العدد 23 - أردني
 

تغيّر اسم السجون في الأردن إلى "مراكز الإصلاح والتأهيل" منذ صدور قانون مراكز الإصلاح والتأهيل المؤقت رقم 40 لسنة 2001 (تحوّل إلى قانون دائم في العام 2004)، بدلاً من قانون السجون القديم رقم 23 لسنة 1953. التسمية الجديدة جاءت لتعكس تبنّي المملكة للمعايير الدولية في معاملة السجناء، والتي توفر لهم معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.

لكن المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة شبه رسمية، جادل أكثر من مرة في تقاريره السنوية حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة، بأن التسمية الجديدة لم تحل دون وقوع حالات تعذيب ضد السجناء. هكذا، نكون في كل حالة شغب وعنف يقوم بها سجناء مراكز الإصلاح والتأهيل، أمام واحد من تفسيرين:

ـ إما أن «النزلاء» هم المسؤولون عن الشغب، بمعنى أنهم حاولوا مقاومة سلطة إدارة السجن وفرض سلطتهم بدلاً منها، وأنهم يثيرون الشغب لمجرد الشغب، ناقلين جرائمهم إلى داخل السجون.

ـ أو أن إدارة السجن هي المسؤولة عن الشغب، لأنها لا تدير السجن ولا تتعامل مع السجناء كما يجب إنسانياً.

حالة الشغب الأخيرة التي بدأت في سجن الموقر يوم 14 نيسان/ أبريل الجاري، وأدت لوفاة ثلاثة سجناء، ثم امتدت في اليوم التالي إلى سجن سواقة، ثم بشكل محدود إلى سجن قفقفا، وجدت من يتبنى بشأنها أحد التفسيرين المذكورين.

مديرية الأمن العام أعلنت من جهتها أن سبب الشغب هو تنظيم السجناء "حفلات هيجان" يقومون فيها بإيذاء أنفسهم وإضرام النار في غرفهم، احتجاجاً على بدء إدارات السجون تنفيذ عملية تصنيف السجناء، بحسب قضاياهم وأعمارهم، والتي يرفضونها، ما يشير ضمنياً إلى أنها تؤثر على "نفوذ" و"سلطة" عتاة السجناء على باقي أقرانهم.

بينما أصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان، تقريراً بعد زيارة قام بها فريق منه إلى سجن الموقر، ألقى فيه اللوم في ما حدث على إدارات السجون، قائلاً إن "السبب الرئيسي وراء أحداث سجن الموقر هو سوء المعاملة التي يتلقاها النزلاء من قبل بعض أفراد مرتب السجن المذكور، والتي تزامنت مع عمليات النقل غير المدروسة للنزلاء لغايات التصنيف والعزل".

بعد يومين، انحازت لجنة الحريات في مجلس النواب لصالح رواية الأمن العام، بل إن رئيسها النائب فخري اسكندر، وصف تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان، خلال مؤتمر صحفي بعد لقاء نيابي مع وزير الداخلية ومدير الأمن العام حول الأحداث، بـ "المتسرع".

ثمة، إذاً، تفسيران: واحد يبني على اتهام السجناء بالإجرام، وآخر يرى أن عملية التصنيف مثّلت «القشة التي قصمت ظهر البعير» في علاقة السجناء بسجانيهم، كونهم لا يعاملونهم بطريقة لائقة.

في مناسبات سابقة، كان سجناء عدد من مراكز الإصلاح والتأهيل، قد نفذوا أحداث شغب، لا ترتبط كلها بسوء المعاملة، إذ وقع بعضها نتيجة رغبتهم بفرض إجراءات معينة على إدارات السجون، منها ما يتعلق بتنفيذ أحكام قضائية. من تلك الأحداث:

- في 2 حزيران/ يونيو 2005: إضراب جماعي عن الطعام في سجن قفقفا، امتد إلى سجني الجويدة وسواقة، قام به السجناء من أعضاء الجماعات التكفيرية، احتجاجاً على طول أمد الإجراءات القضائية في محاكماتهم أمام محكمة أمن الدولة.

- في 1 آذار/ مارس 2006: أحداث شغب في سجني سواقة والجويدة، قام بها سجناء من أعضاء الجماعات التكفيرية، قيل إنها هدفت للحيلولة دون تنفيذ حكم الإعدام باثنين من زملائهم، محكومين في حادثة قتل دبلوماسي أميركي في عمان.

- في 10 آذار/ مارس 2007: أحداث شغب وهيجان في سجن بيرين، احتجاجاً على سوء المعاملة، أدت إلى إصابة 35 سجيناً.

- في 26 آب/ أغسطس 2007: أحداث شغب في سجن سواقة، نفذها السجناء احتجاجاً على تعرضهم للضرب والإهانة وحلق شعر الرأس واللحية، أدت إلى إصابة 360 سجيناً.

- في 13 نيسان/ أبريل 2006: أحداث شغب في سجن قفقفا نفذها سجناء ينتمون للتنظيمات التكفيرية، في محاولة لمنع إدارة السجن من عزل بعضهم في سجن انفرادي، قاموا خلالها باحتجاز اثنين من رجال الشرطة داخل «مهجعهم». وأدت هذه الأحداث إلى وفاة أحد السجناء، وإصابة أكثر من عشرة أشخاص من السجناء ورجال الأمن العام.

إلى جانب ذلك، فإن ملاحظات ترد من داخل السجون من قبل مواطنين، تروي قصصاً عن سوء سلوك يتسم به نفر من السجناء، يمارسون نفوذاً وتسلطاً على أقرانهم، مستغلين ما يتمتعون به من قوة بدنية وخبرة في عالم الجريمة، وكذلك العلاقات الشللية المنظمة التي ينسجونها فيما بينهم.

في المقابل، كانت تقارير سابقة، للجان ومنظمات دولية ومحلية زارت السجون الأردنية، أشارت إلى وجود عمليات عنف وتعذيب تمارس ضد السجناء، بطريقة تنتهك حقوق الإنسان. فبتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، أعدت لجنة شكلها رئيس الوزراء آنذاك فيصل الفايز، من خمسة قضاة ومسؤولين أمنيين وإداريين، تقريراً حول أوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل في المملكة ومعاملة نزلائها، جاء فيه أن السجناء يتعرضون للضرب والتعذيب والعقوبات البدنية.

وفي تموز/ يوليو 2006، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً قالت فيه إنه «على الرغم من تزايد الأدلة على التزام الأردن بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإن السلطات الأردنية فشلت في اتخاذ الإجراءات الفعالة لمنع التعذيب (في السجون) أو معاقبة المسؤولين عنه».

أما منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فقد أشارت في تقرير أصدرته في نهاية آب/ أغسطس 2007 حول نتائج زيارات نفّذها فريق من المنظمة لخمسة من السجون في الأردن، إلى أن إدارات السجون تُعرّض السجناء «بشكل روتيني للضرب غير القانوني الذي يتحول في بعض الأحيان إلى تعذيب». وذكرت على سبيل المثال أن مديراً جديداً لسجن سواقة، قرر في أول أيام توليه مهام عمله في 22 آب/ أغسطس الماضي «ضرب كل أو معظم السجناء البالغ عددهم 2100 سجين». وقد قررت مديرية الأمن العام بعدها بأيام، وتحديداً في 27 آب/ أغسطس، إيقاف ذلك المدير عن العمل، بسبب تصرفه ذاك.

سوء معاملة السجناء أم إنحراف سلوكهم؟
 
24-Apr-2008
 
العدد 23