العدد 24 - أردني
 

سوسن زايدة

بعد مرور سنتين على عمله في مدينة الضليل الصناعية المؤهلة، التقيت شوباس قبل أن يصعد الحافلة التي ستقله إلى المطار عائدا إلى مدينته، دلهي. لم يكن فرحا بقرب لقائه مع زوجته وأطفاله الثلاثة بقدر حزنه لعدم قدرته على تعويض المبلغ الذي دفعه للوصول للعمل في الأردن. فكل ما وفره من أجره الزهيد لم يتجاوز 80 ألف روبية (1100 دينار).

أما حياة شوباس في الأردن طوال عامين؛ ظروف وساعات عمله، أجره ومعاملة مدرائه، مسكنه وطعامه، كما رواها لنا، فلم تختلف كثيرا عما سمعناه من عمال بنغال، سريلانكيين وصينيين التقيناهم في المناطق الصناعية المؤهلة – التي لفتت أنظار وسائل الإعلام، بعد صدور تقرير للجنة العمال الوطنية قبل عامين حول انتهاكات حقوق عمال فيها.

يعمل في المناطق المؤهلة نحو 37 ألف عامل وعاملة وافدين - منهم 24 ألف بنغالي- يتوزعون على 98 مصنعا في ست مناطق صناعية مؤهلة تتوزع في مختلف مناطق الأردن. معظم هؤلاء أتوا بطرق ملتوية ومعقدة، تمر كلها عبر استغلال بشع يقترب من عملية المتاجرة بالبشر كما تعرفها الأمم المتحدة.

الصحفي البنغالي زاهد حسين جمع شهادات عشرات من مواطنيه البنغال ممن كانت لهم تجارب تعاقد مع وكالات تشغيل عمال، بانتظار السفر أو أنهم سافروا للعمل ثم عادوا.

بحسب زاهد حسين، فإن معدل ما يدفعه العامل البنغالي لقاء حصوله على عمل في إحدى دول منطقة الشرق الأوسط هو 3000 - 3500 دولار أميركي، في حين تقدر الحكومة البنغالية كلفة إرسال العامل إلى إحدى دول الشرق المتوسط بنحو 1200 – 1500 دولار.

وتتقاسم هذا المبلغ ثلاثة أطراف: وكالة تسفير العمال، التي توظف عميلا فرعيا يتعاقد مع العمال UK طريق سمسار وسيط في كل قرية. يدفع كل عامل المبلغ المطلوب للعميل الفرعي، بحيث تبقى الوكالة بعيدة عن الشبهة وعن الملاحقة القانونية. ويحصل السمسار الوسيط على حصة صغيرة تتراوح بين 300 و400 دولار عن كل عامل. في حين تحصل الوكالة على 1000 دولار عن كل عامل.

تعريف منظمة الأمم المتحدة «للاتجار بالأشخاص» يتضمن «نقل، تسفير، تزويد أو استقبال أشخاص، باستخدام وسائل الاحتيال، الخداع، إساءة استخدام السلطة، استضعاف الأشخاص، أو إعطاء أو أخذ مال أو منافع لتحصيل موافقة شخص لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال السخرة أو الخدمة قسرا، الاستعباد أو الممارسات الشبيهة بالاستعباد.

بالنظر إلى تعريف الأمم المتحدة، يمكن القول إن ما يتعرض له عمال المؤهلة من «خداع» عند توقيع عقود العمل مع مكاتب التسفير في بلادهم أو مع إدارة المصانع في الأردن، و»استضعاف العمال الفقراء واستغلال حاجتهم للمال»، وإجبارهم على «الخدمة القسرية» بالعمل لساعات إضافية، وتعرضهم «لممارسات شبيهة بالاستعباد» مثل إقامتهم وعملهم تحت ظروف معيشية ومهنية غير ملائمة، هو اتجار بالبشر.

وزير العمل أقر بوجود مشكلة اتجار بالبشر «نعمل على حلها، لكن نطاق تعريف الاتجار بالبشر واسع جدا، وتندرج تحته العديد من الأمور كعدم دفع الأجور أو عمل إضافي غير مطابق لقانون العمل، وغيرها الكثير».

ولحل المشكلة تشكلت لجنة من وزارات العمل والعدل والداخلية والصحة، لتصويب أوضاع واقع العمل. «عملنا على تعديل قانون العمل وبدأنا بتطبيقها، وتأكدنا من أن الشركات تطبق القوانين».

تتضمن التعديلات في قانون العمل وجود ساعات عمل محددة مسموح بها، وجود الوثائق الثبوتية للعامل بحوزته، والسماح بعضوية العمال الوافدين في نقابة العاملين في الغزل والنسيج، فمعظم المصانع في المناطق المؤهلة تعمل في هذا القطاع.

