العدد 23 - دولي
 

من الواضح أن دول حلف شمال الأطلسي، (الناتو) لم تكن تدرك أنها بتشجيعها إقليم كوسوفو على الاستقلال في شهر شباط/فبراير الماضي، إنما كانت تفتح باباً على الجحيم، فخلال فترة قصيرة من ذلك القرار، كانت أقاليم صغيرة تسعى إلى الاستقلال تتخذ من الإقليم البلقاني، الذي كان تابعاً لجمهورية الصرب، مثالاً يحتذى لتحقيق استقلالها الخاص.

وإن كان استقلال كوسوفو قد مثل ضربة لروسيا وصربيا، اللتين رفعتا صوتيهما احتجاجاً على قرار الاستقلال في حينه، فيبدو أن الدور جاء اليوم على روسيا لترد التحية على حلف الناتو، الذي يواصل زحفه رويداً رويداً في اتجاه روسيا، بحيث باتت بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مثل دول البلطيق، أعضاء في الحلف. وربما كان رد الفعل الروسي الصامت هو ما شجع دول الحلف على المضي قدماً في تحويل جمهوريات سوفييتية سابقة إلى أعضاء في الحلف، بما في ذلك أوكرايينا وجورجيا.

وربما كان الشعور بخطورة ما تقوم به دول الحلف هو الذي جعل معظم هذه الدول تتخذ موقفاً متحفظاً على اتخاذ قرار بضم الجمهوريتين إلى الحلف في اجتماع عقدته في بوخارست، في الشهر الماضي، مخالفة بذلك رغبة أميركية باتخاذ القرار فوراً، فمثل هذا القرار يمثل استفزازاً كبيراً لموسكو، لا تحتاجه دول أوروبا القريبة من روسيا، وبخاصة برلين وباريس اللتان عملتا على تأجيل القرار، مع التوصية بقبول الدولتين المجاورتين لروسيا في وقت لاحق.

لكن ذلك لم يجد نفعاً مع روسيا التي يبدو أنها شعرت بأن الخناق «الأطلسي» يضيق حول عنقها، فبادرت قبل أيام إلى إقامة علاقات طبيعية مع إقليم أبخازيا وهو إقليم متمرد على السلطة المركزية في جمهورية جورجيا الساعية إلى نيل عضوية الأطلسي.

وكان إقليم أبخازيا قد رفع راية الاستقلال عن جورجيا في العام 1992، حين كان الرئيس إدوارد شيفاردنادزة، آخر وزير خارجية للاتحاد السوفييتي، رئيساً لجمهورية جورجيا، قبل أن تطيح به إحدى الثورات الملونة فبل أربعة أعوام.

وقد كان التمرد، الذي اتخذ طابعاً مسلحاً في حينه، وكان يقوده جورج غامسا خورديا (قتل فيما بعد)، سبباً في نشوب حرب أهلية مع جورجيا كانت فيها كفة المسلحين الأبخاز هي الراجحة، فنجحت في إخراج القوات الجورجية من أراضي الإقليم، ما أدى إلى تدخل روسيا بوصفها الشقيق الأكبر، فأرسلت قواتها لتحفظ الأمن في الإقليم الذي لم يعد إلى حضن الأم الجورجية، وما زال الأمر هناك على ما كان عليه منذ العام 1994، وهو العام الذي دخلت فيه القوات الروسية أبخازيا.

خلال السنوات الأربع عشرة الأخيرة أقامت أبخازيا لها حكومة محلية وجيشاً ومؤسسات خاصة بها، على رغم أنها عمليا تعيش على المعونات الروسية من غذاء وأدوية وتجهيزات، كما أنها تستخدم في تعاملاتها، مع روسيا أساساً، الروبل الروسي. وبذلك فإن أبخازيا حافظت على وضعها الذي كانت عليه أيام الحكم السوفييتي.

خلال الحرب الأهلية، غادرت الأقلية الجورجية التي كانت تقيم في أبخازيا الإقليم، وما زالت عودتهم مطلباً لجورجيا في مساعيها لإعادة الإقليم إلى المركز في تبليسي، أما الأبخاز، فيقولون إن الأقلية الجورجية كانت قد أتت بأمر من ستالين، الجورجي، وأن أفرادها الذين فروا من الحرب عادوا من حيث أتوا.

خطورة اللعبة التي يقوم بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حين أمر بإقامة علاقات طبيعية مع أبخازيا، تكمن في أن النموذج الأبخازي الذي يتخذ من نموذج كوسوفو مثالاً، لن يكون سوى بداية لسلسلة من المطالبات باستقلال أقاليم أخرى في المنطقة عن دولها، فالقرار بإقامة العلاقات مع أبخازيا شمل أيضاً إقليم أوسيتيا الجنوبية في جورجيا أيضاً.

كما أنه ينذر باندلاع شرارة المطالبة باستقلال إقليم ناغورنو قره باخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وإقليم ترانس دنيستر الذي يسعى إلى التحول إلى جمهورية مستقلة داخل جمهورية مولدوفا البلطيقية حالياً والسوفييتية سابقاً.

إن وقوف الأقاليم المشار إليها في طابور المطالبين بالاستقلال، تيمناً بالنموذج الكوسوفي أو الأبخازي من شأنه أن يعيد أجواء الحرب الباردة إلى تلك المنطقة التي لم تخل من الاضطرابات، وفي هذا الإطار سوف تكون أبخازيا هي كوسوفو روسيا.

وربما كان هذا ما أثار سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة زلماي خليل زاد قبل أيام في جلسة لمجلس الأمن حين علق على القرار الروسي في الأمم المتحدة مبدياً قلقه العميق بشأنه، فرد عليه المندوب الروسي باتهامه بالنفاق، فكيف يمكن للمرء أن يقبل استقلال كوسوفو ولا يعترض على خطوة هي دون الاستقلال، اتخذتها روسيا تجاه أبخازيا؟

أبخازيا.. هل تكون كوسوفو الروسية؟
 
24-Apr-2008
 
العدد 23