العدد 23 - اقليمي
 

سهى معايعة

بعد خمس سنوات من شن الحرب الأميركية-البريطانية على العراق، يستبعد كثير من العراقيين العودة إلى ديارهم، وذلك على الرغم من أنباء تتحدث عن انخفاض نسبة العنف في بلدهم المنكوب. فمنهم من يتمسك بأمل اللجوء إلى دولة ثالثة، ومنهم من يعيش حالة من عدم الاستقرار، والتوتر النفسي مع قلة الخيارات المتاحة أمامهم في أعقاب حرب أدت إلى تشتيت 5.2 مليون لاجئ داخل العراق وأجبرت نحو مليوني شخص على الهرب إلى دول مجاورة، وبخاصة سورية والأردن.

وعلى الرغم من أن بعض العراقيين الذين لجأوا إلى سورية عادوا إلى إلى بلدهم في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن عرضت الحكومة العراقية مبلغ 800 دولار لمن يود العودة، فإن مسحاً أجرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أشار إلى أن العائلات التي عادت قد استنفدت أموالها، ولم تعد تستطيع مساندة أسرها.

قيس حكيم، الشريك في مطعم أسماك النهرين، الذي كان قد جاء إلى الأردن قبل شهرين من اندلاع الحرب يقول: "إن العودة إلى بغداد تعني الموت، ولا أتوقع أن يعود أحد مع غياب الأمن".

دانا البجالي، الموظفة في قسم الإعلام في المفوضية، تقول: "لا توجد مؤشرات على أن هنالك أعداداً ملحوظة من العراقيين تعود إلى بلادها من الأردن".

وتوضح أن "المفوضية لا تشجع العودة في هذا الوقت، ولكنها على استعداد لمساعدة هؤلاء الذين يرغبون في العودة طوعاً إذا كانوا بحاجة لذلك".

في شارع الغاردنز، تقطن ظلمية محمد (51) عاماً، وهي أرملة فقدت ولديها؛ أحدهما في انفجار طال مسجد العامرية في أيار 2005 واغتيل الآخر برصاص مجهولين بعد أحد عشر يوماً من مقتل شقيقه، "لا أريد العودة، لقد فقدت أولادي الاثنين، إذا عدت إلى بيتي سأتألم كثيراً، لأن كل مكان في البيت سيذكرني بهم."

وتضيف "أملنا الآن أن نسمع من الأمم المتحدة عما حصل لطلبنا للجوء. نحن نأمل أن نذهب إلى السويد."

وترى البجالي «أن إعادة التوطين (في بلد آخر) هو الحل الدائم الوحيد  للعراقيين المتواجدين في الأردن»، لكن ظلمية توضح «أن هذا الخيار متاح لنسبة ضئيلة من العراقيين المسجلين في مكتب المفوضية، وهو للحالات المستضعفة والأشد حاجة إلى المساعدة والحماية».

وتضيف: «إن القرار النهائي لتوطين اللاجئين يعود إلى بلد التوطين وليس للمفوضية،» فمن بين 52,295 ألف طلب للجوء في سجلات المفوضية العليا للاجئين، تم تحويل طلبات 8075 لاجئاً فقط في العام الماضي إلى دول التوطين، على أن عدد الذين غادروا الأردن لم يتجاوز الربع.

على أن الخيارات التي يواجهها العراقيون في المهجر تبقى محدودة. ويعتبر الأردن، الذي فتح أبوابه لعدد يراوح بين 500 - 750 من العراقيين منذ أوائل التسعينيات، العراقيين ضيوفاً عليه وليسوا لاجئين، فالمملكة لم تصادق على ميثاق الأمم المتحدة لعام 1951 المعني بشؤون اللاجئين.

في كانون الأول من العام الماضي قدرت دراسة أعدتها «مؤسسة الأبحاث النرويجية» فافو جون بيترسون عن العراقيين في الأردن، عدد العراقيين المقيمين في المملكة بنحو نصف مليون نسمة. وأشارت الدراسة إلى أن معظم العراقيين المقيمين يشكلون عائلات لجأت إلى المملكة بعد عام 2003، وأن معظمهم قدم إلى الأردن بين عامي 2004- 2005، وأن نحو 80 في المئة منهم يقيمون في عمان. وقالت إن تردي الوضع الأمني في العراق كان الدافع لحضورهم.

وكان الأردن وسورية، البلدان العربيان المحاذيان للعراق، طالبا المجتمع الدولي بتقديم معونات لهما لقاء استضافتهما العراقيين الذين لجأوا إلى البلدين، ولكن بعض المعلومات المهمة مثل الرقم الدقيق للعراقيين المقيمين فيهما لم تكن متوافرة، إذ كانت بعض التقديرات تشير إلى أن عدد العراقيين في الأردن يتراوح بين 750 ألفاً ومليون عراقي يقطن معظمهم في المناطق الحضرية، أي أنهم يستفيدون من البنى التحتية في العاصمة عمان والمدن الكبرى الأخرى، كما أنهم يستفيدون من خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.

غير أن الدراسة أظهرت أن نحو 25 في المئة فقط من العائلات العراقية تمتلك المساكن التي يقطنون فيها، وأن هؤلاء ينتمون إلى طبقات ثرية، في حين أن النسبة المتبقية، أي نحو 75 في المئة منهم من المستأجرين. وكشفت الدراسة عن أن 1 في المئة فقط من الأسر العراقية الفقيرة تمتلك منزلاً في الأردن. كما كشفت عن أن نحو 42 في المئة من العراقيين المقيمين في الأردن يتلقون تحويلات من العراق، ما يجعل أوضاعهم المادية عرضة للتقلب بسبب الوضع الأمني الذي قد يتدهور في أي لحظة، ما سوف ينعكس سلباً على إمكانية إرسال هذه التحويلات.

وعلى الرغم من أن 70 في المئة من العراقيين المقيمين في المملكة هم في عمر يسمح لهم بالعمل، فإن نحو 30 بالمئة منهم فقط يعملون في البلاد، وهي نسبة تنخفض إلى 15 في المئة فقط.

في أطراف عمان، يقول أبو غسان، الذي جاء إلى الأردن عام 2005 من بعقوبة في العراق، «نحن نعيش حالة من الترقب في انتظار رد من منظمة الهجرة الدولية تحدد فيه موعد سفرنا إلى الولايات المتحدة.»

اللاجئون العراقيون في الأردن: قلق واضطرابات نفسية وأمل بالهجرة
 
24-Apr-2008
 
العدد 23