العدد 23 - أردني
 

السّجل - خاص

الحرب الأميركية على العراق عام 2003 شكّلت نقطة تحول جديدة في علاقة الأردن السياسية مع جارته الشرقية الغنية-الثرية، فتبدلّت مقاربة الشك المتبادل مع النظام السابق إلى ما يشبه القطيعة غير المعلنة مع حكّام بغداد الجدد المرتبطين أيديولوجياً ومذهبياً مع طهران.

بعد انهيار القيادة العراقية في نيسان/أبريل 2003، أمل الأردن في فتح صفحة جديدة من العلاقات بفعل الواقع الجيوسياسي، وكان أو بلد عربي يرسل سفيراً إلى بغداد. إلا أن تفجيراً انتحارياً على مدخل السفارة في تقاطع المنصور، أسفر عن مقتل 13 شخصاً وجرح 50، على الأقل، بعد ستة أشهر من اجتياح العراق، وبالتالي عرقل خطط بناء علاقات دبلوماسية مستدامة.

مع أن الأردن سعى للنأي بنفسه عن خطط الاجتياح الأميركي، فإنه قدم دعماً لوجستياً لقوات التحالف بالقرب من الحدود العراقية. ويقول مسؤولون سابقون إن المملكة لم يكن باستطاعتها وقف المخطط الدولي لضرب العراق.

ولم يعلن آنذاك عن نشر زهاء 5000 جندي أميركي قرب الحدود العراقية البالغ طولها 190 كيلو متراً.

وفي السياق أقام الأردن مستشفى ميدانياً في الفلوجة – 100 كيلو متر شرقي بغداد - حوالي 450 كيلو متراً عن الحدود الأردنية.

خلال المواجهات الدامية عشية سقوط بغداد، استدعى رئيس الوزراء علي أبو الراغب السفير الأميركي في عمان إدوارد غنيم مطلع نيسان/ أبريل 2003 وعبّر له عن إدانة حكومة وشعب الأردن لعمليات القتل والتدمير المتصاعدة في العراق.

خلال السنوات الخمس الماضية، شهدت العلاقات الثنائية مداً وجزراً، وتبادل البلدان زيارات رفيعة كان أكثرها باتجاه واحد صوب عمّان، لا سيما لوزيري الخارجية والداخلية.

فهناك ملفات أمنية معلقة، بخاصة ضبط التسلل عبر الحدود، مقاومة الإرهاب، وتبادل المطلوبين والسجناء.

في أيلول/سبتمبر 2005، قام رئيس الوزراء عدنان بدران آنذاك بزيارة مفاجئة إلى بغداد وسط محاولات لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها. تركزت محادثات بدران على الجانب الأمني عقب صعود إبراهيم الجعفري إلى رئاسة الحكومة خلفاً لأحد حلفاء الأردن، الشيعي العلماني إياد علاّوي. جاءت تلك الزيارة بعد أيام من وقوع هجوم بالصواريخ المبرمجة مسبقاً في العقبة، على يد عناصر تقول السلطات الأردنية إنهم تسللوا من الأراضي العراقية. كذلك ناقش الجانبان ملفات معلقة مثل: توريد النفط العراقي بأسعار تفضيلية، ودين الأردن الذي تراكم على العراق خلال العقد الماضي، وأرصدة القيادة العراقية السابقة المجمدة في عمّان، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية.

يقول مسؤولون إن للمملكة ديناً على العراق بحدود 1،3 مليار دولار.

وفي غمرة الحرب مطلع العام 2003، جمّد الأردن أرصدة قيادات عراقية سابقة في حدود نصف مليار دولار- انخفضت لاحقاً إلى نحو 200 مليون.

بعد سنة على زيارة بدران، توجه خلفه معروف البخيت إلى بغداد في آب/أغسطس 2006. حينذاك أكدت الحكومة العراقية التزامها بتزويد الأردن بجزء من احتياجاته النفطية، وفقاً لمذکرة التفاهم، على أن تبدأ الشحنات بعشرة آلاف برميل وصولاً إلى تغطية كامل احتياجاته التي تعادل 100 ألف برميل يومياً.

لكن ذلك لم يتحقق. تتعذر الحكومة العراقية بأعذار شتى، منها الجانب الأمني، علماً بأنها تكفلت في مذكرة التفاهم بحماية صهاريج النفط حتى الحدود الأردنية.

يصف وزير الصناعة والتجارة الأسبق، واصف عازر، العلاقات الأردنية – العراقية بأنها في أسوأ أحوالها اليوم.

"عن أي عراق نتحدث، فالعراق لم يعد عراقاً"، يشرح عازر بأسى حالة التشرذم في العراق. "فالأكراد يكاد يكونون مستقلين ويريدون الانفصال. وما يقومون به على صعيد تغيير ديمغرافية مدينة كركوك الغنية بالنفط بغرض السيطرة عليها هدفه تحقيق الانفصال التام"، حسبما يرى الوزير الأسبق. أما الجنوب العراقي، يضيف عازر، فبات "مرتعاً لأجهزة الاستخبارات الإيرانية وحلفائها من الميليشيات. وبغداد مجزأة وتعيش في العتمة والخوف. الحكومة موجودة في منطقة محدودة وحركة مسؤوليها لا تتم إلا بإجراءات أمنية معقدة، ولا تمثل كل العراقيين. غرب العراق أيضاً يكاد يكون معزولاً، والقاعدة تسرح وتمرح فيه".

ويؤكد عازر: "ليس في العراق حكومة وطنية، دولة أو نظام يمكن أن نتعامل معه". ويضيف: "صحيح أن هناك رئيس وزراء، ولكن على ماذا؟ برلمان مشتت، واحتلال أميركي والإيرانيون يسرحون ويمرحون ويقررون، بل إن الأميركيين يستعينون بهم أحياناً كما حدث في البصرة، وبالتالي أي حديث عن تعامل مع العراق غير ذي جدوى".

لذلك فإن "العلاقة مع العراق في ظل هذه الأوضاع هي علاقات تمنيات. نتمنى أن يعود العراق كما كان؛ دولة واحدة ذات سيادة يمكن التعامل معها سياسياً واقتصادياً. ولكن الواقع شيء آخر".

يستذكر عازر كيف كانت "إمدادات النفط تصل بأسعار مخفّضة مع منحة كبيرة لم تقاربها أي منحة حصلنا عليها حتى هذا التاريخ". ويردف قائلاً "المثير أن بعض الدول النفطية يصل دخلها إلى 300 مليار دولار، ومع ذلك لا يجد الأردن من يدعمه أمام هذا التغيير الهائل في أسعار النفط عالمياً، وبدلاً من ذلك لا نرى سوى الفتات".

في العقود الماضية كانت علاقة الأردن بالعراق مميزة. كثير من صناعات المملكة قامت على قاعدة التصدير للعراق، وجزء منها كان يصدر كسداد لجزء من سعر النفط. وعلى الرغم من الاختلافات السياسية في وجهات النظر، إلا أن هذا لم يمنع الدولة العراقية من مد أقوى مساعدة للأردن".

الخبير الاقتصادي العراقي، جلال الكعود، نائب رئيس مجلس الأعمال العراقي في الأردن يرى بأن العلاقات بين البلدين "تمر حالياً بظرف عصيب". لكن الكعود يعرب عن "الأمل في أن ينمو حجم التبادل التجاري الذي انخفض من نحو مليار دينار سنوياً إلى أكثر من 100 مليون دولار بقليل.

عمَّان - بغداد بعد 2003 .. سياسة وعرة مليئة بالمطّبات
 
24-Apr-2008
 
العدد 23