العدد 23 - ثقافي
 

مراجعة: شارون ناجي

للوهلة الأولى، يقدم كتاب "الاستعراب الخاص" مقاربة حديثة لموضوع ساحر قلت فيه الدراسات هو الإعلان في الشرق الأوسط، وبخاصة في المملكة العربية السعودية. وتوضح الفقرة الأولى بجلاء أن تسويق منتج واحد في أماكن مختلفة ولأناس مختلفين يمكن أن تنتج عنه تفسيرات ومعان مختلفة لمنتج أو شيء واحد. ويشدد زيرينسكي على أن هذه العملية المتناقضة "تعمق الاختلافات الثقافية وتساهم في حرب ثقافية." وهكذا فإن الكتاب يحاول أن يتحدى القراءة الإشكالية للعولمة والاستهلاك العالمي بوصفها عمليات موحدة من خلال تحليل دلالي للإعلان عن "منتج عالمي" في مجلة سعودية. (ص 1) والمنطلق خادع وواعد وجدير ببذل الجهد. لكن التطبيق يقصر عن ذلك بطرق عدة. وبالرغم من المنطلق الواعد والأهداف المفترض أنها قابلة للتحقق، فإن الكتاب لا يقدم سوى القليل مما هو أكثر من وصف للصور الإعلانية التي تصمم لبيع تشكيلة من المنتجات – ساعات، سيارات، أغذية، أدوات تجميل، أجهزة إلكترونية وأقلام – في مجلة أسرة أسبوعية واحدة من مطبوعات الدار السعودية للأبحاث والتسويق.

يحفل هذا الكتاب بإيضاحات وافرة ومحكمة في أقل من 150 صفحة. ويتضمن فصل التقديم نقاشاً موجزاً، للتحليل الدلالي في وسائل الإعلام ودراسات إعلانية، ويقدم تفسير زيرينسكي "للإعلان السعودي" بوصفه يمثل/يخلق "استعراباً خاصاً". وهو يجادل في أن "طريقة المعلنين في التغلب على التوترات في المجتمع السعودي تكمن في التوجه إلى الاستعراب." (ص 17) وتفسير الثقافة المختار في صورة نموذجية بوصفها مركز الإعلانات هو "التفسير العربي" – وليس لأنها الأكثر صلة بحياة الناس اليومية، كما يجادل. بل إنها الأقل صلة ويمكن استخدامها "عند الحاجة" للوصول إلى أوسع الجماهير ومخاطبة القواسم المشتركة، فيما تتجنب في الوقت نفسه صوراً وأفكاراً تلفت الانتباه للرقابة .

وكل من الفصول المتوالية مكرس لمنتج محدد أو لتشكيلة متصلة من المنتجات. ومن خلال كتابة واضحة ووصف جيد وموضح يوفر النص للقارئ صورة واضحة لما تبدو عليه الإعلانات بالضبط، وكيف يقرأ النص الإعلاني. إن تحليل هذه الإعلانات إبداعي ومثير للفكر ولكنه، في الغالب، مصطنع وغير موثق. ويبدو تفسير المؤلف وكأنه مستنبط بحيث يظهر هذه الإعلانات وكأنها "سعودية" نوعا ما. ومن المحتمل أن يلاحظ القراء حول العالم الإعلان الخاص بوجبة "أول بران" التي تنتجها شركة كيلوغ، أن وصفها في الكتاب ليس سوى ترجمة لما هو وارد على العلبة الموجودة على طاولة إفطارهم. ومع ذلك فإن زيرينسكي يزعم أن هذا الإعلان، خصوصاً، يناسب تقليداً متجذراً، كما إنه يشير إلى مقاومة لإدخال مستوردات غربية من الدقيق الأبيض. ومع نهاية وصفه، يبدو أنه قد نسي أنه يناقش إعلاناً لشركة كيلوغ. وثمة مثال آخر على نوع التحليل الذي يقدمه هذا الكتاب في الفصل الخاص بالمواد التجميلية. ويشير زيرينسكي إلى تفضيل كثير من النساء العربيات لتسبيل شعورهن المجعدة بطبيعتها، من هنا كان توافر كثير من منتجات تسبيل الشعر، أحدها ذاك الذي تنتجه شركة تدعى شوارتسكوف وهنكل. وفي تفسيره لهذه الإعلانات يربط بين نجاح الجنرال شوارتسكوف في حرب الخليج الثانية وبين معنى ضمني بنجاح محتمل "في سياق تحقيق نصر في بيئة جغرافية صعبة، هي تلك الخاصة بالشعر الأجعد." (ص 85) ولا يتضمن النقاش في أي نقطة منه تحليلا للإعلانات يثبت أن المنتج معروف في حياة وممارسات وثقافات قراء المجلة أو مستهلكي المنتج. هل يضحك السعوديون على طرافة الإعلان؟ وهل تقلد الشابات السعوديات قصات الشعر؟ وحين ترى المجلة نساء من مصر أو البحرين أو لبنان، كيف تختلف التفسيرات وردود الفعل؟.

ثمة نقاط ضعف أخرى في النص تعود إلى المنهج التصنيفي وإلى المراجع غير المناسبة وغير القابلة للتطبيق. والإعلانات موضع النقاش مأخوذة جميعها من مطبوعة واحدة. ويوضح زيرينسكي أنها مجلة أسرة جيدة التوزيع في السعودية، وأن كثيراً من الإعلانات نفسها موجودة في أماكن أخرى (ربما في المطبوعات وفي بلدان عربية أخرى). ولوعيه بالنقد المحتمل لهذا النهج، فإن زيرينسكي يرد بأن "أي نقد للتقنية الاستقرائية المستخدمة في هذا الكتاب سوف يجادل بأن دراسة محطة "سي إن إن" يمكن ألا تضيف لنا شيئا حول الثقافة الأميركية." (ص 19) وعلى أي حال، فإنني أوافق على أن تحليلاً استقرائياً سليماً لمحطة "سي إن إن" أو مجلة "سيدتي" يجب أن تتجاوز سياق النص الداخلي إلى سياقه الاجتماعي، والسياسي، والثقافي.

بهذه المحاولات يبدو أن كتاب "الاستعراب الخاص" يعتمد على مراجعة أدبيات خاصة، كثيرا ما تتوقف عند المذكرات والتقييمات الصحفية للسعودية، أو عند تشابهات مصطنعة مع بلدان عربية أخرى. والمثال على الأول هو عرض زيرينسكي لما كتبته جيرالدين بروك في مذكراتها حول تفتيش يديها للتأكد من تلميع أظافرها في مطار جده. وفي مرات أخرى يطلع زيرينسكي باستنتاجات خاطئة من واقع الجدل الاجتماعي الدائر في بلدان عربية أخرى. مثال على ذلك استخدامه للتقييمات حول الجوع والفقر والمجاعة في البلدان العربية الأكثر فقراً بوصفها نظائر لتسويق منتجات الألبان على الطبقة الوسطى أو الشريحة العليا من الطبقة الوسطى السعودية. والنتيجة تحليل مبالغ في توسعه، كثيرا ما كان ينزلق نحو التعميم. وعلى الرغم من الموضوع الشيق والأطروحة الخادعة والمنهجية السليمة والواعدة، والوصف الثري والإمبريقي، فإن هذا الكتاب، لسوء الحظ، لا يفي بأهدافه المعلنة.

* بالتعاون مع مجلة

International Journal of Middle East Studies

تحليل ينزلق الى التعميم ولا يفي بأغراضه
 
24-Apr-2008
 
العدد 23