العدد 24 - أردني
 

حسين أبو رمّان

بعد مخاض عسير، قررت حكومة معروف البخيت بناء «فيلا» للحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج من عمال، أصحاب عمل وحكومة، لكنها تراجعت في غفلة من الزمن، واكتفت ببناء «شقّة».

حكومة نادر الذهبي تسلمت «قوشان» الشقة في بداية عهدها. وبرغم مرور 150 يوماً على ذلك، فإن مجلس الوزراء لم يقرر بعد من هو الفريق المؤهل لإشغال الشقة.

هذه الصورة المستعارة من عالم العقارات، تعكس تقريباً حكاية «المجلس الاقتصادي والاجتماعي» الذي تؤكد الأوضاع الاقتصادية الراهنة كم نحن بحاجة إليه كإطار مؤسسي للحوار بين الفرقاء الاجتماعيين، بما يمكن البلاد من الوصول دائماً إلى أفضل الحلول التوافقية للمعضلات التي تواجهها.

تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي طريقه سالكة، فالنظام الخاص بهذا المجلس والذي يحمل الرقم 117 جاهز، وقد دخل حيز التنفيذ منذ الثاني من كانون الأول الماضي.

عيد العمال العالمي في الأول من أيار المقبل، يشكل فرصة مناسبة للحكومة للإعلان عن موعد تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

حمادة أبو نجمة، المستشار القانوني وأمين عام وزارة العمل بالوكالة، يعتقد أنه ليس هنالك تأخير في تشكيل المجلس، لأن ذلك يحتاج إلى وقت كافٍ. وأوضح أبو نجمة أن هنالك مجموعتين هما: العمال وأصحاب العمل قدمتا أسماء ممثليهما المقترحين، فيما لم تتم بعد تسمية ممثلي الحكومة والمجتمع المدني حتى الآن.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ليس مجرد هيئة من الخبراء، بل هو أساساً هيئة ذات طابع تمثيلي، فأعضاؤه يمثلون أربع فئات، هي: العمال، أصحاب العمل، الحكومة، والمجتمع المدني.

يتكون المجلس من 44 عضواً، إضافة إلى الرئيس الذي يعين بقرار من مجلس الوزراء يقترن بإرادة ملكية. ويرتبط رئيس المجلس ومدة رئاسته أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، برئيس الوزراء.

المجلس بصفته التمثيلية المشار إليها، هو جهة مؤهلة لتقترح على الحكومة الحد الأدنى «الجديد» للأجور، وبخاصة بعد موجة ارتفاعات الأسعار الأخيرة ورفع الرواتب في القطاع العام. وهو جهة مؤهلة أيضاً لتقترح على الحكومة اتجاهات التعديل المناسبة لقانون ضريبة الدخل، وهكذا.

الهدف من المجلس الاقتصادي، بحسب المادة الرابعة من نظامه الخاص، تقديم الاستشارة إلى السلطة التنفيذية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. هذا ما استقر عليه الأمر. لكن الفكرة الأصلية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وفق «مشروع القانون» الذي عرض على ديوان التشريع، كانت أوسع مدى، وأعمق معنى، وأكثر نضجاً.

فالمجلس بحسب مشروع القانون الذي لم يؤخذ به، يهدف إلى تقديم الاستشارة للسلطتين التشريعية والتنفيذية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، وليس فقط للسلطة التنفيذية، ويتمتع المجلس بالشخصية الاعتبارية وباستقلال إداري ومالي، وليس فقط بـ«استقلال تام في ممارسة أنشطته». وانسجاماً مع هذا التراجع، تم التخلي عن الإشارة إلى تمتع رئيس المجلس بامتيازات نائب رئيس الوزراء، وهذه صيغة الهدف منها تعزيز الدور المعنوي والعملي لرئيس المجلس.

عبد الرحمن المجالي، قيادي عمالي ومستشار سابق في وزارة العمل، يرى أن «نظام المجلس أناط تشكيل المجلس بالحكومة، بينما كان ينبغي أن تتمتع الهيئات الاجتماعية المكونة للمجلس بحق اختيار ممثليها بكل حرية». المجالي الذي واكب بلورة مشروع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يضيف أن «النظام لا يلزم الحكومة بطلب الاستشارة من المجلس في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بل يعود الأمر لها، مع أن الاستشارة هي بطبيعة الحال غير ملزمة، لكن هذا يضعف الدور المرجعي للمجلس في مجال اختصاصه».

