العدد 4 - بورتريه
 

في عرف البعض يندرج رئيس الوزراء نادر الذهبي ضمن القيادات الجديدة التي كانت بعيدة عن شاشة رادار التكهنات بوصولهم الى نادي رؤساء الوزارات أو “الخزّان الاستراتيجي للشخصيات السياسية الاردنية”. وواقع الأمر أن نادي “الباشوات” هو من بادر لمنحه استحقاق هذه العضوية الرفيعة.

لم يعرف عن الرجل الاستيزار رغم انه حمل حقيبة النقل بين عامي (2001 و2003)، وهو لا يصنف ضمن الطامحين لاحتلال موقع في مراكز القوى النافذة. وظلّ بذلك قريبا من الجميع وموضع رضى الملك. وحين تعمقت تصنيفات ما يسمى ب «الحرس القديم والجديد”، لم يكن نادر الذهبي بين هؤلاء في أي من المعسكرين. كان من رجال الدولة التقنيّين البارزين. وحسبه ذلك.

التحرر من هذا الإرث أو من هذه الصورة المسبقة عنه، سوف تعينه على أداء مهمته في “الدوار الرابع” دون حساسيات. وقد اختار فريقه الوزاري بالروحية ذاتها في حكومة «أمنية-تكنوقراطية» مهمتها ألاساس خدماتية-تنموية-اقتصادية. ليس لكثير من الوزراء ثقل “اجتماعي” او جذور سياسية واضحة ومعروفة غير أن منهم من تميّز في مواقعهم التي أشغلوها.

وفي حسبان المرء أن آليات اختيار الوزراء تؤسس لثقافة جديدة وإن لم تكن طارئة تماما تزاوج بين الكلاسيكي والحديث. فهناك مبادرات سابقة احتل فيها وزراء شبان الموقع الوزاري. على أن هذه السنّة أخذت مداها في تشكيلة سادس رئيس في عهد الملك ما دفع بعض الساسة للقول إنها الحكومة الأقرب لتوجهات ورؤى عبد الله الثاني منذ اعتلى العرش عام 1999. الثقل الاجتماعي يتمثل في القدرة على العطاء والإنجاز والبناء على ما سبق وتطويره والنظرة الشمولية للوطن والمواطنين، دون الوقوع في فخ المناطقية والجهوية وإن اضطر أصحاب القرار لمراعاتها لدى إقرار التشكلية الوزارية. تبدو هذه المهمة صعبة بخاصة في عيون من خرج من لائحة المستوزرين المعهودة او من يأخذ الوطن ب”المفرّق”. الأصح الحديث عن أولويات وتنمية شاملة متوازنة تبدأ في سد الثغرات وتدارك أوجه النقص في الخدمات والبنى الأساسية للمناطق الفقيرة وإنقاذ ما تبقى من الطبقة الوسطى من شبح الإفقار. هذا يعنى ايلاء الشأن الاقتصادي-الاجتماعي الصدارة وفق منطوق وفحوى كتاب التكليف الملكي.

الذهبي (61 عاماً) بدأ حياته في سلاح الجو قبل 30 عاماً ويزيد ثم خطّ قصة نجاح في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة مذ انتقل إليها عام 2004. يقول من عمل معه انه منفتح العقل تجاه الأفكار غير التقليدية. زاوج بين حكمته وحيوية الشباب ووفّر مظلة لاحتضان وتنفيذ أفكار الشباب الذين عملوا معه. وهو غير مرتبط بالنخب الاجتماعية الاقتصادية ذات الأجندات المجربة. ولسوف يمتحن قدراته على رأس السلطة التنفيذية في إقناع الرأي العام بصوابية توجهات حكومته وفريقه. لا تكفي الحسابات التقنية التكنوقراطية الصحيحة على أهميتها. فالأمن الاجتماعي يقوم على القناعة السياسية للرأي العام بأن الحكومة لكل مواطنيها، وأن الأعباء توزع على الجميع وبالتناسب، على الأقل ما دام أن الامتيازات لا تنتظم الجميع. طلب من الوزراء اشهار ذمتهم الداخلية لوضع حد مسبق لأية شكوك بسبب الروابط العائلية والمصالح الشخصية وحسابات البزنس. طلب منهم قطع اية علاقة بشركاتهم.

