العدد 23 - أردني
 

خليل الخطيب

الرأي العام، وربما الحكومة أيضاً، فوجئت بحجم الإشاعات السارية حول بيع أصول وأراض من أملاك الدولة كمدينة الحسين للشباب والجامعة الأردنية وغيرها، مثل النار في هشيم الشارع الأردني المثقل بأعباء لم يتوقع أن يحملها على كاهله المنهك. ورغم أن الإشاعات عن بيع بعض أهم المنشآت، طالت أصولاً أميرية ومرافق ذات قيمة مالية رمزية كالمدينة الرياضية، والجامعة الأردنية، فإن الحكومة لم تبادر إلا إلى إزالة الغموض الذي أحاط بصفقتي تطوير ميناء العقبة، وكازينو البحر الميت، حيث كشف رئيس الوزراء الحقيقة حول إتمام صفقة الميناء، وإلغاء صفقة كازينو البحر الميت.

أما الحقيقة حول إشاعة بيع المدينة الرياضية، والجامعة الأردنية، فقد بقيت في منطقة معتمة.

مصدر الإشاعات

مدير مدينة الحسين للشباب، فادي زريقات، يعيد انبعاث هذه الإشاعات حول بيع المدينة إلى خمس سنوات مضت: "قبل خمس سنوات تقريباً كانت هناك مباحثات حول إنشاء قصر للمؤتمرات في حرم المدينة قرب ميدان الفروسية، بمعونة قطرية، فقال البعض آنذاك بأن القطريين يسعون لشراء المدينة".

ويتابع زريقات الذي لم يخف دهشته من حجم تأثير الإشاعات على الناس: "عادت القصة للحياة من جديد إثر قيام إحدى الشركات العقارية بنشر إعلان مضلل".

صيد المغتربين

«السّجل» تابعت الإعلان الذي أشار إليه زريقات وحصلت على صورة منه، يتبين فيه أن الشركة المشار إليها كانت نشرت إعلاناً في جريدة الرأي في19 آذار 2007 عن توافر قطع أراض مفروزة، كل عشرة دونمات بـ"قوشان" مستقل، في منطقة "السواقة الشرقي" جنوب عمان جاء فيه: أن هذه القطع "تبعد عن مشروع مدينة الحسين للشباب وإستاد عمان الدولي 20 كم ".

الإعلان الذي نشرته الشركة مرتين، بحسب مدير مكتب زريقات، لفت انتباه المجلس الأعلى للشباب فقدم شكوى لدى الأمن العام.

أظهرت التحقيقات التي أجراها جهاز البحث الجنائي مع الشركة، وهي تحقيقات تابعها وزير الداخلية عن كثب، أن نص الإعلان مضلل ولا يقوم على حقائق. الناطق الإعلامي باسم الأمن العام وعد بالاتصال بإدارة البحث الجنائي للكشف عن ملابسات التحقيق الذي جرى مع الشركة المشار إليها، وتزويد «السّجل» بنتائجه وهو ما لم يحدث حتى إعداد هذا التقرير.

كما اتصلت السجل بالشركة المذكورة للاستفسار عن حقيقة الإعلان والملابسات التي اكتنفته، وعن التحقيق الذي أجراه معه جهاز الأمن العام، لكن أحد مسؤولي الشركة المذكورة، عبد الغني المصري، صرح لـ«السّجل» أن " الأمر لا يعدو خطأً مطبعياً" وأن الشركة عادت فنشرت تنويها بالخطأ المطبعي في عدد تال من جريدة الرأي بعد نهاية التحقيقات". وحين حاولت «السّجل» طرح مزيد من الأسئلة التوضيحية، وبخاصة، عن سبب عدم اكتشاف الخطأ المطبعي، بعد نشر الإعلان في المرة الأولى، قال إن الموضوع انتهى عند هذا الحد، وأن مسؤولي الشركة لا يودون الخوض في الموضوع مجدداً.

عدد من أصحاب المكاتب العقارية تحدثوا لـ«السّجل»، أيدوا ما ذهب إليه مدير عام مدينة الحسين للشباب من أن بعض الشركات العقارية تقوم بتسريب أخبار للصحف الخليجية تفيد بأن الحكومة تنوي بيع بعض المؤسسات الكبرى ونقلها إلى أطراف العاصمة، بهدف تسويق أراضيهم ورفع أسعارها.

