العدد 24 - كتاب
 

ثمة ما يشبه الإجماع في أوساط الدارسين المعاصرين على اعتبار إريك هوبزباوم واحداً من أشهر المؤرخين المعاصرين في بريطانيا وأوروبا؛ بل إن الباحثين اليساريين ينزعون إلى اعتباره أبرز مؤرخي هذه الأيام في العالم أجمع، أو أفضل مؤرخي القرن العشرين. وتميل الفئة الأولى إلى التركيز على جدارته العلمية، ونهجه الموضوعي المعمق الشامل المتعدد الأبعاد في دراسة التاريخ الحديث، بينما تضيف الفئة الأخيرة من المراقبين سلسلة أخرى من السمات التي تميز منهجه الفكري، ومن بينها منظوره الماركسي المادي الجدلي في تحليل الظواهر التاريخية، والتزامه التعايش مع واقع العالم المعاصر السياسي والاجتماعي، واستمراره، حتى وهو في مستهل التسعينات من عمره، في التعبير عن مواقفه وآرائه الجريئة إزاء أحداث الساعة.

ولد هوبزباوم في الإسكندرية عام 1917، لأب بريطاني وأم نمساوية، وانتقل إلى فيينا بعد وفاة والده ليعيش مع والدته، وليتابع دراسته في برلين. واضطر للرحيل إلى بريطانيا عام 1933، إثر تعاظم النزعة النازية والفاشية في ألمانيا، والنمسا، وإيطاليا، ومناطق أخرى من أوروبا الوسطى. وكان لمعاصرته صعودَ الفاشية وفشل الليبرالية أثر كبير في تكوين آرائه السياسية اليسارية واقترابه من الماركسية، كما أن هذه التجربة أثرت في اهتماماته البحثية لموضوع الهويات وظواهر التعصب العرقي والديني والإثني.

في لندن، أكمل دراساته الجامعية وحاز على الدكتوراه في التاريخ من كينغز كوليج في جامعة كمبريدج، وعمل محاضراً في جامعة لندن- كلية بيربك، وأصبح أستاذاً للتاريخ الاقتصادي الاجتماعي عام 1970، وزميلاً في الأكاديمية البريطانية عام 1978. وفي العام 1998، قُلِّد وسام الشرف في بريطانيا والكومنولث. وعلى الرغم من أنه كان شيوعياً منذ العام 1936، إلا أنه ندد بالغزو السوفييتي لهنغاريا عام 1956، وعدل عن عضوية الحزب الشيوعي البريطاني إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، وظل محافظاً على منظوره الماركسي العريض في توجهاته الفكرية وممارساته العملية.

ويعمل هوبزباوم الآن رئيساً لكلية بيربك- جامعة لندن، وأستاذاً زائراً في عدد من كبريات الجامعات الأوروبية والأميركية والآسيوية. وبالإضافة إلى أن مؤلفاته الأساسية قد ترجمت إلى أكثر اللغات الحية (ربما باستثناء العربية)، فإن ما أسهم في تأثيره الفكري هو إتقانه لعدد من اللغات وأبرزها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والإسبانية. وعلاوة على اهتماماته الأكاديمية والفكرية والسياسية، فإنه عازف ماهر لموسيقى الجاز، وله دراسات وكتاب مطبوع في هذا المجال، وآخر عن الترابط بين الجاز والمقاومة والاحتجاج.

فايز الصّياغ: مؤرخ... لا كالمؤرخين!
 
01-May-2008
 
العدد 24