العمال مسجلون في الضمان الاجتماعي، وكل منهم يحصل على مستحقاته قبل السفر، والبالغة 238 دينارا، ولكن هذا المبلغ لا يكفي لعلاج آلام الظهر للعاملين في مهن القص والكي، أو ضعف النظر للعاملين على آلات الخياطة بعد سنتي عمل بمعدل 15 ساعة يوميا.

وعلى الرغم من حدوث بعض التقدم في مجال تحسين ظروف العمل في المناطق المؤهلة، فإن القضية ما زالت أبعد من أن تكون قد حلت.

في السكن التابع لإحدى الشركات في منطقة الضليل، يقيم كل ثمانية عمال في غرفة مساحتها 4X8 أمتار مربعة، وهناك خمسة أسرة طابقية وحمام واحد، ولا يوجد مطبخ، فالطبخ في السكن ممنوع.

في الشتاء لا توجد أي وسيلة للتدفئة في السكن، وفي الصيف لا يوجد ما يخفف حرارة الماكينات في المصنع. المياه الساخنة متوفرة لمدة نصف ساعة يوميا، غالبا ما تكون من الساعة الخامسة والنصف وحتى السادسة مساء، فمن يعمل لوقت إضافي لا يتمكن من الاستحمام. أما الكهرباء فتقطع عن السكن بعد منتصف الليل.

تحدثت إلى أربع عاملات جئن من الصين للعمل في الأردن. قلن إن أسوأ ما تتعرض له العاملات الوافدات، بحسب العاملة الصينية، هو المضايقات والتحرش الجنسي، إما من المشرفين على العمل أو من أصحاب المصانع. وهذا ما أكدته تقارير وزارة العمل استنادا إلى جولات مفتشيها وتقريري لجنة العمال الوطنية في الولايات المتحدة عام 2006.

ولا تمتلك العاملة الصينية خيارا للرفض، فإن فعلت يتم تسفيرها على نفقتها الخاصة، ولما كانت تذكرة الطائرة تزيد كلفتها على 900 دولار فإن أي عاملة تتقاضى 180 دولارا شهريا لن تستطيع مجرد التفكير بشراء التذكرة.

قال إسلام، عامل بنغالي: «تطلب منا إدارة المصنع أن نختم بطاقة الخروج من المصنع في الساعة السابعة مساء لكننا نتابع العمل بعدها، وذلك تحسبا لجولات مراقبة مكتب وزارة العمل في منطقة الحسن».

مدير دائرة الرقابة والتفتيش في وزارة العمل، أمين وريدات، بين أن «تجاوز عدد ساعات العمل الإضافية المسموح بها في القانون وعدم الالتزام بدفع أجور العمل لساعات إضافية وعدم الالتزام بدفع الأجور في مواعيدها، هي أكثر مخالفات المصانع شيوعا».

حين زرت منطقة الضليل الصناعية الخاصة كان الباص يتهيأ لنقل 45 عاملا هنديا قررت شركة إم إف تي للغزل إنهاء خدماتهم بعد مرور سنتين، أي قبل انتهاء مدة عقود عملهم لثلاث سنوات، وذلك بعد إضرابهم عن العمل احتجاجا على تعرضهم لسوء المعاملة وإجبارهم على العمل الإضافي والخصم من أجورهم.

ردت الشركة على الإضراب بقطع الكهرباء والماء عن العمال في سكنهم، بحسب شهادات عشرات العمال المضربين، ثم بفصلهم عن العمل دون دفع أجورهم لأول شهري عمل، إذ كانت الشركة قد حجزت هذه الرواتب لإجبار العمال على الاستمرار بالعمل لديها. ولجأ العمال إلى نقابة الغزل والنسيج التي ساعدتهم على رفع قضية على الشركة للمطالبة بأجورهم المتبقية، وهي المرة الأولى التي تلجأ النقابة فيها إلى المحكمة بعد فشل المفاوضات. والقضية ما تزال منظورة في المحكمة وقرار الشركة بتسفيرهم قبل انتهاء عقود عملهم ما يزال ساريا.

«القضية ستطول في المحكمة وعلينا مغادرة الأردن. النقابة وعدتنا بإرسال أجورنا المتبقية في حال كسبنا القضية»، قال محمود، 30 عاما، بصوت خافت لا يشي بأي تفاؤل.

المناطق الصناعية المؤهلة:عمل يبدأ بالاتجار بالعاملين
 
01-May-2008
 
العدد 24