"المغتربون الأردنيون وبعض المستثمرين الخليجيين يلتقطون هذه الأخبار ويعتمدون عليها في الاستثمار في مجال الأراضي، ومن هنا جاءت فكرة فرز الأراضي إلى عشرات" يفيد أحد أصحاب المكاتب العقارية.

ويؤكد آخر: "عندما يتم الإعلان عن منطقة تنموية تنشط الإشاعات التي يطلقها تجار الأراضي عن مشاريع تنموية ضخمة، وشركات استثمارية كبرى تشتري في مناطق معينة، فيتسابق الناس على الشراء طمعاً بالربح السريع".

لكن خبيراً عقارياً يشير إلى هذه الظاهرة باعتبارها" تستهدف صغار المستثمرين"، أما جذب الاستثمارات الكبرى التي تدخل فيها شركات ضخمة كالراجحي وتعمير وغيرها، فإنها "تتم بناء على معلومات مؤكدة كون هذه الشركات على اتصال مباشر مع مصادر صنع القرار في المملكة."

إشاعة لا أساس لها

يشدد زريقات على أن: "مدينة الحسين للشباب ليست مجرد استاد كرة قدم، ولا مجرد مدينة رياضية، كما يتصور البعض، المدينة تمثل إرثاً ثقافياً حضارياً يعود للراحل الملك الحسين، كما أنها بمثابة الرئة لمدينة عمان، فهي أقرب إلى غابة تمتد على مساحة 1200 دونم، وتشتمل على مرافق ثقافية وفنية بالإضافة إلى المرافق الرياضية".

في ضوء ذلك يرى أن "الحديث عن بيع المدينة حتى الآن ليس أكثر من إشاعة روج لها عقاريون لتسويق أراضيهم جنوب وشرق عمان".

ومن جانب آخر، و يجادل زريقات: "لو كانت المدينة محل تفكير في أن يتم بيعها فلماذا نقوم خلال هذا العام بستة مشروعات تطويرية تصل كلفتها إلى ستة ملايين دينار".

المشروعات التي أشار إليها زريقات هي:

- مشروع بناء قاعة مؤتمرات دولية ينتهي العام القادم بكلفة3,5 مليون دينار.

- مشروع إعادة تأهيل ملعب البتراء ليخفف الضغط عن استاد عمان الدولي.

- مشروع إنشاء ملعب تدريبي للأندية والمنتخبات تبلغ كلفته مع تأهيل البتراء 400 ألف دينار.

- حلبة دولية للفنون القتالية كالمصارعة والملاكمة تنتهي خلال شهرين بكلفة 1,5 مليون دينار.

- بناء صالة دولية لكرة السلة ومقر لاتحاد السلة.

- بناء صالة دولية لكرة اليد ولألعاب أخرى ومقر لاتحاد كرة اليد.

ذر للرماد في العيون

حالة التعتيم التي تحيط بقضية بيع المدينة الرياضية والجامعة الأردنية تزداد كلما زادت محاولات إزالة الغموض عنهما، فقد رفض معظم من حاولت السجل استطلاع أرائهم التحدث في الموضوع، على الرغم، وربما بسبب مواقعهم الوظيفية التي تجعلهم أقرب من غيرهم إلى معرفة ما يجري، الحديث في الأمر. أما من تحدث منهم، فإنه اشترط عدم ذكر اسمه أو صفته.

عقاريون فضلوا عدم ذكر أسمائهم، قالوا إن الجامعة تمتلك مئة دونم في منطقة بيرين خلف الدفاع المدني، وأن الحديث يجري عن الشروع قريبا في أعمال بناء لنقل بعض كليات الجامعة إليها، ما يرجح صحة المعلومات/ الإشاعات عن بيع الجامعة.

قال هؤلاء أن الخيارات مفتوحة أمام الحكومة لتخصيص موقع لمدينة الحسين للشباب جنوب عمان وشرقها، إلا أنه لا معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع.

