العدد 23 - كتاب
 

في الأراضي المحتلة تخوض حركة حماس معركة ضد الفنون .في رأي الحركة أن حرمان الجمهور من الفنون يشحنه ويرفع روحه المعنوية في مواجهة الاحتلال.

في غزة حيث أقامت الحركة دولتها يحظر إقامة نشاطات فنية في المدارس، كالتي عرفتها هذه المرافق التعليمية طوال تاريخها .ناهيك عن المرافق الأخرى .

في هذا العدد من "السّجل" تقرير مقتضب عن حملة شنها شيوخ من الحركة ضد إقامة مهرجان للرقص المعاصر في رام الله . الحركة غير معنية بوجود تعددية ثقافية في المجتمع ومن حق هذا التنوع التعبير عن وجوده .تؤمن الحركة بان كل صواب هو في صفها ، فتعمل تبعا لذلك على "إعادة تربية" الشعب الرازح تحت الاحتلال .هذا هو سلوك الأنظمة الشمولية مع فارق أن الانظمة الاشتراكية كانت على صلة بالعالم وفنونه، بخلاف حماس التي ترى أن الفن هو لزوم ما لا يلزم . وحتى في الجمهورية الايرانية الاسلامية فهناك هامش متاح للفنانين ومنهم بالذات السينمائيون، كي يقدموا معالجاتهم الجمالية الخاصة بهم للحياة الايرانية .

حماس تستلهم نمطاً أقرب الى طالبان .تلوين الحياة مذموم بصفة عامة .إقصاء النساء عن الفضاء العام هو أعز اماني وفي مقدمة برنامج الحركة للنهوض. تماما كما عند طالبان. الوتيرة ما زالت أقل عما كانت عليه عند الحركة الأفغانية، لكن على المرء "ان يتفاءل ببلوغ الأهداف واحداً تلو الآخر" .

بدأت الحركة بإعلان تسامحها مع غير المسلمين في غزة ولم يلبث الأمر ان تطور الى توفير بيئة لطرد هؤلاء من وطنهم وهو ما عجز عنه الاحتلال .كل تعددية بما فيها الدينية غير مقبولة .ما نشأت عليه المدن الفلسطينية من تنوع اجتماعي وثقافي منذ قرنين على الأقل من الزمن ومن تواصل مع العالم الخارجي، تتم محاصرته والسعي للحد منه بحيث تتم إعادة هندسة المجتمع على صورة الحركة ومثالها .

الدولة الصهيونية أدركت مبكرا أهمية الفنون والآداب .والنفوذ الصهيوني القائم في المحافل الثقافية والفنية في العالم هو حديث على كل لسان . إنهم يحرصون مثلا على تسويق نتاج ادباء معارضين للدولة الاسرائيلية مثل يهوشواع وسامي ميخائيل .وفي وقت يتضامن فيه مع القضية الفلسطينية بعض حملة نوبل مثل البرتغالي ساراموغا، فإن حركة حماس تضيق ذرعا بثمرات الفنون والآداب ، وتعتبر تنمية التذوق الجمالي خطراً وتتطير من فنانين اجانب متضامنين .

وصف البعض حماس بأنها ليست أصولية .من الواضح أن الحركة في سلوكها وخطابها تنفي هذا التصنيف لها وتمضي على طرق إفقار المجتمع من كل تعددية وعزله عن العالم ، وهذه طريقتها لمعاونة الرازحين تحت الاحتلال على الصمود .فليس لهم ان ينعموا بأبسط المسرات التي توفرها الفنون ، أو أن يتواصلوا مع الطبيعة والطفولة وقيم المحبة وإطلاق الخيال عبر الفنون والآداب. لقد سبق لهم أن حاولوا منع تدريس تراث شعبهم في المدارس.على اهل القياس ان يقيسوا على ذلك ..

محمود الريماوي: «مخاطر» الفنون
 
24-Apr-2008
 
العدد 23