العدد 24 - ثقافي
 

هيا صالح

ما زلنا نقف على باب المدينة"، بهذه العبارة يصف الناقد المسرحي، جمال عياد، ظاهرة اصطلح على تسميتها "السرقات الصحفية"، فيما لا يُسمّي الشاعر والصحفي نضال برقان عملية تبادل المواد الصحفية بين زملاء المهنة بـ"السرقات"، لأن هناك، كما يرى: "تفاهماً، أو شبه تفاهم بين الزملاء، في تناقل مثل هذه المواد الصحفية، التي غالباً ما تكون مرتبطة بتوقيت معين".

من جهتها، ترى الكاتبة جميلة عمايرة، أن هذه "السرقات" أصبحت تشكل حالة سائدة تعمّ المشهد كلَّه، مشيرة إلى أنه أصبح من الممكن الحديث عن ظاهرة «السرقات الصحفية» بموازاة ما شاع على الساحة من «سرقات أدبية»، كانت قد عانت منها بشكل شخصي، مؤكدة أن «السطو» بكل أشكاله يمثل «عملاً لا أخلاقياً».

هذه الظاهرة، وفقاً لعياد الذي تعرضت بعض موضوعاته التي تتناول المشهد المسرحي لـ«الانتحال» و«الاعتداء» -كما يؤكد- من قبل صحف ومواقع إلكترونية، تكشف عن «تجاوز للأعراف المتداولة في الصحافة، المهنة التي تتطلب قدراً كبيراً من الأمانة والمصداقية»، وهو يردّ هذا السلوك إلى «العلاقات التقليدية غير المدينية السائدة في الوسط الثقافي» بحسب تعبيره، وهي العلاقات التي لا يحتملها المجتمع الصناعي الذي تُولَد من رحمه المدينة، الذي يقوم على «تقدير جهود الآخرين، واحترام أصول المهنة».

لا تتوقف ظاهرة «السرقات الصحفية» عند مجرد أخذ أجزاء أو فقرات من الموضوع، بل تتجاوزها أحياناً إلى نقل الموضوع بأكمله، وبشكل حَرْفِي من دون الإشارة إلى مصدره، وهذا ما يلفت له عياد قائلاً: «هناك صحيفة عربية نشرت موضوعاً لي بأكمله، بفواصله ونقاطه.. مع تغيير اسم كاتب الموضوع فقط!».

وهناك من يقلل من خطورة هذه الظاهرة، بدعوى أن الموضوعات الصحفية لا تدخل في باب البحث العلمي، الذي يتطلب إثبات اسم الكاتب والمصدر وغيرها من بيانات تشكل مرجعية للقارئ. هذه الحجة مردودة، شكلاً ومضموناً، كما يبين المحامي غالب شنيكات، مؤكداً أن كتابة كهذه تندرج في إطار «الملكية الفكرية»، فالأفكار عموماً متاحة للجميع، لكن الصياغات اللغوية وبناء المعلومة، وطريقة عرضها وتحليلها هي ملك صاحبها، لا ينازعه في ملكيتها أحد.

فالصحفي الكاتب بذل جهده وفكره في الكتابة والتحليل لإنجاز مادته، فينبغي أن «يُرَدّ الفضل لأهله»، وأن يشار، أقلّه، إلى اسم الكاتب من باب إحقاق الحق والإنصاف. وفي سياق متصل، يوضح شنيكات المهتمّ بقضايا الملكية الفكرية أن قانون «حق المؤلف» حدد، على وجه الحصر، المصنفات المحمية بموجب القانون، وكذلك المصنفات التي لا تشملها الحماية، كالأنباء المجهورة والمذاعة والمبلغ عنها بصورة علنية؛ أي الأخبار المجردة. ويشير الى أن القانون وفر الحماية للعمل الصحفي الذي تتوافر فيه شروط الحماية، كأن تتوافر المقالات أو التحقيقات الصحفية على ما يجعلها أكثر من «خبر يومي»، بحيث يظهر فيها جهد ذهني للكاتب، فيحلل مسألة من المسائل بصياغة لغوية تبرز شخصية كاتبها وخصوصيته.