النائب ممدوح العبادي، أمين عمان سابقا، علق على الموضوع قائلا: "ليس لدي معلومات واضحة لكنني بعد قصة الميناء والكازينو لن أستغرب أي شيء".

النائب ناريمان الروسان، التي كانت وجهت سؤالاً للحكومة السابقة حول بيع مدينة الحسين للشباب ولم تحصل في حينه على إجابة، قالت للسجل إن "رئيس الوزراء آنذاك قال إنه لا يعرف شيئا عن الموضوع وطلب مهلة للرد".

وتتابع الروسان "أجاب البخيت عن سؤالي خلال اجتماع نيابي خارج القبة مؤكدا بأنه لا يوجد شيء من ذلك، وأنه لا يوافق على توجه من هذا النوع".

وتعلق الروسان على ما جاء في تصريحات مدير المدينة، فترى أنها "محاولة لذر الرماد في العيون، وأن بيع المدينة الرياضية أمر واقع".

وتؤكد الروسان حصولها على معلومات من مصادر وصفتها بالموثوقة تقول: "إن مسؤولا في الديوان الملكي زار مأمون نور الدين رئيس المجلس الأعلى للشباب آنذاك وطلب منه معلومات تتعلق بمساحة المدينة ومرافقها"، مشيرة إلى أن المسؤول المذكور صرح في زيارته تلك بأن هنالك تفكيرا في نقل المدينة إلى منطقة الموقر".

لكن مأمون نور الدين ينفي هذه القصة، جملة وتفصيلاً، ويؤكد:"هذه مجرد شائعات تحركها مصالح شخصية".

وعلى الرغم من النفي الرسمي، فإن الإشاعات المتعلقة ببيع الجامعة الأردنية، والمدينة الرياضية تتضخم مثل كرة الثلج، وفيما يعبر عدد من الكتاب والإعلاميين عن ضرورة التعامل مع هذا الموضوع بشفافية تضع حداً للشائعات الاتهامية، وتهدئ القلق من شبهات الفساد، تواصل الحكومة التعامل مع هذا الملف بسياسة تعتيمية تؤكد ما ذهب إليه أكاديمي بارز من أن ما يجري "ليس استراتيجية مدروسة للتخلص من المديونية والنهوض بالاقتصاد وإنما..بيعة بيدر". يذكر أن مدينة الحسين للشباب تأسست عام 1964، وتمتد على مساحة مقدارها 1200 دونم تغطي أشجار السرو ثلث مساحتها تقريبا. وتحتوي المدينة على استادين لكرة القدم، ويجري العمل على تأسيس ملعب تدريبي ثالث.

كما توجد مسابح دولية، وناد اجتماعي متكامل الخدمات، وقصر للثقافة، وقصر للمؤتمرات قيد الإنشاء، كما توجد صالات رياضية لكرة اليد وكرة السلة، ويجري العمل على بناء صالات جديدة للأغراض ذاتها تحتوي على غابة رياضية لممارسة رياضة المشي.

ويقع ضمن نطاق المدينة المركز الثقافي الملكي، وصرح الشهيد، وبيت الشباب، ومقرات عدد من الاتحادات الرياضية كالاتحاد الأردني لرياضة المعوقين.

أما الجامعة الأردنية فقد تأسست عام 1962 وتؤمن مناخا جامعيا مغلقا يمتد على مساحة1274 دونماً من غابات السرو، وتضم 17 كلية و63 تخصصا موزعة بين العلوم الإنسانية والتطبيقية والعلوم الطبية.

يزيد عدد طلاب الجامعة على الأربعين ألفا 12بالمئة منهم من الطلبة العرب والأجانب وقد تجاوز عدد خريجيها114 آلاف، ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس 1200 مدرس ثلثهم حاصل على درجة الأستاذية.

وبالإضافة إلى الكليات تضم الجامعة مستشفى الجامعة الأردنية ومكتبة تحتوي على 800 ألف مادة مكتبية يرتادها يومياً 10 آلاف زائر.

تبديد جزئي لإشاعات بيع “المدينة الرياضية” روايات متضاربة واتهام تجار عقارات بتلفيق أخبار
 
24-Apr-2008
 
العدد 23