العدد 24 - أردني
 

هاني الحوراني*

خلال العقدين الأخيرين شهد الاتحاد العام لنقابات العمال سلسلة متصلة من التراجعات التي أدت الى تهميش دوره، كإطار للتفاوض الجماعي وقيادة النضال المطلبي للعمال، وانحسار موقعه في الحياة العامة الى مستويات غير مسبوقة. وبالمقارنة مع الحركات الاجتماعية الأخرى التي استفادت نسبياً من مرحلة الانفتاح السياسي التي شهدها الأردن منذ مطلع التسعينيات، فإن الاتحاد العام لنقابات العمال ومعه غالبية النقابات العامة، صدت أبوابها بإحكام أمام رياح التغيير والانفتاح، بل انها في الواقع ازدادت تبقرطاً جراء مركزة السلطات في يد المكتب التنفيذي للاتحاد وانحسار دور المجلس المركزي والمؤتمر العام للاتحاد، وازدياد الهوة ما بين الهيئات القيادية للاتحاد وبين وظيفتها التمثيلية للطبقة العاملة. وبالمثل فقد تراجعت علاقات الاتحاد العام على المستوى الوطني وتلاشى دوره في الحياة العامة.

بيد أن تطورات السنوات القليلة الماضية فتحت الباب مجدداً أمام استعادة الاهتمام بالحركات الاجتماعية، ولا سيما العمالية منها، خاصة في ضوء تعاظم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الفئات الأوسع من المجتمع والتراجع المضطرد لسياسات الحماية الاجتماعية، والتي تجلت خلال السنوات الأخيرة في رفع الدعم عن المحروقات والأعلاف وتحرير أسعار مختلف السلع والخدمات.

وهكذا ازدادت بصورة متسارعة التحركات العمالية المطلبية في مختلف القطاعات، ولحقت بعمال مؤسسات القطاع الخاص فئات أخرى من العاملين في الوزارات والمؤسسات الحكومية والبلدية الأخرى. والملفت للانتباه أن العديد من هذه التحركات جاءت بمعزل عن القيادات النقابية، او على يد عمال قطاعات محرومة من حق التنظيم النقابي.

في هذا السياق يأتي إعلان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال يوم 12 نيسان/أبريل الجاري مازن المعايطة عن نية الاتحاد لعقد مؤتمره العام في شهر آب/ أغسطس المقبل، وعن تشكيل لجنة لإعادة هيكلة الاتحاد والنقابات العمالية ولتطوير أنظمتها الداخلية، بما يوحي ان قيادة الاتحاد باتت مقتنعة بأن ساعة الاصلاح النقابي قد أزفت. لكن التدقيق في مضمون التصريح الذي أطلقه المعايطة يظهر الطابع الاداري الشكلي لإعادة الهيكلة التي تنوي قيادة الاتحاد الاقدام عليها، فهو يتحدث عن انشاء دوائر مالية ووظيفية للاتحاد بدلاً من الحديث عن اصلاح هيكلي للاتحاد وتفعيل لمؤسساته، وبدلاً من اشاعة الديمقراطية في صفوفه وصفوف النقابات او توسيع قاعدتها، وافساح المجال أمام التعددية النقابية والتجديد القيادي واطلاق حرية التنظيم النقابي للفئات المحرومة من التنظيم النقابي.

من الأهمية بمكان أن تواجه محاولات الترقيع والتجميل الشكلية ببرنامج شامل ومتماسك للإصلاح النقابي، وأن تبادر القوى النقابية المستقلة الى توحيد قواها من وراء هذا البرنامج من أجل أن يتحول مؤتمر الاتحاد المقبل الى نقطة تحول جدية في مسار الاتحاد.

ان اصلاح الحركة النقابية العمالية يعتمد بالدرجة الأولى على القوى النقابية ذاتها، وعلى الجهود التي يمكن ان تبذلها في اطار النقابات العمالية. لكن هذا يتطلب ايضاً خطوات ملموسة من الحكومة، ومساهمة فعالة من قوى الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، اضافة الى الدعم الذي يمكن ان تحصل عليه من المنظمات النقابية العربية والمنظمات الدولية ذات الصلة.