البدايات

الفرق بين مضامين «مشروع القانون» الموؤود، وبين النظام رقم 117 لسنة 2007 المعتمد، يعكس المسار الصعب الذي اجتازه مشروع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تمتد جذوره إلى مشروع الحوار الاجتماعي الذي أطلقته منظمة العمل الدولية العام 2000 وتبنته أكثر من 50 دولة.

الأردن انضم إلى هذا المشروع في أيار 2003، حيث شكلت لجنة وطنية للحوار الاجتماعي بمشاركة ممثلين عن وزارة العمل وأصحاب العمل والنقابات العمالية، وأضيف إليها في وقت لاحق ممثلون عن المجتمع المدني ونواب وأعيان. وتوصلت هذه اللجنة إلى بلورة صيغة المجلس الاقتصادي الاجتماعي كإطار دائم للحوار الوطني المؤسسي، يكرس شراكة حقيقية بين أطراف الإنتاج.

وقد تمت في العام 2005، صياغة مشروع قانون للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وعرض على ديوان التشريع، وكان لا ينقصه سوى أن تدفع به حكومة إلى مجلس النواب، لا سيما أن مشروع تشكيل هذا المجلس قد حظي بدعم حكومات معروف البخيت، عدنان بدران، وفيصل الفايز.

لكن صدور النظام 117 لسنة 2007، تأخر كثيراً، بسبب التردد الحكومي في حسم صلاحيات المجلس، ومكانة التشريع الذي ينظم عمله، أي هل ينظم عمل المجلس بقانون يمر عن طريق مجلس الأمة، أم بنظام يصدر عن مجلس الوزراء؟ بل كان هناك خيار ثالث «وسط»، هو إصدار قانون للمجلس الاقتصادي الاجتماعي، يحدد الخطوط العريضة لأهدافه وبنيته وآليات عمله، فيما تترك التفاصيل إلى نظام أو أنظمة تصدر عن رئاسة الوزراء.

منظمة العمل الدولية لعبت دوراً أساسياً في وضع المقدمات الضرورية لبلورة مشروع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بناء على اتفاق مع الحكومة الأردنية، فيما قدّم الاتحاد الأوروبي دعماً معنوياً ومالياً أساسياً لإنجاح هذه التجربة في الأردن، بدءاً من مشروع الحوار الاجتماعي، وانتهاء بتمويل المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

أمين عام وزارة العمل بالوكالة أبو نجمه أكد أن الاتحاد الأوروبي خصص دعماً مالياً للمجلس. أما زاوية زواريب في الزميلة «الغد»، فنقلت يوم 15 نيسان الماضي عن مصدر مطلع قوله إن الاتحاد الأوروبي «رصد 20 مليون يورو لدعم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني على أن تدفع وتورد في حال إشهار وتأسيس المجلس».

بنية المجلس

اختيار ممثلي الفئات الأربع في المجلس الاقتصادي والاجتماعي له آليته التي حددتها المادة السادسة من النظام الخاص بالمجلس على النحو التالي: المجموعة الأولى تمثل الحكومة وتتكون من ثمانية متخصصين يمثلون الوزارات والمؤسسات والهيئات الرسمية ذات العلاقة بعمل المجلس، ويتم اختيارهم بالتنسيق مع الوزراء المعنيين، وثلاثة من أصحاب الخبرة والكفاءة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

أما المجموعة الثانية فتتكون من 11 ممثلاً عن أصحاب العمل يتم اختيارهم بالتنسيق مع غرف التجارة والصناعة ونقابات أصحاب العمل، فيما تتكون المجموعة الثالثة من 11 عن العمال يتم اختيارهم بالتنسيق مع الاتحاد العام لنقابات العمال. وتتكون المجموعة الرابعة هي الأخرى من 11 ممثلاً عن مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بمهام المجلس يتم اختيارهم بالتنسيق مع الجهات المعنية.

يراعى في جميع الحالات ألا يقل تمثيل المرأة عن اثنتين في كل مجموعة. كما يشترط في عضو المجلس أن يكون أردنيـــاً وألا يقل عمره عن 30 سنـــة، وأن يكون من ذوي الخبرة والكفاءة والمصداقية.

يتألف المجلس من الهيئة العامة ومكتب المجلس ولجان العمل. الهيئة العامة تتكون من جميع أعضاء المجلس، فيما يتكون مكتب المجلس من الرئيس والأمين العام، ورئيسي مجموعتي أصحاب العمل والعمال، بصفتهما نائبين للرئيس، ورئيسي مجموعتي الحكومة والمجتمع المدني، بصفتهما عضوين.

