العدد 23 - أردني
 

خليل الخطيب

ما حدث مؤخرا من اضطرابات وأحداث شغب في مراكز الإصلاح والتأهيل؛ الموقر،والجويدة، وسواقة، وقفقفا أثار اهتمام رجل الشارع العادي الذي كان يعلم بين حين وآخر، بوجود حوادث فردية هنا أو هناك، ولكنه لم يتعود على ما يمكن أن يكون "تمرداً جماعياً" للمساجين، مثل ذاك الذي حدث في السجون المذكورة.

كما أثارت الأحداث سجالاً بين المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي حمّل مسؤولية الأحداث لرجال الأمن، وبين لجنة الحريات النيابية التي اعتبرت تقرير المركز متسرعاً.

مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، العقيد شريف العمري، الذي التقته «السّجل» في حوار سعياً للوصول إلى أساس المشكلة يرى أن "التوزيع غير الصحيح للنزلاء، والفهم الخاطئ لدور رجال الأمن العاملين فيها، وغياب استراتيجية وطنية للتعامل مع القضية هي العوامل التي أدت إلى تكرار حالات الشغب." ويلفت العمري إلى أن "ما ينبغي صرف الاهتمام إليه في المرحلة الحالية هو تنفيذ خطة العزل التي ستحد من هذه الأحداث، والالتفات إلى بعض النواقص والثغرات في واقع مراكز الإصلاح."

خطة العزل

"خطة العزل والتصنيف" التي كانت الشرارة التي أشعلت القضية جاءت لكي يتماشى وضع مراكز الإصلاح في الأردن مع متطلبات قانون مراكز الإصلاح والتأهيل لسنة 2004، ومع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق السجناء،" يشرح العمري، مشيراً إلى أن الأحداث التي وقعت سببها أن العزل والتصنيف حرم عتاة المجرمين من سلطتهم على باقي السجناء، والتي كانت تمكنهم من الاستيلاء على أموالهم وهتك أعراضهم وتطويعهم لأغراضهم.

ويوضح أن العزل لا يعني الحبس الانفرادي، كما يتوهم البعض، وإنما هو "فصل المهاجع، بحيث نمنع اختلاط المجرمين من أصحاب السوابق عن غيرهم، وحرمانهم من الاستقواء على باقي النزلاء".

لكن العزل لا يحقق، وحده، الهدف الأساسي من التحول القانوني الذي جاء به قانون المراكز لسنة 2004، "فعملية الإصلاح والتأهيل أوسع من ذلك بكثير وتحقيقها مرتبط بتعاون جهات عدة" كما يؤكد.

الإصلاح

الإصلاح، الذي تشير إليه أسماء السجون في المملكة، هو استثمار فترة العقوبة التي يقضيها النزيل في المركز في تعديل سلوكه وتوعيته بحيث يكون قادراً على الاندماج في المجتمع مرة أخرى، عند خروجه ويبتعد عن السلوك الإجرامي.

ولكن هذا الإصلاح، لكي يتحقق، لا بد له من توافر "كوادر مؤهلة في مجالات الإرشاد الاجتماعي والمعالجة النفسية بحيث لا يقتصر الأمر على مجرد محاضرات وعظية يعرف الجميع أن فائدتها محدودة جداً". كما يقول العمري، فرجال الأمن "ليسوا مؤهلين للقيام بهذه المهمة، ووزارتا الصحة والتنمية الاجتماعية لا تتوافر لديهما الأعداد الكافية من المرشدين الاجتماعيين والأطباء النفسيين الراغبين في العمل داخل مراكز الإصلاح".

إلى ذلك، فإن عتاة المجرمين هم أشخاص غير أسوياء من الناحية النفسية، وسلوكياتهم تنتقل إلى السجناء الآخرين، وتؤثر في المجتمع عند خروجهم إليه بعد انقضاء محكومياتهم، وعليه، فإن إبقاءهم خلف القضبان ليس هو الحل الأمثل، "فهؤلاء بحاجة إلى علاج نفسي منهجي قبل كل شيء" بحسبه.

ويمثل العمري على ذلك بأحد المجرمين، والذي قام بتكسير 15 سيارة في منطقة سكنه بعد فترة من خروجه من السجن، ولم يتقدم أحد بالشكوى ضده اتقاء لشره.

وهو يشير إلى أن النزلاء بعد خروجهم، يواجهون مشكلتين أساسيتين تسهمان، إلى حد كبير، في عودتهم إلى الجريمة، المشكلة الأولى، تتمثل في "غياب مفهوم الرعاية اللاحقة، فالنزيل بعد خروجه يحتاج إلى متابعة اجتماعية ومساعدة في الحصول على عمل". أما الثانية فهي قانونية، تتعلق بقانون رد الاعتبار، حيث "لا يستطيع المحكوم بجناية، الحصول على شهادة عدم محكومية إلا بعد 6 سنوات، بينما يحتاج المحكوم بجنحة من 3 إلى 5 سنوات للحصول عليها". ويترتب على ذلك بحسب العمري "عجز المحكومين عن الحصول على عمل ومن ثم العودة إلى الجريمة".

