العدد 23 - أردني
 

بتأسيس إمارة شرق الأردن في نيسان/أبريل 1921 بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين، وتتويج الملك فيصل بن الحسين على عرش العراق في آب/ أغسطس من العام نفسه، بدأت العلاقات بين البلدين الهاشميين تأخذ شكل علاقة استراتيجية متناغمة في بواكير مرحلة استقلال الدول العربية.

وشكّل البلدان ثقلاً عربياً في مواجهة مراكز قوى صاعدة آنذاك في القاهرة، والرياض، ثم دمشق التي تقاذفتها سلسلة انقلابات وانقلابات مضادة.

عام 1923، ساند الملك فيصل الأول استقلال حكومة شرق الأردن. في العام التالي، تدارس أمير الأردن وملك العراق سلسلة تدابير لوقف الغزو الوهابي ضد شرق الأردن، واتفقا على ترسيم الحدود. وعام 1925، أبرم عبد الله الأول اتفاق ترسيم حدود مع ملك الحجاز، شقيقه علي بن الحسين، تخلّى بموجبه الأخير عن معان والعقبة، قبل أن يغادر أراضي الجزيرة التي أضحت تسمى المملكة العربية السعودية.

بعد وفاة الملك فيصل الأول في أيلول 1933 تولّى عبد الله الأول زعامة الأسرة الهاشمية وظلّت العلاقات دافئة مع توجه لنوع من التحالف بين البلدين.

عام 1941، شهدت العلاقات الأردنية العراقية نقلة نوعية. فبعد مشاركة الجيش العربي في القضاء على حركة رشيد عالي الكيلاني الانقلابية، واصل البلدان سياسة التفاهم المشترك، عبر تفاهمات بين عبد الله بن الحسين والوصي على عرش العراق (بعد مقتل الملك غازي 1939) الأمير عبد الإله بن علي. في تلك الحقبة طرحت قيادتا البلدين مشاريع وحدوية (الهلال الخصيب ) ومشروع "سورية الكبرى"، كما بحث الطرفان في توحيد القطرين مطلع عام 1945. على أن مشاريع الاتحاد والوحدة اصطدمت برفض دول الجوار وغياب حماسة الوصي على عرش العراق.

كانت عمان وبغداد بين سبع عواصم عربية، حديثة الاستقلال، شكلّت نواة جامعة الدول العربية في أنشاص عام 1946.

وفي نيسان/إبريل 1947، أبرمت العاصمتان معاهدة "تحالف وأخوة"، بعد سنة من تنصيب عبد الله الثاني ملكا على الأردن.

ثم أعلن الجيل اللاحق مشروع الاتحاد العربي عام 1958 برئاسة الملك فيصل الثاني على أن يكون الملك حسين نائبا له.

لم يدم ذلك الاتحاد طويلا في وقت كانت المنطقة تموج فيه بالمد الناصري واهتزازات الفكر القومي، وسط اجتياح استراتيجي أميركي تحت شعار آيزنهاور "ملء فراغ"، مع تراجع النفوذ البريطاني.

تحطم الاتحاد بعد انقلاب بغداد الدموي في 14 تموز 1958، فأعقبه توتر في العلاقات. وتذكر كتب التاريخ، أن نائب ملك الاتحاد- الحسين بن طلال- كان على وشك إرسال جيش الأردن لاسترداد عرش ابن عمّه.

تواصلت التوترات بين البلدين مع تتالي الانقلابات في العراق خلال عقد الستينيات، وصولا إلى انقلاب 1968 الذي حمل حزب البعث إلى السلطة للمرة الثانية (الأولى كانت لبضعة أشهر عام 1963). وواصل البعث قيادة الدولة والمجتمع حتى تاريخ الغزو الأميركي عام 2003.