يتولى المجلس المهام والصلاحيات ذات الصلة برسم السياسات العامة لعمله، تقديم الاستشارات، تقييم الأوضاع وتقديم الاستشارة بشأن نوعية علاقات العمل القائمة والتطورات المتعلقة بها والمفاوضات الجماعية ونزاعات العمل الفردية والجماعية، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة.

يصدر المجلس قراراته بشأن الاستشارات المقدمة إليه بأغلبية ثلثي أعضاء كل مجموعة على الأقل. وإذا تعذر توافر الأغلبية، يؤلف المجلس لجنة خاصة لدراسة الأمر المعروض على المجلس للتوصل إلى اقتراح توفيقي بشأنه.

يجوز لمجلس الوزراء طلب الاستشارة من المجلس في السياسات والخطط والتشريعات الخاصة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وكذلك بمشاريع القوانين الخاصة بعلاقات العمل وظروف العمل والقوانين ذات العلاقة بالحوار الاجتماعي أو ذات صلة بشؤون المجلس وأعماله. ويجوز أيضاً لأي وزير أو رئيس لجهة ممثلة في المجلس طلب الاستشارة منه في أي موضوع ذي علاقة بمهامه.

ظاهرياً، يبدو أن المجلس الاقتصادي الاجتماعي يلبي في المقام الأول مصالح الحركة النقابية العمالية، وغرف الصناعة والتجارة ونقابات أصحاب العمل، ولكن التدقيق في الأمر، يوصلنا إلى النتيجة بأن سائر فئات المجتمع لديها مصلحة قوية في قيام المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لأنه يمكن أن يتحول إلى بوتقة حقيقية للشراكة المجتمعية، وإلى إطار قادر على الموازنة، في كل استشارة يقدمها بشأن قرار أو تشريع ما، بين الأبعاد المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، و"هذا نقيض للرؤى أحادية الجانب التي تتعامل مع القرار الاقتصادي فقط من منظور جدواه الاقتصادية، والقرار الاجتماعي من منظور جدواه الاجتماعية"، بحسب رؤية القيادي العمالي السابق عبد الرحمن المجالي.

**

نقابات العمال في تقارير "الوطني لحقوق الإنسان"

في تقريره السنوي للعام 2007، أشار المركز الوطني لحقوق الإنسان، إلى "تعدد المرجعيات القانونية للحركة النقابية، ما أدى إلى اختلاف المراكز القانونية لها، واختلاف درجة استقلال وحرية اتخاذ القرار فيما بينها، واختلاف درجة مرونة الإنشاء والتعديل والإلغاء لكل منها."

وأشار تقرير المركز إلى "الفروق في آلية تشكيل النقابات المهنية بموجب قانون،" في حين أن "تشكيل النقابات العمالية ونقابات أصحاب المهن استند إلى قرارات وأنظمة صادرة عن مجلس الوزراء، أو قرارات تصدر، في أغلب الأحيان، عن وزير العمل."

ويرى المركز أن "هنالك مفهوماً قانونياً وقضائياً بأن النقابة هيئة تتمتع بشخصية اعتبارية، والشخص الاعتباري لا يكون أبداً بنظام وإنما يكون بقانون. لذلك يرى المركز أن إنشاء النقابات بموجب القانون وليس النظام يعد مؤشراً على ضمان استقلاليتها في اتخاذ قراراتها وإبعادها عن سيطرة الإدارة الحكومية."

وكان تقرير المركز لعام 2006 قد أشار إلى الانتخابات النقابية في نقابات العمال قائلا: "شهد عام 2006 إجراء انتخابات لنقابات العمال للدورة النقابية الحالية 2006-2011، ومن الملفت للنظر في هذه الانتخابات، تكرار ظاهرة التزكية للمرشحين للانتخابات في 11 نقابة عمالية من أصل 17 نقابة، ويعزى ذلك لعدم وجود منافسين في بعض مجالس النقابات العمالية، أو لقلة عدد الهيئات العامة فيها، كما بدا واضحاً في انتخابات الدورة الحالية أن اثنتين من النقابات العمالية التي كانت تشهد تنافساً واضحاً وحاداً بين مرشحيها، شهدت هذا العام حالات من التزكية، هما: نقابة أصحاب المصارف، ونقابة النقل الجوي والسياحة."

خاض عسير يواجه تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي
 
01-May-2008
 
العدد 24