هذا ما يلفت له عياد بقوله: «أقدم نقداً مسرحياً تجسيرياً؛ بمعنى تقديم نص على نص»، وهو ما لا يندرج، وفقاً له، تحت التغطية الصحفية البحتة، وإنما يأتي من باب المزاوجة بين النقد المسرحي والتغطية الصحفية. مضيفاً: «لقد تشكلت لغة خاصة بي عبر تجربتي المتراكمة في الكتابة بالمسرح، لذلك يسهل على القراء معرفة موضوعي إذا ما سطا أحدهم عليه».

المفارقة أنه إذا ما تقدم صاحب المادة «المسروقة» بالشكوى للقائمين على المطبوعة التي نشرتها، فإنهم في حالات كثيرة، بدلاً من أن يتخذوا إجراء رادعاً بحق «السارق»، يُكتفى بالاعتذار من صاحب المادة الأصلية، وربما على استحياء.

وترجع عمايرة ما يمكن دعوته «التهاون» بحق صاحب المادة «المسروقة»، إلى أن قانون حق المؤلف «غير مفعَّل»، بينما يؤكد شنيكات عكس ذلك، ولكن المسألة تكمن في «من يعلّق الجرس»، مشيراً إلى أن الفيّصل في الموضوع هو مدى «وعي الكتاب أو من هم بحكمهم بحقوقهم القانونية»، وأن «جهلهم بهذه القوانين» فوّت عليهم فرص المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي لما تعرضوا له، مشدداً على أنه «لا يمكن أن يوضع حد لهذه التجاوزات إلا إذا تمسك كل كاتب بحقه وطالب به بشراسة».

وترى عمايرة، أن الرقابة الداخلية الذاتية هي الفيصل أولاً وأخيراً، مؤكدة: «لو وضعتُ كل قوانين العالم أمام السارق، ليلتزم بها، ففي غياب الحصانة الأخلاقية الرادعة، فإنه سيتجاوز كل هذه القوانين ويضرب بها عرض الحائط». أما عياد فيدعو من يزعمون «المدنية» و«التحضّر» فيما تشي سلوكاتهم بغير ذلك، إلى التخلص من هذا التناقض، مؤكداً أن «احترام الذات أولاً، واحترام الآخر ثانياً، هما الرادع الأقوى للكف عن تلك الممارسات».

وكانت السرقات الصحفية ازدادت في الآونة الأخيرة، كما ترى عمايرة، بتأثير من الحضور الطاغي للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وتغلغلها في أوصال حياتنا المعاصرة، إذ تتدفق عبر صفحاتها يومياً آلاف الموضوعات التي يسهل الوصول إليها، كما تسهل عملية نقلها وانتحالها دونما حاجة إلى إعادة طبع المادة، إذ هي مطبوعة أصلاً وجاهزة للنشر، وما على «اللص» سوى القيام بخطوتين تحتاجان لثوانٍ: (copy) و(paste)، واستبدال اسمه باسم صاحب الموضوع الأصلي.

لكن هذه الشبكة التي تغذي كُرَتَنا الأرضية بالمعلومات على مدار الساعة دون توقف، تحولت إلى «مصيدة مفخخة» كما يشير شنيكات. والطريف أن «السحر ينقلب على الساحر»، فهذه المواقع الإلكترونية تنشر الموضوع موقَّعاً باسم صاحبه الأصلي، ثم تنشره مرة أخرى منسوباً إلى غير صاحبه. وهنا من السهل تحديد «الأصل» ومعرفة «الصورة»، وفقاً لتاريخ النشر، على الأقل. وفي هذا السياق يقول شنيكات إنه يكفي وضع اسم المقال أو اسم صاحبه على أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة، من مثل «غوغل»، لتُظهر نتائج البحث إذا كان ثمة «سرقة» للموضوع مدار البحث أم لا.

تجدرالإشارة إلى أن هناك موقعاً إلكترونياً اسمه «لصوص الكلمة» خصصه صاحبه للكشف عن مثل هذه «السرقات»، وقد رصد هذا الموقع ما يقارب 160 موضوعاً تمت سرقتها أو سرقة أجزاء منها.

الاستفادة من الإنترنت بالسرقة منه!
 
01-May-2008
 
العدد 24