برأي كثيرين بمن فيهم مواطنون “عاديون”، فإن رئيس الحكومة الجديد يبدو أشبه بصفحة بيضاء، وأمامه فرصة ملء هذه الصفحة بكلام تسهل قراءته ويمكن الاقتناع به، في ضوء التدابير التي سيتم اتخاذها اذا احسن توضيحها للراي العام عبر الإعلام. وعندها فان البرلمان سيقف بجانبه وسيمنحه النواب أكثرية ثقتهم باستثناء المعارضة المتوقعة من جبهة العمل الاسلامي التي تحتل ستة مقاعد وبعض النواب. فالناس قد تقتنع برفع سعر المحروقات لكنها ترفض فلتان أسعار سائر الخدمات والسلع واستمرار نمو ارباح طبقة صغيرة مستفيدة من تحرير السوق. ذلك سيؤدي الى إحباط شديد في ظل صعوبات حياتية متفاقمة، ناهيك عن الفقراء من مزارعين وعمال وصغار الموظفين وحرفيين الذين يشعرون أنهم متروكون لمصيرهم في بلد بدأ يغيّب مفهوم الدولة الرعوية. الأمن الاجتماعي بات صمام الأمان للاستقرار السياسي الاجتماعي الشامل وذلك مع التغييرات الاقتصادية والاجتماعية وبعد ان تقلصت فرص التوظيف في الداخل ، وحتى فرص العمل في الخارج في دول الخليج وسواها . وعليه فإن معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية وفق تخطيط شامل يتستحق أن يوضع في رأس الأولويات .وهي مهمة رئيس الحكومة الجديدة في تعامله مع مجلس نواب جديد . وحيث من المتوقع أن يعمد نواب الى ملء “ الفراغ “ الذي تركته المعارضة الإسلامية التقليدية بمعارضة من نمط جديد . وهو حق دستوري مكفول لهم ، في إطار الرقابة والمساءلة التشريعية .

ليس بعيدا عن ذلك بل في صميمه ما جاء في التوجيه الملكي لحكومة نادر الذهبي ب”ربط الأجور والرواتب بمعدلات التضخم والغلاء وبمؤشرات الانتاجية والأداء” وان كان بعض الاقتصاديين ورجال الاعمال يتساءلون حول مستويات تحليق نسب التضخم بعد رفع الأجور. وهو ما يضع حدا للمطالبات الموسمية برفع الرواتب والاجور ، وذلك بتحويلها الى سياسة مرعية الإجراء بما تستلزمة من وضع وتنفيذ تدابير للحد من التضخم والغلاء ليس فقط لتفادي الوقوع في زيادات متكررة للرواتب بل كذلك حتى لا تؤدي الزيادات نفسها الى تغذية التضخم .مما يدفع الى دورة مفرغة. ولا شك ان ذلك يمثل تحديا مركبا لا تملك الحكومة الجديدة الا الاستجابة له ، مقروناً بالمضي في تطوير القطاع العام وفق “مؤشرات الإنتاجية والأداء “ وهي من المسائل التي كانت خلافية أثناء الإعداد للأجندة الوطنية، وذلك بدعوى أن الاحتكام الى مستوى أداء الموظف، قد يحدّ من فرص الترقية أو يزعزع الأمن الوظيفي، بدل ان يكون ضابطاً وحافزاً للتطوير. وكأن الرعاية الاجتماعية ومن ضمنها التوظيف وترقية الموظفين، لا تستقيم إلا بطرح المعايير الموضوعية جانباً وعدم الأخذ بطبيعة أداء الموظف.

حين سئل فيما إذا كانت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ستجيز لشركات اسرائيلية العمل فيها، أجاب القائم على المنظقة آنذاك نادر الذهبي: “سوف نرى ما إذا كان الجانب الآخر يسمح بذلك بالنسبة للشركات الأردنية (القصد التسهيلات الممنوحة)، كما سوف نعاين موقف المستثمرين العرب في العقبة إزاء مثل هذه الخطوة إذا ما تمت، أو إذا ما تم اتخاذ قرار بشأنها . وعندها سوف نقرر ، وذلك في ضوء مصلحة الأردن التي نضعها فوق كل اعتبار”.

