العدد 24 - بورتريه
 

محمود الريماوي

يجتمع رجل الدولة والاقتصادي والبرلماني والنقابي في شخصية علي أبو الراغب(62عاماً). لا ينوء بهذه الأبعاد المتعددة لشخصيته، ولو اتسع وقته وبحث في مكامن شخصيته لربما اكتشف أبعاداً أخرى دفينة لم يقيض لها أن تتفتح، كأن يعشق الرياضة أو الفنون مثلاً.

تعرفه عن قرب جمهرة السياسيين والحزبيين والاقتصاديين وأهل الرأي والفكر، كما تعرفه كثرة من عامة الناس خصوصاً في عمان والسلط، فالرجل لطيف المعشر، سمح، مضياف، وتواصلي يقصرالمسافات مع الآخرين، وهو توافقي لا يصدم أحداً باستثناء من يسعى للاصطدام به، وعملي يتوخى نتائج ملموسة.يؤلف ما بين أفكار وسياسات،ولا يبدو طامحاً لنسبة أفكار وبرامج ومشاريع لنفسه، تميزه عن غيره، رغم أنه يصنف في عرف كثيرين في عداد الإصلاحيين.. فمع قيادته للسلطة التنفيذية لفترة طويلة ما زال يرى أن القطاع العام ينوء تحت عبء البيروقراطية،ويقلل من جدوى وفاعلية وزارة مثل وزارة تطوير القطاع العام،علماً أن حكوماته تضمنت حقيبة للتنمية الإدارية ووظائفها ليست بعيدة عن تطوير القطاع العام. ولا يرى مبرراً لوزارة التنمية السياسية، وهو تحفظ يشاطره فيه كثيرون، فالتنمية السياسية إذا كان لا بد من استخدام هذا المصطلح دون سواه، لا تحتاج حقاً الى وزارة بل الى تشريعات وتدابير ومناخ ديمقراطي، يتقبل تعبير الأجسام السياسية عن وجودها تحت مظلة قوانين متطورة. ويشدد أبو الراغب على وجوب ممارسة الوزير لصلاحياته، وأن يكون صاحب قرار. ويعتقد أنه كان يمكن إجراء الانتخابات البلدية والنيابية الأخيرة بصورة أفضل. وأبو الراغب في ذلك حاله حال رؤساء حكومات ومسؤولين سابقين، يعيدون اكتشاف وقراءة جوانب في حياة البلد،بعد مغادرتهم الخدمة الحكومية والانضمام مجدداً لصفوف المواطنين.

عمرت حكومة أبو الراغب أربعين شهراً وثلاثة أيام من 19حزيران/يونيو 2000 الى 22 تشرين الأول/أكتوبر 2003.وكان كلف ثلاث مرات متتابعة بتشكيل الحكومة، فتصح الإشارة الى حكومات أبو الراغب لا الى حكومته.وهو ما يميزه عن سواه من رؤساء حكومات العهد الجديد.بينما يلتقي مع رؤساء آخرين منهم: عبدالرؤوف الروابدة، وعبدالكريم الكباريتي، وطاهر المصري، في أنه تسنم رئاسة السلطة التنفيذية بعد انطلاقه ابتداء من موقع التمثيل الشعبي وليس صعوداً من وظائف حكومية، فقد فاز في انتخابات المجلس النيابي الثاني عشر ثم الثالث عشر، وقبل ذلك أمضى بعض الوقت مديراً لهندسة بلديات محافظة العاصمة،ومديراً للمشاريع في وزارة الشؤون البلدية والقروية.وفي العام 1991وبعد تشكيل "التجمع الديمقراطي" وكان أبو الراغب عضواً فيه فقد انضم وبتزكية من الأحزاب الى حكومة طاهر المصري وزيراً للصناعة والتجارة، وانضم معه ممدوح العبادي، وسليم الزعبي، ومحمد فارس الطراونة، ولم يلبث الأخيران أن استقالا عشية عقد مؤتمر مدريد.

شهدت الحقبة الطويلة لحكوماته أحداثاً هامة داخلية، وإقليمية منها بدء ارتفاع أسعار النفط وقضية التسهيلات البنكية (الشمايلة والبطيخي) وحل مجلس النواب وأحداث معان،وإدخال تعديلات على قانون الانتخاب برفع عدد النواب واعتماد الكوتا النسائية ثم اجراء انتخابات نيابية، وسن 211 قانوناً مؤقتاً.

لا يبدي أبوحسن انزعاجاً بل يتحمس للتطرق لهذه القوانين، التي يخاصم صدورها كثيرون، ويرون فيها شائبة كبيرة شابت الحياة الديمقراطية.يجادل أنها لم تتضمن قوانين مالية أو سياسية، باستثناء قانون الاجتماعات العامة الذي صدر بعد خروج نحو 1200 تظاهرة مؤيدة للانتفاضة أو مناوئة للاجتياح الأميركي للعراق. وأن كثيراً منها لم تكن قوانين جديدة بل تعديلاً على بند هنا ونص هناك في قانون ما. وأن بعضها جاء للتماشي مع اتفاقيات دولية أبرمتها الدولة.. وبعضها الآخر شديد الأهمية للمجتمع مثل: قانون حماية الأحداث، وقانون منع الاحتكار.

