العدد 23 - علوم وتكنولوجيا
 

"محمد عدي" الريماوي

عندما اخترع الإنسان الآلة، كان هدفه من ذلك تسهيل حياته وتسريع تنفيذ أموره، وأدت الآلات واجبها هذا على أكمل وجه. ولكن الإنسان لم يتوقف عند هذا الحد، وبدأ بتطوير آلاته إلى أبعد الحدود، حتى وصلت الأمور إلى أنها أصبحت تفكر مثله، وتؤدي واجباتنا أفضل منه.

لم يكن مصطلح الذكاء الاصطناعي مفهوماً للعامة حتى فترة قريبة، فقد كان محفوظاً في نظريات الكتب وافتراضات المؤلفين، وكانت مراكز الأبحاث تعج بالمحللين الذين يسعون للاستفادة من تطبيقات هذا الموضوع. وحاولت بعض الأنظمة والمؤسسات تسخير هذا الأمر لخدماتها الخاصة ومشاريعها الكبرى، وفي مقدمتها وزارة الدفاع الأميركية التي تعد الممول الأول لأبحاث الذكاء الاصطناعي في العالم.

يعد الذكاء الاصطناعي مفهوماً تاريخياً، ويرجعه البعض إلى عصور الفراعنة والإغريق. وذكر في الأساطير الإغريقية عن وجود بعض التماثيل التي صنعها الحرفيون المهرة، وكانت تساعد القياصرة على إدارة البلاد. أما في بلاد النيل، فصنع العالم هيرون الكثير من الآلات التي نجحت في تسهيل حياة الإنسان في ذلك الوقت.

ومروراً بالتاريخ الحديث حاول "فرانكشتين" الذي صنعته الكاتبة المعروفة ماري شيلي إعادة الخلق، كما ظهرت الآلات الذكية في الكثير من الأفلام مثل الماتريكس، وبدأت الأحلام اليابانية بالتبلور في الروايات والرسوم المتحركة، للروبوتات والآلات التي تعمل أكثر مما يعمل الإنسان نفسه، وغدا الحلم بصناعة آلات تفكر وتتحدث وحتى تشعر قريباً جداً.

في منتصف القرن العشرين، وتحديداً عام 1956، عقد أول مؤتمر لمناقشة هذا الموضوع في جامعة دارتموث، ومن هنا انطلقت الأبحاث والمشاريع لبحث الذكاء الاصطناعي. وظهرت مجموعة من العلماء الذين ارتبطت أسماؤهم بولادة هذا المصطلح، مثل جون مكارثي الذي كان أول من خرج بهذا المصطلح وعرفه بأنه " علم وهندسة صناعة الآلات الذكية "، آلان تورينغ الذي يشتهر باختباره الذي يحدد إذا ما يمكن اعتبار الآلة ذكية أم لا، ومارفين مينسكي الذي أوجد أول مختبر أبحاث للذكاء الاصطناعي في جامعة ماساشوستس للتكنولوجيا، الذي يعد أضخم وأفضل مختبر أبحاث لهذا الحقل.

يصعب العثور على تعريف أو تفسير محدد للذكاء الاصطناعي، ولكن أغلب الكتب تتفق على أنه "دراسة وتصميم أنظمة ذكية تدرك البيئة المحيطة بها، وترد بأفعال تمكنها من النجاح في المهمة التي صنعت لأجلها". ويكون الهدف من بناء هذه الأنظمة، مساعدة الإنسان على اختيار بعض القرارات الصعبة، والقيام بالتحليلات المنطقية، والاستفادة من المعلومة بأكبر قدر ممكن للوصول إلى نتائج ملموسة.

وبالرغم من عدم وجود تعريف واضح للذكاء الاصطناعي، إلا أن العلماء القائمين عليه يبحثون ببعض الحقول، ويقومون بإجراء أبحاثهم للوصول إلى أقصى درجات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وجعله أداة مفيدة للعلوم الأخرى لمساعدتها على التطور والتحسن.

