العدد 24 - أردني
 

عمرها 32 عاما، تحمل الشهادة الجامعية الأولى في التربية، متزوجة وأم لطفلين: ولد في السابعة، وبنت في الخامسة. عملية في مظهرها، وإن كانت تحب أن تترك شعرها الحريري مسدلا على كتفيها، لكنها ترتدي الجينز والبلوز الطويل .. مثل هذه الأوصاف قد تنطبق على أي امرأة في أي مكان، وربما يبالغ المرء في التخيل فيقول إنها تنعم بحياة مثالية ... سعيدة ... لكنها في الواقع على النقيض من ذلك.

"ترينا"، سيدة فلبينية جاءت إلى عمان منذ "سنتين و4 أشهر و20 يوما" -كما تحب أن تحسب- كي تجمع من المال ما يساعد زوجها على إتمام دراسته. ظلت حتى شباط الماضي "حبيسة" منزل في الصويفية، تقوم فيه على خدمة "المدام" وزوجها وأطفالها الثلاثة، براتب 200 دولار شهريا، وبمعدل 18 ساعة يوميا. لم تحظ طوال فترة عملها بأي يوم "راحة" أو حتى "عيد". لم تعرف شيئا في العامين الماضيين غير ذلك المنزل وساكنيه. تقول "صديقاتي الوحيدات هن الفلبينيات اللواتي كنت أراهن كلما رافقت الأولاد إلى المدرسة."

بكت بحرقة عندما سألتها عن أولاد "المدام"، وتحدثت طويلا عن الصغير ذي الستة أعوام –كيف يلعب وماذا يحب أن يأكل- بدأت مشاكلها عندما انتهى عقدها في أيلول الماضي، فاستأذنت الرحيل، لكن "المدام" ظلت تماطل مرة "حتى تنتهي الإقامة في كانون الأول" وتارة أخرى حتى "تأتي العاملة الجديدة." وهكذا، ولشدة اشتياقها لطفليها، ولتواصل الشتائم من "المدام"، اضطرت ترينا لأن تختار طريق الهروب إلى السفارة في شارع المدينة المنورة تاركة وراءها رواتب "10 أشهر و10 أيام".

روز، 23 عاما. عزباء. لم تتمكن من إتمام دراستها الجامعية بسبب فقرها، فذهبت بادئ الأمر إلى دبي قبل 3 أعوام. لكن "المدام" –مرة أخرى- أحضرتها من دبي قبل عامين، وتركتها في عمان لخدمة ابنتيها اللتين تسكنان منزلا من ثلاثة طوابق. في بعض الأحيان تضطر روز إلى خدمة شقيقة "المدام". ومثل "ترينا"، انتهى عقدها، لكن مستخدميها رفضوا ترحيلها فاختارت الهروب إلى السفارة، مخلفة وراءها هذه المرة راتب شهرين و "25 يوما". روز لم تر عائلتها منذ 3 سنوات، لكنها تقول إنها "سعيدة" لأنها تمكنت من إعالة والديها اللذين يعملان في حقول الأرز، وشقيقتها الوحيدة المتزوجة من صياد بسيط.

بعد أن اطمأنت روز وترينا إليّ، عرفتاني على ويلي نويلاّ التي لم يمض على وجودها في عمان أكثر من 7 أشهر في أول رحلة لها إلى ما وراء البحار. عمرها 39 عاما، متزوجة من مذيع في محطة راديو محلية، أم لثلاثة أبناء وبنتين. الأكبر جيروكوين وعمره 17 عاما. عملت نويلاّ مشرفة على العاملات في مصنع قريب من محل سكنها. كانت تتقاضى 180 دولارا شهريا تقريبا. لكنها رغبت في مزيد من المال لتدريس ابنها الذي بدأ فصله الدراسي الأول في الجامعة. فوقعت عقدا في الفلبين مع مكتب تشغيل على وظيفة عاملة في مصنع بالأردن براتب 400 دولار! وهكذا جاءت إلى عمان، لتتنقل بين أربعة مستخدِمين. أولهم كانت عائلة من 5 أفراد كانوا يتناوبون على ضربها ولا يسمحون لها بتناول الطعام إلا مرة واحدة في اليوم، والأرز مرة واحدة في الأسبوع، وآخرهم "المدام" التي توقعت منها أن تتقن طهي "الأكل العربي". لكن التجربة الأقسى كانت مع المستخدِم رقم 3. كان رجلا يعيش بمفرده. لم تمضِ عنده سوى أسبوع. في اليوم السادس، اغتصبها، وفي السابع هربت. لم تتوقف نويلاّ كثيرا عند حادثة الاغتصاب وكأنها لم تكن ترغب في التذكر، لكنها تحدثت كثيرا عن مكتب الاستخدام في الصويفية وعن الإساءات الجسدية، والنفسية التي تعرضت لها كلما أعادها مستخدموها. قالت إنهم "كانوا يجبرونها على الرقص عارية" وأنهم "حبسوها في الحمّام أسبوعا من دون طعام."

ظلت نويلاّ متماسكة، فلم تبك طوال سردها لحكايتها في عمان، إلى أن سألتها عن ابنها الكبير الذي اضطر لترك الجامعة لأنها لم ترسل له أي نقود، وعندما تحدثت عن أصغر أبنائها، كليند ذي الثلاثة أعوام أجهشت بالبكاء. فقد كانت تخشى أن يطول بقاؤها في عمان فينساها.

**

بدأت هجرة العمالة المنزلية في وقت مبكر منذ الثمانينيات. ويرى ماجد الحباشنة، الأمين العام السابق لوزارة العمل، أن ذلك جاء بسبب الهجرة الأردنية الكثيفة إلى بلدان الخليج العربية التي يشيع فيها مثل هذا الاستخدام، وبسبب وجود طبقة ميسورة الحال استفادت من التحويلات والنهضة العمرانية والمساعدات والسياحة والتجارة مع بلدان الخليج لفترة ومع العراق لفترة أخرى.

فيما يلي بعض إحصاءات وزارة العمل في هذا المجال.

- مجموع العاملين في المنازل المسجلين بلغ 46 ألف عامل وعاملة عام 2007.

- بلغ عدد المكاتب المرخصة لاستقدام العمالة المنزلية 95 مكتباً.

- تحتل الجنسية الإندونيسية المرتبة الأولى في العاملات في المنازل بنسبة 48بالمئة تليها السريلانكية ثم الفلبينية.

- تتجاوز ساعات العمل أسبوعيا 100 ساعة بمعدل 14 ساعة يوميا.

- 93بالمئة من السريلانكيات يتقاضين راتبا يقل عن 100 دولار

- نسبة عدم سداد الأجر تصل إلى 20بالمئة

- وصلت حالات الانتحار بين العاملات في المنازل إلى 10 حالات عام 2006

طريق الآلام .. من مانيلا إلى عمّان
 
01-May-2008
 
العدد 24