العلاقات في عهد أول رئيس بعثي أحمد حسن البكر (1968 - 1979) تميزت بالتصادم والتوتر الدائم، لدرجة أن جواز السفر الأردني كان يتضمن خاتماً ينص على صلاحيته لدخول "جميع الدول باستثناء العراق. إلا أنها ما لبث وأن تطورت بمتوالية سريعة على كل الصعد؛ السياسية والاقتصادية والشعبية مع وصول صدام حسين إلى الحكم عام 1979. ولدى اندلاع الحرب العراقية–الإيرانية عام 1980، اصطف الأردن قيادياً، وشعبياً وتعبوياً إلى جانب العراق.

عام 1989، نسج الأردن مجلس التعاون العربي إلى جانب العراق، ومصر واليمن، وذلك في زمن ولادة المحاور- مجلس التعاون الخليجي والمغاربي. إلا أن اجتياح القوات العراقية للكويت في الثاني من آب/أغسطس نسف هيكلية التنسيق بعد أن تفرق العرب عرباناً في أعقاب قمة القاهرة، واندلاع حرب الخليج الثانية (1991).

بذل الملك الراحل الحسين بن طلال جهوداً مضنية لتجنيب العراق كارثة حرب الخليج الثانية، لكن تدويل الأزمة كان على الأبواب بمفاتيح عربية؛ القاهرة، دمشق والرياض. زيارة الملك الأخيرة إلى بغداد كانت في 4 كانون الأول/ديسمبر1990، حين شارك في قمة مصغرة جمعته إلى صدام، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات والرئيس اليمن الجنوبي سابقاً علي سالم البيض. ناشد أولئك القادة صدّام الخروج من الكويت، لكنه تمسك بموقفه. فقال الملك لصدام "إن تقييم مستشاريه للأوضاع خاطئ وإنهم سيتعرضون لضربة قاسية من الحلفاء" وحثّه "على الانسحاب قبل فوات الأوان".

أضحى الأردن رئة العراق طيلة سنوات الحصار (1990 - 2003)، ودفع ثمناً باهظاً جرّاء مقاربته حيال حرب الخليج، بل صنّف ثالثاً لجهة حجم الخسائر التي تكبدها خلال تلك الحرب بعد العراق والكويت.

توترت العلاقات الأردنية-العراقية في أواسط التسعينيات غداة فرار صهر الرئيس العراقي حسين كامل وشقيقه صدام كامل وزوجتيهما رغد ورنا إلى عمان. ترافق ذلك مع توجه إدارة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون لإحداث تغيير في العراق. تدنت العلاقات إلى أسوأ مستوياتها مع تشكيل حكومة عبد الكريم الكباريتي في شباط/فبراير 1996، إذ سعى للتقرب من دول الخليج، وسمح بفتح أول مكتب للمعارضة العراقية في عمان في العام نفسه.

ظلّت المقاربة الانتقادية لسلوك الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد وفاة الملك الراحل عام 1999. لعّل صدام حسين كان الرئيس العربي الوحيد الذي لم يلتق به الملك عبد الله الثاني منذ اعتلى العرش عام 1999.

لكن التجاذبات السياسية بين البلدين لم تؤثر على استمرار سير العلاقات بمستوى مقبول. واستمر التبادل التجاري على قاعدة المنفعة المتبادلة خلال سنوات الحصار «1991-2003» كما واصل العراق تزويد الأردن باحتياجاته النفطية بأسعار تفضيلية.

رئيس الوزراء الأردني، علي أبو الراغب، طار إلى بغداد في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، خارقا الحصار الدولي، كأول رئيس وزراء عربي يقدم على خطوة كهذه. اليوم، يقف البلدان على مفترق طرق، بينما تتأرجح بغداد بين نفوذي إيران وأميركا. في الانتظار، لا بد من أن تفرض ديكتاتورية الجغرافيا تجسيرا، ولو قسرا، بين عمان وبغداد.

وطنان، شعبان وتاريخ مشترك
 
24-Apr-2008
 
العدد 23