنتقل بذلك إليها مسؤولية رعاية المنافسة في القطاعات المختلفة.

على الرغم من أن الأردن بدأ بالتخاصية من خلال قانون في 1996 فإن قانون المنافسة صدر بشكل مؤقت في 2002 ثم أصبح دائماً في 2004، أي أن المنافسة أتت بعد الشروع في التخاصية، ما دفع الهيئات التنظيمية إلى وضع قواعد للمنافسة من دون أن يكون هناك قانون للمنافسة يرجع إليه.

الاحتكارات والاتفاقيات الاحتكارية غير المعلنة تعد أحد أسباب ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأردن، وهو ما أدى إلى وضع أسعار احتكارية على بعض السلع. وفي ظل التطورات الأخيرة، وانتقال ملكية الكهرباء مثلا إلى شركة واحدة غير أردنية، وانتقال غيرها من الاحتكارات لسلع أساسية ومهمة استراتيجياً وعملياً كشركات التعدين مثلا، فإن المحصلة على المدى القصير هي أن يرغب المحتكر (في مرحلة قد يكون أكبر التحديات فيها كيفية الحد من الغلاء) في رفع الأسعار دون أن يكون لديه وازع لتحسين كفاءة الإنتاج من خلال تقنيات وأساليب إدارة أفضل.

لذا، فإن تفعيل قانون المنافسة يأخذ أهمية قصوى بالنسبة لتحصين الاقتصاد الأردني، ولكي لا تأتي الطامة الكبرى لاحقاً، بأن يوجد الخلل والتشريع معاً، دون أن تكون لدينا المؤهلات اللازمة للتعامل مع مستجدات العصر، فتكون بذلك العين بصيرة واليد قصيرة، مرة أخرى، للأسف.

يوسف منصور: المنافسة قبل التخاصية
 
01-May-2008
 
العدد 24