التأهيل

تأهيل نزلاء مراكز الإصلاح مهنياً يرتدي أهمية استثنائية في تحقيق عملية الإصلاح في رأي العمري، الذي يشدد على أنه "في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس، فإن عدم الحصول على عمل يشكل واحداً من أهم العوامل المشجعة على الاتجاه نحو الجريمة".

وفي هذا السياق تقوم إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بالتنسيق مع مؤسسة التدريب المهني بعقد دورات في الحدادة والنجارة وغيرها من المهن، يمنح الخريجون بعدها شهادات تخلو من الإشارة إلى حصولهم عليها داخل مراكز الإصلاح، وذلك لتسهيل حصولهم على العمل بعد قضاء فترات محكومياتهم، يوضح العمري. ويشير إلى أن مراكز الإصلاح توفر فرصا تشغيلية بأجر لبعض النزلاء، "فهناك ثلاثين نزيلا انتظم تشغيلهم حتى أصبحوا مشتركين في الضمان الاجتماعي".

واعتماداً على تجارب كهذه، يعتقد العمري أن عملية الإصلاح من الصعب أن تتم بمعزل عن التأهيل والتشغيل، لأن العمل وشعور السجين بأنه إنسان منتج وقادر على الاعتماد على نفسه هي من أهم عوامل ابتعاده عن الجريمة.

لذلك، فإن من أهم ملامح التخطيط الاستراتيجي لإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل هي التوسع في عمليات التأهيل والتشغيل، تحقيق متطلبات قانون المراكز المذكورة، موافقة المعايير والمواثيق الدولية حول إدارة هذه المراكز ورعاية نزلائها.

**

أمومة

أثناء حوار السجل مع العقيد العمري كانت إحدى السيدات تحاول سيدة مصرة على لقائه للاطمئنان عن ابنها النزيل في مركز إصلاح الموقر قالت أنها لم تره منذ أحداث الشغب وأن إدارة السجن لم تفدها بأي شيء عن وضع ابنها.

العمري أخبر السيدة أن بعض النزلاء ممنوعون من الزيارة، مؤقتا بانتظار انتهاء لجنة التحقيق من عملها، نظرا لاشتراكهم في أحداث الشغب. لكن السيدة أكدت ابنها محكوم بقضية تزوير، ومن المفترض أن ينهي محكوميته بعد أسبوعين. طلب العمري ملف النزيل ليتبين أنه صاحب 20 أسبقية في السرقة والتزوير والسكر المقترن بالعربدة، وأنه كان من بين من شطَبوا أنفسهم.

**

الإطفاء ثم الإسعاف

فسر العمري وفاة ثلاثة نزلاء حرقاً دون استخدام وسائل إطفاء الحريق القريبة من المهجع المحترق بقوله: "الأولويات بالنسبة لنا كانت الإخلاء ثم الإطفاء ثم الإسعاف، مع المحافظة على الأمن، ولم يكن الأمر سهلاً في تلك اللحظات".

**

حدث في سجن الموقر

روى مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، العقيد شريف العمري، جانباً من مشاهداته لأحداث الشغب التي اندلعت في سجن الموقر يوم الاثنين 14/4/2008، مؤكداً أنه شاهد النزلاء في حالة هياج شديد حيث يحطمون مرافق المركز، ويضرمون النار في الفرشات، ويشطبون أنفسهم بأدوات حادة قاموا بتصنيعها من المراوح وأجزاء من الأسرّة وأخرى من زرافيل الأبواب، وغيرها.

وقال إنه شاهد مجموعة من النزلاء الذين رفضوا أن يتم تخديرهم موضعياً أثناء عمليات تقطيب جروحهم، علماً بأن جروح بعض هؤلاء الجرحى، وعددهم مئة نزيل كانت عميقة لدرجة ظهور العظم. وأن أحدهم جرح في الجانب الأيسر من صدره حتى ظهر قلبه للعيان. ووجد رجال الأمن صعوبة في إقناعه بتلقي الإسعافات اللازمة.

**

أرقام ومراكز

يبلغ عدد مراكز الإصلاح عشرة مراكز، ويبلغ عدد نزلائها 7483 نزيلا ونزيلة، بحسب الإحصاء اليومي ليوم الاثنين 21/4/2008. عدد المحكــومين منهـــم 3590 والموقوفين 3533.

ويبلغ عدد النزيلات 261 منهن 66 محكومات في قضايا، من بينهن ثلاث محكومات بالإعدام، 114 موقوفات قضائياً، و81 موقوفات إدارياً.

شغب السجون.. يكشف ثغرات في مراكز الإصلاح
 
24-Apr-2008
 
العدد 23