وبشكل عام, فإن انجاز المهمات التالية يعتبر حجر الأساس في الاصلاح المنشود لمؤسسات الحركة النقابية العمالية الأردنية:

- تطوير البيئة السياسية والقانونية الناظمة لعلاقات العمل. وهذا يتطلب من الحكومة الكف عن اعتبار النقابات مصدراً محتملاً لتهديد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والعلاقات الصناعية، وبالتالي امتناع الأجهزة الأمنية عن فرض وصايتها على الاتحاد العام والحركة النقابية العمالية.

كما يتطلب تعديل وتطوير التشريعات العمالية ، بما يتفق مع المعايير الدولية للعمل، والتوقيع على الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق العاملين الاقتصادية والاجتماعية، وضمان حريات التنظيم والنشاط النقابي دون قيد او شرط، والتعامل مع الحركة النقابية العمالية عموماً - وليس طرفاً واحداً منها - باعتبارها شريكاً اجتماعياً واقتصادياً في التنمية.

- تطوير البنية التنظيمية للحركة العمالية وتوسيع قاعدة عضويتها وتطوير آليات المشاركة والممارسة النقابية فيها. ان ترجمة ذلك يتطلب التوقف عن فرض نظام اساسي موحد للنقابات، باعتبار ان وضع النظام الاساسي للنقابة هو حق حصري لجمعيتها العمومية ،لا يجوز فرضه عليها من خارجها.

كما يتطلب تطوير النظام الاساسي للاتحاد لتعزيز وتفعيل سلطات المؤتمر العام والمجلس المركزي وانتظام انعقادهما الدوري، والحد من مركزة السلطات بيد الهيئة التنفيذية وتطوير آليات عملها وتعزيزها بالخبرات الفنية والقانونية وتكريس التخصص لغايات المتابعة وتحسين نوعية الأداء.

من المهم التوجه الى توسيع عضوية النقابات العمالية لتشمل القطاعات المحرومة من التنظيم النقابي، وإلى فتح الباب امام قيام نقابات عمالية في القطاعات التي لا توجد لها نقابات تمثلها بصورة فعالة. كما من المطلوب تفعيل آليات الانتخاب والترشيح لانهاء ظاهرة "النقابات الوهمية" و"العضوية على الورق" في الحركة النقابية، وتأمين آليات تحقق الشفافية والنزاهة والرقابة والتناوب على المواقع القيادية والمشاركة القاعدية، والتوجه لتحسين تمثيل الشباب والنساء في الهيئات القيادية، وتشجيع اللامركزية النقابية والانتشار خارج العاصمة ورفع القدرات الاتصالية والقيادية للنقابات عن طريق فتح مقراتها للنشاط الفكري والثقافي والاجتماعي امام الأعضاء. ومن الضروري ايجاد هيئة رقابية منبثقة عن المؤتمر العام ومستقلة عن تأثير الهيئة التنفيذية للاتحاد، لتلقي الشكاوى والتظلمات والبت فيها، والتأكد من سلامة البيانات المالية للاتحاد والنقابات وسجلات العضوية وضمان حريات الانتخاب والترشيح.

- تنقية المناخ داخل الحركة النقابية وتحسين صورتها وتعزيز دورها في الحياة العامة. ان هناك حاجة الى التقاء مختلف التيارات النقابية الممثلة في قيادة النقابات وخارجها، بما في ذلك الرؤساء والقادة السابقون للاتحاد من اجل مراجعة المرحلة الماضية وتحقيق مصالحة تاريخية حقيقية تفتح الباب امام تنقية الاجواء الداخلية وتنهي اجواء المنازعة والانقسامات والصراعات الفئوية والشخصية.

