العدد 24 - أردني
 

نهاد الجريري

يعتبر المهندس معاذ عليا الذي يدير مزرعة على طريق المفرق أنه من دون العمالة المصرية سوف "تخرب البلد" – فلا عمالة في الزراعة أو المخابز أو الإنشاءات.

يعمل في المزرعة التي يديرها معاذ 8 عمال مصريين برواتب تتراوح بين 125 – 140 دينارا بمعدل 12 ساعة يوميا – "من طلوع الشمس حتى غروبها"- ومن دون إجازات. هؤلاء يؤدون وظيفة مزدوجة فهم يعملون في المزرعة نهاراً، ويقومون على حراستها ليلاً، إذ ينامون فيها.

يقول معاذ إن العامل المحلي لا يستطيع أن يقوم "بالأعمال الصعبة" التي يقوم بها العامل المصري، مثل: "شغل الطورية" والتحميل والتنزيل. كما أن الأردني لا يعمل أكثر من 8 ساعات يوميا ولا يكفي راتبه متطلباته ومصروفاته، كما أنه لا يفكر بالمبيت في مكان عمله. ويفاضل معاذ بين العمالة المصرية والبنغالية أو الهندية مثلا. ويحسب أن استقدام العامل المصري لا يكلف رب العمل أكثر من 120 دينارا بما في ذلك عقد الاستخدام والكشف الصحي، أما العامل الهندي فيكلف 370 دينارا ما بين إقامة وتصريح عمل، ناهيك عن 800 دينار تذكرة سفر.

أبو مثنى الذي يدير محطة وقود في ناعور يقول إنه لا يفكر "مطلقا" في استخدام عمال أردنيين. ويبرر أن الأردنيين "بدهم يشتغلوا باشوات" من دون أن ينتبهوا لعملهم. يعمل في المحطة 5 مصريين براتب 170 دينارا وبمعدل 12 ساعة يوميا وبإجازات شهرية تصل إلى 4 أيام. يضاف إلى ذلك توفير "المنامة" في مكان العمل.

مثل هذه الحسابات لا شك ساهمت في رفع نسبة العمالة الوافدة في الأردن من 376 عاملا فقط عام 1973 إلى 314 ألفا عام 2007 –يضاف إليهم 200 ألف عامل يعتقد بأنهم يعملون بشكل غير شرعي- القسم الأكبر من هذه العمالة هي من الجنسية المصرية وتمثل 70.9بالمئة من المجموع الكلي، تليها الإندونيسية بنسبة 7بالمئة ، ثم السريلانكية 6 بالمئة، والفلبينية 5بالمئة والسورية 2.5بالمئة وأخيرا الهندية 1.7بالمئة .

العمالة المسجلة لدى وزارة العمل تمثل ما نسبته 21.4بالمئة من القوة العاملة في الأردن، وتتركز في قطاعات الخدمات بنسبة 35.5بالمئة ، تليها الزراعة 24بالمئة والصناعة 21.5بالمئة وأخيرا الإنشاءات بنسبة 19بالمئة .

ماجد الحباشنة، مدير عام مؤسسة التشغيل المهني الأمين العام السابق لوزارة العمل، يعتبر أن هذه القطاعات باتت "حكرا" على العمالة الوافدة، حتى باتوا "يملكون القرار الذي يهددون به سير العمل في المشاريع التي يعملون فيها فيما لو حصل خلاف مع صاحب العمل."

إبراهيم بدران، مستشار رئيس جامعة فيلادلفيا، يزيد أن "عدم التوازن في نسب وأعداد العمالة الوافدة بات يؤثر على الاقتصاد الوطني، إذ خرجت قطاعات مهمة مثل الصناعة والزراعة من إطار العمالة المحلية." وهذا كما يرى يؤثر في مسألتين: الأولى، أنه لم يعد بالإمكان بناء "خبرات محلية معمّقة" في هذه القطاعات، بل إن فرص "عودة" العمالة المحلية إلى تلك القطاعات باتت "ضئيلة." والثانية، أن العمالة الوافدة "غير مستقرة بذات الأشخاص"، وإنما متغيرة –إذ يأتون ويروحون- وهذه حركة لا تساعد على استقرار القطاع المعني.

بدران يشير كذلك إلى ما يرافق هذه الحركة من تحويلات عملة أجنبية إلى الخارج. هذه التحويلات تنعكس سلبا على البلد المضيف، وإيجابا على بلد الإرسال بالمساهمة في الناتج الإجمالي، وتوفير النقد الأجنبي ورفد الاستثمار. سجلات وزارة العمل تشير إلى أن العامل الوافد يحول 1000 دينار سنويا، وأن التحويلات في العام الماضي وصلت إلى 340 مليون دينار، بارتفاع مقداره ضعفين ونصف الضعف عن 137 مليون دينار عام 2001.

يضاف إلى هذا الجانب الاقتصادي أن العامل الأردني بات يتعرض إلى "المنافسة" في بعض المهن والتخصصات ما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة في سوق العمل الأردني، إذ وصلت في آخر أرقامها إلى 13بالمئة . المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية يشير إلى أن عدد "المتعطلين" عام 2007 وصل إلى 172 ألف مواطن، 64بالمئة منهم ذكور.

ويشير نادر مريّان، مدير مشروع المنار في المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، إلى أنه حتى لو تمّ "إحلال" المتعطلين جميعا مكان العمالة الوافدة لظل العجز موجودا في سوق العمل. ويزيد أن "العمالة الوافدة في معظمها غير متعلمة (نسبتهم 84بالمئة أي 264 ألف عامل) يشتغلون في أعمال يدوية وأولية، يقابلهم 100 ألف أردني فقط –ذكورا وإناثا- من المتعطلين ممن يحملون مؤهل الثانوية العامة فما دون،" الأمر الذي يزيد من الحاجة إلى العمالة الوافدة. ويقدّر مريّان أن 52بالمئة من فرص العمل التي سيوفرها الاقتصاد في الفترة المقبلة ستكون للعمالة الوافدة.

على الجانب الآخر، لا شك أن ثمة حاجة إلى البحث عن "حلول" من أجل استيعاب أعداد "المتعطلين" الأردنيين في القطاعات التي باتت "حكرا" على العمالة الوافدة.

بدران يقول إن "المسألة ليست سهلة ولا تجدي معها العموميات." ويشير إلى ضرورة دراسة كل قطاع من القطاعات التي تكثر فيها العمالة الوافدة، بحيث يتم البحث في الأسباب الطاردة للعمالة المحلية فيها.

ويوصي بدران "بتطوير" قطاعات الصناعة والزراعة من خلال اعتماد "المكننة" وإدخال التقنيات الحديثة في العمل، حتى لا يظل قاصرا على العمل اليدوي الأولي. هذه العملية تفيد في زيادة الإنتاجية ورفع الأجور، ما ينعكس من ثم على تحولها إلى بيئة جاذبة للعمالة المحلية.

مريّان يقترح وضع "برامج إحلال" من خلال سياسة حكومة تشجع الشباب والشابات على الدخول إلى سوق عمل تتحسن فيه الأجور –التي تراوح 150 دينارا- وتتوافر فيه خدمات السكن المناسب، والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، حتى يشعر العامل المحلي بالأمان وبالجدوى الاقتصادية والحياتية من عمله مهما كان بسيطا.

العمالة الوافدة: ضرورة تحولت “احتكاراً” لبعض القطاعات
 
01-May-2008
 
العدد 24