حل المشكلات:

كانت البداية مع تعليم الآلات منهجية حل المشكلات، والسير بخطوات منطقية للوصول إلى الحل، كما يفعل الإنسان تماماً عندما يمارس ألعابه المفضلة من أحاجي وألعاب الورق. وتطور هذا الحقل في أواسط التسعينيات إلى إيجاد طرق ناجحة للتعامل مع معلومات غير كاملة أو غير أكيدة، للوصول إلى الحلول، بالاستفادة من مبادئ علم الاحتمالات.

تمثيل المعرفة:

يعد تحويل المعلومة إلى بيانات ونظريات يمكن تعليمها من التطبيقات المباشرة للذكاء الاصطناعي، فالآلات أصبحت تستخدم لتمثيل الفئات والخواص والعلاقات بين الأشياء والسبب والنتيجة، في أي علم من العلوم، وأصبح هذا عنصراً أساسياً لتوصيل الأساسيات العلمية للطلاب.

التخطيط:

أصبحت مهمة التخطيط من المهام الجديدة للآلات الآن، فرسم الطريق ما بين وضع الأهداف وتحقيقها، يتحقق من خلال تصور المستقبل ووضع جميع السناريوهات المحتملة، بالإضافة لامتلاك الإدراك للبيئة المحيطة والتنبؤ بالتغيرات التي ممكن أن تطرأ عليها. وهناك "تقييم الخيارات" الذي يعد فرعاً مهماً من علم اتخاذ القرار، للوصول إلى أفضل الحلول التي تساعد المؤسسة في عملها.

التعليم:

يصنف علماء الذكاء الاصطناعي التعلم إلى ثلاثة أنواع:

1 - التعليم الموجه: ويهتم بالتصنيف، وهو تمكين الآلة من إيجاد العلاقات بين الأشياء وتصنيفها لفئات محددة، وما يسمى بالارتداد، وهو تنبؤ الآلة بالمخرجات الممكن الحصول عليها من خلال مجموعة من المدخلات.

2 - التعليم غير الموجه: استيعاب تجربة كاملة ومخرجاتها، للوصول إلى التنبؤ بنتيجة تجربة أخرى قبل إجرائها، وذلك لتوفير الوقت والجهد والمال.

3 - التعليم التعزيزي: ويتم فيها معاملة الآلة كالطفل الصغير، من خلال إيجاد تواصل بين الإنسان والآلة، ليتم بناء نظريات جديدة استناداً لأخرى قديمة. ويتم استخدام هذا التطبيق في مجال نظرية القرارات.

البرمجة اللغوية العصبية:

تمكن هذه البرمجة الآلآت من القراءة والاستيعاب مثل بني البشر، من خلال فهمها للكلمات والجمل المستخدمة في اللغات المختلفة. ويأمل العلماء الكثير من هذا التطبيق، للوصول إلى استقبال أفضل للمعلومات، وتمكين الآلات من قراءة المعلومات الأولية وتحويلها لمعرفة تامة، وتشتمل أيضاً على تحليل البيانات والاستطلاعات للوصول إلى النتائج النهائية.

الذكاء الاجتماعي:

يصل الذكاء الاصطناعي هنا إلى نقطة حساسة، وهي نقل فهم المشاعر والمهارات الاجتماعية إلى الآلات، وتعد قراءة المشاعر وتعابير الوجه من أصعب التطبيقات لهذا الحقل، ويتم استخدام هذا التطبيق مبدئياً في الألعاب والتواصل البسيط بين الإنسان والحاسوب، من خلال استكشاف الحوافز والمشاعر للطرف الآخر، ويبقى موضوع تمثيل المشاعر المهمة الأصعب لعلماء الذكاء الاصطناعي.

ويتميز علم الذكاء الاصطناعي بأنه شائك ومعقد، وسيتم استعراض الوسائل المستخدمة من قبل العلماء، وبعض المشاريع القائمة على الذكاء الاصطناعي، وأهم مراكز الأبحاث في العالم التي تهتم بهذا الحقل، في القسم الثاني من الموضوع الأسبوع المقبل.

الذكاء الاصطناعي: مفهوم غامض ومستقبل مبشر
 
24-Apr-2008
 
العدد 23