العدد 23 - أردني
 

نهاد الجريري

«لا قدر الله»، كان الرد السريع لأبي نايف أحد مقدري الأراضي المعتمدين لدى دائرة المساحة والأراضي عندما افترضنا أمامه جدلاً أن شخصاً ما تملك «مدينة الحسين الطبية».

وربما كان في هذا الرد السريع ما يختصر المزاج العام الذي ساد الشارع الأردني منذ أثير «احتمال» بيع المدينة لشركات استثمار خليجية. إذ لا يخفى على أحد أن لسان حال الشارع يكاد لا يصدق كيف يمكن تقييم المدينة الطبية بموازين الربح والخسارة.

النائب الإسلامي، عزام الهنيدي، يقول: «نحن نعارض تماماً بيع مؤسسات الوطن التي تعبر عن إنجازاته، وتعد مفخرة له، ونقطة بارزة في مسيرته.»

لكن سليمان الحافظ، وزير المالية الأسبق، يقول إنه «من حيث المبدأ ليس ثمة ما يمنع» بيع الأراضي المملوكة للدولة بهدف الاستثمار. وبحسبة بسيطة، على حد تعبيره «إذا كانت الدولة تستطيع إقامة المنشأة نفسها بكلفة أقل في مكان أبعد نسبياً والاستفادة من الفارق المالي بين قيمة البيع وقيمة الإنشاء»، فإن هذا أمر جائز. لكن حافظ يشدد على أهمية «شفافية عملية البيع» مشيراً تحديداً إلى ضرورة عرض «الموجودات» المراد بيعها بشكل علني يتنافس فيه المستثمرون.

أول مدينة طبية في العالم العربي

مدينة الحسين الطبية، هي أول مدينة طبية من نوعها في العالم العربي؛ فيها تمت أول زراعة للقلب في منطقة الشرق الأوسط، وفيها توفي الملك الحسين بن طلال في شباط/فبراير 1999. ومنها تخرّج أجيال من الأطباء الأردنيين الذين أعطوا الأردن سمعته في العالم العربي بوصفه دولة متقدمة في الطب في صورة خاصة.

وتمتد المدينة على مساحة 1788.5 دونم تقريباً استملكت عام 1968 من عائلات سلطية مثل: الداوود، وجاسر قطيشات، والخطيب بحساب 800 دينار للدونم. مقدرون معتمدون لدى دائرة الأراضي والمساحة يخمنون قيمة الدونم –حالياً- «على شارع المدينة» بما بين مليون و 1.5 مليون دينار، أما الدونم إلى الداخل «ما بعد الشارع»، فيراوح ما بين 500 ألف دينار و800 ألف –من دون حساب تكلفة البناء.

الإشاعات

راجت في الآونة الأخيرة أحاديث في الأوساط السياسية والإعلامية والعقارية، حول بيع المدينة الطبية بسعر ملياري دينار. ووفقاً للأحاديث التي لم يتسن لـ«السّجل» التأكد منها، أن أبنيتها وعددها 16، سوف تهدم، ويقام بدلاً منها بنايات جديدة ترتفع 5 طوابق مثل مركز الأميرة إيمان.

وعليه لن يظل قائماً سوى مبنى مستشفى الأطفال الجديد، الذي بدأ العمل به عام 2005 بكلفة 65 مليون دينار، والذي شارف على الانتهاء. وتشير الأحاديث أيضاً إلى أنه ستتم إعادة بناء المدينة الطبية في منطقة الماضونة -شرق سحاب- وفي منطقة الميناء البري تحديداً، إذ سيتم البناء بشكل عامودي، حيث تم تخصيص 800 متر مربع مقابل البناء «المتوقع» لإقامة حديقة.

الدليل الذي يستند إليه مرددو هذه الأحاديث لدعم ما يقولونه، هو أن «جهات» من أمانة عمان ومديرية الخدمات الطبية الملكية زاروا منطقة الماضونة خلال الأيام الماضية. طه أبو ردن، مدير مركز الإعلام في أمانة عمان، نفى هذا الخبر. وقال إن «الحكومة نفت وجود أي عمليات بيع، وإن كانت هناك مثل هذه العمليات، فإن الأمانة لا علاقة لها بأي منها».

الطريق إلى الماضونة

أثناء البحث عن الماضونة، بدا واضحاً أن أراضي تلك المنطقة باتت تشهد حراكاً في الشراء وصفه أبو محمد –صاحب مكتب عقاري- بأنه «غير طبيعي». يقول أبو محمد «عادة ما نشهد في الصيف حركة في البيع والشراء، ولكن الحركة على الماضونة بدأت منذ الأول من الشهر الحالي (نيسان/أبريل)»، ويشير أبو محمد إلى أنهم اعتادوا، في المنطقة، على أن يتعاملوا مع أصحاب مكاتب عقارية بسيطة، لكن الجديد في الأمر، أنه منذ أول نيسان، بدأت بالتوافد على المنطقة شركات عقارية كبرى يصفها أبو محمد بأنها «بتحكي بملايين الدنانير»، تبحث عن قطع أراض كبيرة».

