العدد 23 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

يفرض تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية منذ مطلع هذا العام، على مهندسي قانون الضريبة الجديد، وضع تشريع يراعي ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع القيمة الشرائية للدينار بمعدل 40 بالمئة بهدف تحقيق العدالة الضريبية.

كما يدعو تراجع المستوى المعيشي إلى دراسة القانون الذي يجري وضعه الآن بشكل عميق بعيداً عن فكرة الجباية التي تسيطر على معظم التشريعات الاقتصادية.

التصريحات الصادرة عن المسؤولين أكدت غير مرة أن الهدف من سحب القانون المؤقت الموجود في أدراج السلطة التشريعية -منذ عهد مجلس النواب الرابع عشر- يتركز في "تحقيق العدالة بين الجميع" حسبما يقول وزير المالية حمد الكساسبة.

نجاح القانون الجديد يلزمه تجاوز السلبيات الحالية، إذ إن القانون يطبق بحذافيره على الموظفين والعاملين وأصحاب الدخول الثابتة، في حين يتهرب الكثيرون من أصحاب الأعمال الخاصة والمهنيين من دفع الضرائب.

منذ أول قانون لضريبة الدخل في العام 1933 ولغاية الآن بدأ حوار لم يهدأ حتى جاءت المادة 111 من الدستور، التي تنص على مبدأ التكليف التصاعدي بما يتناسب مع المداخيل والأرباح، والذي تم تكريسه في كل القوانين الجديدة والمعدلة لضريبة الدخل، حتى وصلنا إلى القانون الجديد الذي يحاول إيجاد نوع من السقوف الضريبية الموحدة أو المتقاربة، لا سيما ما يتعلق بمعظم القطاعات الاقتصادية دون الأخذ بخصوصية بعضها مثل: قطاع الصناعة، الزراعة وقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

القانون الجديد يقدم إعفاءات لشريحة واسعة من العاملين تصل نسبتهم 90 بالمئة ممن تقل رواتبهم عن 1000 دينار شهرياً، وذلك بإعفاء الأعزب بما يقارب 10 آلاف دينار من إجمالي دخله السنوي، والمتزوج بحوالي 14 ألف دينار من دخله السنوي والزوجين العاملين بما يقارب 20 ألف دينار من دخلهما السنوي، وهو ما يبدو عادلاً ومنطقياً، بحسب الخبير الاقتصادي حسام عايش.

لكن عايش يقول "ليس سراً أن القيمة الشرائية للدينار انخفضت،" فمن كان راتبه 1000 دينار انخفضت قيمته إلى 600 دينار، الأمر الذي يدعو، كما يرى عايش، إلى "إعادة النظر بفئات الدخل المستهدفة التي يعطيها القانون إعفاءات، ورفعها لتكون بحدود 1500 دينار شهرياً على الأقل للأعزب، و2000 دينار للمتزوج".

"تقليص العبء الضريبي" يقول الخبير "يعزز القوة الشرائية للمواطن، ويقوي فرصته في الادخار. كما أنه يساهم في زيادة النمو الاقتصادي وينسجم مع الهدف العام للضريبة، وهو منح الحياة الكريمة لكل مواطن وإشباع الحاجة المالية للدولة.

وينبه إلى أن القانون الجديد برغم ما يكتسيه من عدالة، منطقية وتسامح، فإنه يحابي في الحقيقة من لا يحاول تطوير نفسه وزيادة معرفته ورفع قدراته العلمية وتحسين مستوى معيشته عبر الارتقاء بدخله.

تحقيق ما سبق، كما يرى عايش، ممكن عبر تكبير حجم الاقتصاد وزيادة عدد الفعاليات الناجحة فيه، وتعزيز القوة الشرائية والادخارية للمواطن، وبغير ذلك، يقول عايش، تصبح رسالة الضريبة للأردنيين أن عدم التطور والتعلم، والتوقف عن تحسين المستويات المعيشة وحتى التناغم مع اقتصاد المعرفة هو المطلوب.

ويبلغ عدد الضرائب محلياً 100 ضريبة ما بين ضرائب مباشرة، غير مباشرة ورسوم.

قضية القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، وفي مقدمتها الصناعة والزراعة، مختلفة عن الضريبة، فهي "تحتاج نظرة استراتيجية لكيفية التعاطي الضريبي معهما،" يقول عايش، "لتكون الضريبة تصاعدية داخل كل قطاع، بحسب نوعية إنتاجه ومناطق نشاطه والتجديد فيه وحجم رأسماله وملكيته"، إذ إن "العدالة تتطلب أيضا تمايزا في القطاع الواحد".