ان تحسين صورة الاتحاد يجب أن يصبح هدفاً اعلى للحركة العمالية، حيث ارتبطت هذه الصورة بالانقسام وتردي الأداء وحتى الفساد. ولعل تحقيق التوافق النقابي والاعتراف بالتعددية النقابية وتفعيل آليات الانتخاب الديمقراطي سوف يسهم في تعزيز مصداقية وشرعية القيادات النقابية وتقوية دورها في الحياة العامة. ولا شك أن دمقرطة الاتحاد وتحسين صورته سوف يعزز القدرات التفاوضية للحركة العمالية.

وإلى جانب دمقرطة اوضاعها، فإن الحركة النقابية العمالية مطالبة بمهننة أدائها وإسناده بقواعد متينة من العلم والخبرة والمهارات الفنية والاتصالية. مما يملي اعتماد اجهزة الاتحاد على مراكز الدراسات والأبحاث وبيوت الخبرة القانونية والاستشارات، وأن تعزز قدراتها الاعلامية والاتصالية بقواعد الاتحاد والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والبرلمان وصانعي القرار في الحكومة.

فضلاً عن ذلك فإن الاتحاد العام مدعو للانفتاح على المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والأحزاب والأوساط الأكاديمية ورفع قدراتها في مجال التأثير والضغط، والإسهام في الحوار الوطني حول السياسات العامة، والتعاون مع مختلف المؤسسات العامة والمدنية في بلورة رأي عام داعم لمواقف النقابات العمالية من القضايا الكبرى التي تواجهها.

- تطوير التعاون النقابي على الصعيدين الاقليمي والدولي في مواجهة العولمة والأشكال الجديدة للاقتصاد العالمي. على الرغم من مشاركة النقابات العمالية، كل على انفراد، اضافة إلى الاتحاد العام في عضوية عشرات الاتحادات النقابية العربية والدولية، الا ان مساهمة الحركة النقابية العمالية الأردنية في المحافل العربية والدولية ظلت ضعيفة وهامشية، ولا تستند الى اطر مرجعية ناظمة وموجهة لمواقف الاتحاد العام وسياساته وعلاقاته الخارجية.

ولبناء علاقات تعاون خارجي فعال للاتحاد العام وعموم النقابات، فإنه لا بد من تفعيل وإعادة بناء دوائر للعلاقات العربية والدولية في الاتحاد، وتوفير الفرص لتحقيق تراكم معرفي لدى القادة المكلفين بإدارة العلاقات الخارجية للاتحاد.

- احياء وتفعيل معاهد الثقافة العمالية من اجل تكوين الكوادر النقابية وتدريبها على المهارات القيادية والاتصالية. لقد انتقلت مسؤولية معاهد الثقافة العمالية، منذ سنوات، من وزارة العمل الى الاتحاد العام لنقابات العمال، ومع هذا الانتقال فقد تم تجميد معاهد الثقافة العمالية ووقف عملية بناء وتدريب وتأهيل الكادرات النقابية.

وتنطلق ضرورة احياء وتفعيل مؤسسات وأطر الثقافة العمالية من الحاجة الى تجديد اطر الحركة النقابية العمالية وتوسيعها، لفرز جيل جديد من القيادات النقابية الشابة ذات السوية المعرفية الجيدة. ان فلسفة الثقافة العمالية التي يفترض ان يتوجه الاتحاد العام للنقابات لبلورتها هي تكوين اطر نقابية ملمة بحقائق الاقتصاد العالمي وسمات العصر وتأثيراتها على العمال المأجورين، وكذلك طبيعة التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني والسياسات الهادفة لرفع كفاءته الانتاجية وقدراته التنافسية.

وفي هذا الإطار العام، فإن من مهمات الثقافة العمالية تزويد المتدربين بخبرات اتصالية لتوسيع قواعد النقابات في مواقع العمل ومهارات قيادية، ولا سيما المهارات التفاوضية مع ارباب العمل.

*مدير عام مركز الأردن الجديد للدراسات.

إتحاد نقابات العمال.. إستقلال مفقود، تمثيل متآكل، وخطوات مطلوبة
 
01-May-2008
 
العدد 24