ويقول أبو محمد أنه قد انتبه إلى أن بحث البعض عن أراض انحصر ضمن اللوحة 28 تحديداً، وهي منطقة «وديان» غائرة في العمق تطل على مدرسة المشاة القريبة من الزرقاء، الأمر الذي رفع أسعار الأراضي هناك حتى بات من المتعذر إيجاد دونم ولو بما قيمته 3500 دينار، بعد أن كان سعره لا يتجاوز 2500 دينار.

صاحب مكتب عقاري آخر، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن «سعر الأراضي في المنطقة ارتفع في الأشهر الأخيرة من 10 آلاف دينار -في حده الأعلى- إلى 25 ألفاً».

البيضا

البيضا، بلدة تقع على طريق الحزام الدائري شرق عمان، قيل لنا إن فيها مكتباً عقارياً يتولى عمليات بيع كبيرة للأراضي في المنطقة. تحدثنا إلى أبو عمر، صاحب المكتب، أكد أن شركة مصرفية كبرى – طلب عدم ذكر اسمها- اشترت قطع أراض في المنطقة، بالإضافة إلى أسماء أخرى كان صعباً عليه أن يذكرها «في التلفون»، رابطاً ذلك «بنقل المدينة» إلى الماضونة. توجهنا إلى البيضا لنفاجأ به يروي رواية مختلفة تماماً عندما أيقن أننا صحفيون. قال العاملون في المكتب المذكور، إن حركة البيع ضعيفة، وأن الحديث عن الشركات الكبرى كان مجرد حيلة لاستقطاب مشترين!

بدائل

في ظل هذا الجدل السائد، أولاً حول ما إذا كانت المدينة الطبية قد بيعت أم لا، وثانياً حول عدالة عملية البيع «المفترضة»، يقترح جواد العناني، نائب رئيس الوزراء الأسبق، طرقاً أخرى للاستثمار وتوليد الأموال اللازمة لرفد خزينة الدولة.

ويقول «يمكن للدولة أن تعطي شركة استثمارية امتيازاً في منشأة معينة لمدة محددة من الزمن من دون أن تخرج الأرض من الإطار العام لملكية الدولة». وكان اقتصادي آخر، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن هذا غير مناسب، وجادل بأنه ليس هنالك من ضمان يأخذه المستثمر الأجنبي، الذي سيتكلف نفقات الهدم وإعادة البناء والتشغيل، إن لم تكن الأرض ملكاً له؟»

المسافة الكبيرة بين الماضونة في أقصى شرق عمان، والجندويل في أقصى غربها، تختزل الهوة بين الشائعات التي تعصف بالشارع الأردني وبين الرد الحكومي الذي لم يمنح إلى الآن تطمينات حقيقية تنسف هذه الشائعات من أساسها؛ بل إنها تضيف الكثير إلى حالة الاضطراب الحاصلة. وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، ناصر جودة صرح يوم الاثنين 21/4/2008، بأن «الحكومة لم تبرم أو توقع أي صفقة بيع لأي قطعة أرض تمتلكها أو عليها منشآت».

ونفى كذلك أن تكون الحكومة عرضت أياً من الأراضي أو المنشآت للبيع. في الوقت نفسه أشار إلى أنه سيتم قريباً تأسيس شركة تقودها مؤسسة الضمان الاجتماعي، بالتشارك مع مؤسسات وطنية أخرى، لتطوير بعض العقارات والأملاك، على أن تعطى الأولوية في ذلك للمستثمر المحلي. وفي حال عدم توافر استثمارات محلية «فسنضطر إلى استثمارات عربية أو غيرها من الاستثمارات».

هذا الرد يأتي في الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء نادر الذهبي أن «الحكومة تلقت عروضاً لشراء بعض المنشآت، وأن هذه العروض قيد الدراسة» بحسب ما أفاد به سميح المعايطة الذي كان أحد أربعة صحفيين حضروا حفل عشاء خاصاً مع نادر الذهبي.

**

مشروع الممر التنموي

في النصف الثاني من عام 2006 وقعت وزارة الأشغال عطاءات لتنفيذ مشروع ممر عمان التنموي بتكلفة مقدارها 120 مليون دينار. ينفذ المشروع على ثلاث مراحل، الأولى: تصل بين طريق المطار وطريق الماضونة/مكب الغباوي. والثانية، تمتد من طريق الماضونة/مكب الغباوي وحتى أوتوستراد الزرقاء. والثالثة داخل مدينة الزرقاء وحولها.

وكجزء من هذا المشروع التنموي كانت هناك نية لإنشاء ميناء بري جديد – ينقل إليه مركز جمرك عمان الحالي - عند تقاطع الممر التنموي مع طريق الماضونة /مكب الغباوي، حيث تـم استملاك ما مساحته (5000) دونم لهذه الغاية. لكن الميناء البري رفع إلى المفرق في فترة لاحقة، على أن تستمر الخطط في نقل الجمرك، وذلك في عطاء يطرح في الأول من شهر أيار/ مايو المقبل. ولكن لم يـــعرف إلى الآن في أي وجهة سيتم استثمـــار الدونمــات المتبقيــة الـتي كــانت في الأصل مخصصة للميناء وعددها 4000 دونم. ولاحظــت السجـــل التــي زارت المنطقــة أنـــه قــــد تم تجهيزها من حيث التنظيم والتقسيم وشق الشوارع، ولكن من دون أن يقام عليها أي بناء.

المدينة الطبية .. هل باعوها لا قدر الله؟
 
24-Apr-2008
 
العدد 23