عوامل مختلفة يجب أن تحكم منح الإعفاءات ونسب الضريبة على القطاعات. منها كما يشرح عايش: حجم تشغيل الأيدي العاملة (يعمل في القطاع الصناعي حوالي 200 ألف عامل)، المساهمة في تطوير المجتمع المحلي وحجم القيمة المضافة.

يضيف: "كما أن إعطاء الأولوية في مجتمع يسعى لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي لا يزيد راسمالها على حد معين (10.000دينار مثلاً) يتطلب إعفاء تلك المشاريع من الضريبة بأنواعها لمدة تراوح بين 3 و 5 سنوات، معللاً ذلك بإتاحة المجال أمامها للنمو والتطور ومعاملتها بمعايير المشاريع الاستثمارية الوافدة المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار، لا سيما وأن تلك المشاريع تلعب دوراً مهماً في اقتصاديات دول عديدة في العالم مثل: الولايات المتحده، واليابان، وأوروبا.

نظرة سريعة على الوضع الضريبي في السنوات الخمس الماضية، تشير إلى أن النمو الضريبي فاق بكثير النمو الاقتصادي؛ فمن ناتج محلي جمالي في العام 2002 بلغ 7 بلايين دينار، وبحجم ضريبي بلغ بليون دينار، إلى ناتج محلي إجمالي في العام 2007 قدر بحوالي 11 بليون دينار، وبحجم ضريبي قدر بحوالي 2.5 بليون دينار ما يعني ان الناتج محلي زاد بحوالي 65 بالمئة (دون أخذ التضخم بالاعتبار) فيما زادت حصيلة الضرائب مرتين ونصف، وهذا يعني أن الضريبة لعبت هي الأخرى دوراً مهماً في زيادة الأسعار وفي التضخم الذي نعاني منه.

يدعو عايش الى التفكير بآليات جديدة لزيادة التحصيل الضريبي بضبط التهرب الضريبي، وأحد المفاتيح لذلك تخفيض النسب الضريبية أو زيادة التعاون بين ضريبة الدخل والمؤسسات المالية أو تقديم حوافز مجزية لمن يقوم بدفع الضريبة أو غيرها من الأمور.

خبير الضرائب، يوسف الرحامنة، يطالب بألا تكون الغاية من القانون الجديد زيادة حجم الإيرادات المتأتية للخزينة، وأن لا تكون مجحفة بحق المكلفين بشكل عام ، وبخاصة المكلفون «من الطبقة الوسطى والموظفين والعاملين».

يذكر بأن القانون الذي رفض من قبل مجلس الأمة السابق اشتمل على بنود زادت الأعباء الضريبية على الطبقة الوسطى، إذ تم إلغاء معظم الإعفاءات التي يتمتع بها المكلفون.

يأتي العمل على وضع القانون الجديد في وقت يشكو فيه المواطنون من "ارتفاع العبء الضريبي الذي بلغ نسبة 20 بالمئة من دخل الفرد" بحسب تقديرات خبراء ضرائب وقانونيين، وهو ما "أضعف انعكاس أرقام النمو الاقتصادي الجيدة التي حققها الاقتصاد خلال الأعوام الماضية على المستوى المعيشي للفرد."

وحول تأثير التعديلات على الطبقة الوسطى يقول الرحامنة إن "تحديد سقف الإعفاءات الشخصية للأفراد بمبلغ 10 آلاف دينار من ناحية وإلغاء العديد من الإعفاءات من ناحية أخرى يضيف عبئاً على كاهل المكلفين من هذه الطبقة".

يقول خبير الضرائب إن من السلبيات التي يجب تلافيها تلك التي جاءت في القانون القديم، وتفرض إخضاع 50 بالمئة من الدخل الزراعي لمن يتجاوز دخله السنوي 100 ألف دينار سنويا، في حين أن هذا النوع من الدخول معفى من الضريبة في جميع الدول، بل على العكس تماماً يقول الرحامنه "معظم دول العالم تدعم الزراعة والمزارعين».

يطالب خبير الضرائب "بإعادة النظر في نسب الضريبة المستحقة على القطاعين الصناعي والتجاري" إذ إن مساواة هذه القطاعات بمثيلتها الخدمية سيزيد من الآثار السلبية على إيرادات الخزينة، ويساهم "بدعم وزيادة رؤوس الأموال" لدى فئات محددة.

ارتفاع العبء الضريبي على دخل الفرد يؤكد أن السياسة الضريبية المعمول بها "ترهق ذوي الدخل المحدود" وتستنزف جزءاً كبيراً من دخلهم في حين "تصب التعديلات في مصلحة الأغنياء".

السياسة الحالية ترهق ذوي الدخل المحدود وتحابي الأغنياء
 
24-Apr-2008
 
العدد 23