لعل هذه الإجابة “النموذجية“ تعكس بعض سمات تفكير رئيس الوزراء الجديد: تفادي الجهر بموقف سياسي بما يتعلق بشأن استثماري ، التعامل بتكافؤ وندية مع الدولة العبرية ، والانعطاف بعدئذ للتعبير ضمنياً عن هذا الموقف بأخذ البعد العربي في الاعتبار، واشتقاق وتقديم مصلحة الأردن انطلاقا من جملة هذه الاعتبارات المتضافرة .

في ضوء ذلك يمكن استشفاف الجانب السياسي في شخصية الرئيس السادس في عهد الملك عبدالله الثاني . إذ يتم التعبير عن هذه الرؤية في ضوء مصالح الأردن المرتبطة عضويا بالعالم العربي . غير أن التناول الضمني لمواقف سياسية وعبر مقاربات اقتصادية ، لن يكون بالتأكيد كافياً ، وذلك مع القناعة بأن الموقع الأول في السلطة التنفيذية هو بالضرورة والتعريف منصب سياسي ، حتى لو كانت السياسة الخارجية ترتبط أكثر فأكثر بالقصر الملكي ، وهو ما يفسر تغير وزراء الخارجية ، دون أن يطرأ تغيير ولو طفيف على السياسة الأردنية الخارجية كما كان أبان عهد الملك الراحل. والمقصود في النهاية هو مجمل السياسات وبالذات الداخلية منها الموكولة للسلطة التنفيذية . فمخاطبة الرأي العام لا تستقيم بمجرد ذكر أرقام وإحصائيات ، والتطرق لخطط ومشاريع مزمعة ، أو دوام الحديث عن نمو اقتصادي (في حدود ستة بالمئة) بينما تنمو في الوقت نفسه معدلات الأسعار والغلاء ، فيما يتناقص تناقصاً غير مرئي حجم المديونية . تثير شخصية الرئيس الانطباع بهدوء مزاج صاحبها ونزاهته، والبعد عن الانفعال والارتجال وتجنب الخطابة ، مع تمتعه بروح عملية وعقل رياضي ، وتعلقه بالإنجاز ومن ذلك صنيعه في مدينة العقبة باجتذاب استثمارات تقدر بسبعة مليارات خلال ست سنوات ، وكان المقدر أن يتحقق هذا الهدف خلال عقدين من الزمن. على أن البعض يحاجج بأن ذلك تم ب”ثمن“ اجتماعي بإخلاء مناطق من سكانها وأصحابها ، وبروز عقبة جديدة زاهية لامعة تجتذب الزائرين والسياح بأسعار «سياحية” إضافة للمستثمرين ، الى جوار العقبة التقليدية المجاورة التي طرأ على أحوالها القليل من التحسن .

ولا شك أن هذه مسألة إشكالية .فالأصل هو مواءمة أشكال التحديث مع تلبية احتياجات الناس ، على ان للمسألة وجهها الآخر وهو أهمية شيوع ثقافة اجتماعية جديدة تدفع باتجاه تطوير قدرات الناس خاصة الأجيال الجديدة وتعظيم قيمة العمل والانتاج ، والمبادرة للتواؤم مع التغيرات الاقتصادية وطبيعة موارد البلد وحتى التعود على أن البلد ليس مغلقا ولا مناص من وجود غير الاردنيين سائحين وزواراً ومستثمرين وحتى مقيمين .

وقياسا على صورة الرئيس المتشكلة منذ ثلاثة عقود مع التحاقه بالوظائف والمرافق التي عمل بها ، فإن الانظار تتجه لاستجلاء ما سيكشف عنه مقيم الدوار الرابع من موهبة سياسية في الأسابيع المقبلة.

بانتظار الكشف عن الموهبة السياسي للرئيس المهندس – محمود الريماوي
 
29-Nov-2007
 
العدد 4