يزكي رؤية أبو الراغب أن نقد تلك القوانين اقتصر على كونها مؤقتة،وعلى أن عددها كبير.غير أن قانون الاجتماعات العامة مثلاً الذي أريد به التعامل مع ظرف آني آنذاك، انسحب سلبياً في ما بعد على حرية حركة الأحزاب وحتى بعض مؤسسات الدراسات.وكاد الأمر يصل الى تطبيق قانون الصوت الواحد على انتخابات النقابات قبل أن يتم التراجع عنه في حكومته الثانية. أما حل البرلمان فقد كانت سابقة هي الأولى من نوعها في مرحلة التحول الديمقراطي، وتمت للأسف على يد من بدأ حياته العامة برلمانياً.

إقليمياً شهدت المنطقة في ظل حكومات أبو الراغب الفصول الأخيرة للانتفاضة الثانية وصعود اليمين الاسرائيلي الجديد (كاديما)، وتوقف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، والاجتياح الأميركي الكبير للعراق واحتلاله، وتعرض الأردن لتداعيات الحرب مثل: تدفق العراقيين الى البلاد، وظهور شبكات إرهابية (دون ربط بينهما).وفي رأي أبو الراغب أن الأردن أحسن التصرف مع هذه التطورات الهائلة بأقل الأضرار، وشخصياً كان أبو الراغب قابل الرئيس السابق صدام "تحصلنا على اتفاق نفطي وفر على الدولة الملايين". وينكر بملء الفم وباستهزاء ومرارة شديدين،أن يكون طرفاً في عملية استيراد خاص للنفط، أو أن يكون دخل جيبه قرش "نفطي" واحد مما "لا ينسجم مع سجلي وأخلاقياتي".

ينفي أبو حسن أن يكون أقيل بالمعنى الحرفي للكلمة "استقلت قبل استقالتي الفعلية بشهرين، وحظيت بالتكليف السامي قبل التكليف الفعلي بشهرين". ويسخر من أن يكون استخدامه لطائرة هيلوكبتر من أسباب مغادرته موقعه "كثيراً ما استخدمت المروحيات في تنقلاتي. وقت رئيس الوزاء ضيق وبرنامجه مثقل. مما كان يضطرني لاستثمار الوقت وعدم هدره في تنقلات تستغرق وقتاً طويلاً وأحياناً سحابة نهار بأكمله".

يمارس حياته هذه الأيام كمتقاعد نشيط،صافي الذهن يواظب على الدوام في مكتبه الشخصي يستقبل زواره ويتصل بأصدقائه، ويراقب الأحداث المحلية والخارجية عن كثب.يرى الوضع الإقليمي سيئاً في فلسطين والعراق ولبنان.والوضع الاقتصادي العالمي يعاني استعصاء مع ارتفاع أسعار النفط وتسونامي الأسعار. يتفاءل نسبياً بالحكومة الحالية ويرى أنها "حكومة صديقة" وتسعى لفتح الجسور، وتتحسس المعاناة العامة، ويتوقع منها إجراءات محددة لمواجهة الغلاء، وبخاصة بما يتعلق بالمواد الأساسية.

يلح في هذا المجال على الشفافية والتجانس في التصريحات الحكومية وقبل ذلك في السياسات الحكومية، حتى لا يؤدي أي تضارب وقد حدث بعضه،الى تشكك الناس وسريان الشائعات. يتفاءل باللقاءات التي تجريها الحكومة مع بعض القطاعات ومنها رؤساء حكومات سابقين، والأفضل من ذلك تشكيل مجلس اقتصادي استشاري دائم يتم الإصغاء له والاستئناس الفعلي به. يرى في استقرار سعر صرف الدينار إحدى ضمانات الاستقرار.

ويشدد على أن انشغاله بالشأن العام قديم يعود الى سنوات اليفاعة، وقد تأثر مثل سواه بحقبة المد القومي، كان قريباً في شبابه (الأول) من عروبيين وناصريين وليس من البعثيين كما يقول، ودون أن ينخرط في أحزاب: "أبي كان نقيب سائقين، وأخي الأكبر موسى نائب ووزير.لم تكن السياسة بعيدة أبداً عن البيت العائلي".

ينفق وقتاً أقل على المناسبات الاجتماعية، وكان أثار زوبعة صغيرة من حوله حين دعا الى تخفف المسؤولين السابقين عن تصدر جاهات.أراد أن يكون أقل تقليدية دون الانقطاع عن المجتمع والواجبات الإنسانية، مع ذلك قوبلت دعوته المتواضعة بتحفظ.

التغيير الاجتماعي صعب وقلة قليلة من النخبة تتطلع أو تسعى اليه. مشكلاتنا ليست سياسية فقط،هذا ما لم يقله أبو الراغب الذي كثيراً ما يكتفي بتلميحات تغمرها ابتسامات ودّية هي من سمات من يستخدمون في سجالاتهم قفازات من حرير.

علي ابو الراغب:تواصلي يستخدم قفازات من حرير
 
01-May-2008
 
العدد 24