العدد 24 - حتى باب الدار
 

بدأ تجار الجملة اصدار نشرة أسعار الجملة لعدد من السلع ، بحيث يتمكن المواطن من معرفة سعر الكلفة لبائع المفرّق قبل أن يحدد الدكان الذي يشتري منه، وتتجه النوايا الى أن تكون هذه النشرة اسبوعية.

الاجراء سوف يربك الحياة الداخلية للدكاكين ومجمل علاقاتها مع زبائنها:

لف السوق ولا ترجع لي

ستتغير أسس «المفاصلة»، وهي النقاش الذي يتخذ شكل تفاوض سريع يتكرر بين البائع والمشتري عند كل سلعة، قد يليه تفاوض آخر على مجمل عملية البيع في الزيارة الواحدة وقد يتخلله أو يليه تفاوض آخر ،على مجمل مستقبل علاقة البيع والشراء بين زبون معين وبائع معين، وهي أشكال من التفاوض قائمة على عدم تيقن أحد الأطراف (المشتري) من حقيقة الأرقام التي يجري حولها التفاوض.

إن معرفة الزبون بسعر الجملة سوف يعني أن البائع قد فقد العنصر الرئيسي الذي يبني عليه خطته في التفاوض والمفاصلة، المتمثل بعبارة أن السلعة: «علينا بكذا» أي إحالة الأمر الى سعر الجملة، وعليه لن يعود بمقدور البائع الجزم بأن البيع كما يريد المشتري يعني «البيع بخسارة» وهو وضع «لا تقبله لي»، وستضعف قدرة البائع على الادعاء أنها «لا توفّي معنا بهذا السعر» أو غير ذلك من عبارات صارت تشكل جانبا من لغة الأسواق والدكاكين.

الدكنجي المعتمد

بموازاة ذلك فإن الاجراء الجديد بالكشف عن سعر الجملة سوف يكون بأثر رجعي، لأنه سيعني انكشاف محتوى كثير من العلاقات التي بناها الزبائن مع دكانهم أو «دكنجيهم» على مر السنوات الماضية، وفي الأثناء قد تنكشف بعض الادعاءات بـ»المراعاة الخاصة» التي يحظى بها زبون معين دوناً عن كل زبائن الحارة. وبالمحصلة قد تنشأ عن هذه الانكشافات حركة تبدل كثيفة في الدكان المعتمد، في حالة تم اكتشاف أن صاحبه كان «مِغْلونجيا» طيلة تلك المدة.

أوساط تجار المفرّق قد تتخوف من إن انكشاف نسبة الربح الحقيقية ستعني انكشاف «الرزقة» أمام أعين الحساد ،الذين سوف يشرعون بحساب ما يتم تحصيله منهم في كل سلعة يشترونها وقد يرفقون ذلك بالدعاء المناسب، وهو دعاء عادة ما يكون موجهاً بالضد من مصلحة البائع في الآخرة على الأقل إن لم يكن في الدنيا أيضاً.

ضحكوا عليك

سيتقلص دور عنصر الشطارة في التجارة أو على الأقل فإنه قد ينتقل الى ميادين جديدة غير معتادة، وبالمقابل سيقل عدد الزبائن الذين يمكن استغفالههم أو استهبالهم، ولن تكون الفطنة ميزة للمشتري الخبير، ولن يقع الزوج الدرويش تحت اتهام متكرر من قبل الزوجة بأنهم «ضحكوا عليك».

الاجراء الجيد سوف لا يعني الكثير على صعيد مستويات الأسعار، لأن مثل هذا الأمر يستدعي الكشف عن أسعار التكلفة عند بائع الجملة، الذي يصر باعة المفرّق أنه المستفيد الأول من ارتفاع الأسعار.

مهما يكن فإننا سنكون أمام إعادة توزيع شاملة لعمليات «فش الغل» بين أطراف البيع، وهو امر لا يخلو من فائدة.. «ما اشتريت من عنده لكني فشيت غلي فيه»، والمعروف أن هناك صنفاً من فشات الغل أحسن من «كيلو لحم مشوي»! .

نشرة أسعار البيع بالجملة: إعادة توزيع الناتج المحلي من “فش الغل”
 
01-May-2008
 
العدد 24