العدد 23 - رزنامه
 

السجل – خاص

يستعيد التشكيلي العراقي جابر السراي في معرضه الشخصي الأول "بنيلوب.. وشظايا البلور" المقام على دار الأندى، أسطورةَ "بنيلوب" التي قضت سنواتٍ طويلة تطرز ثوباً بانتظار عودة حبيبها من الحرب، تغزل ثم تنكث ثم تغزل مرة أخرى، دون أن يصيبها الإحباط أو تفقد الأمل في عودته. وفي هذا إسقاطٌ على حال المرأة العراقية في الراهن، مع فارق أن بنيلوب واصلت تطريز ثوبها بخيوط من حرير، بينما تخيطه المرأة العراقية اليوم بخيوط الدم والفجيعة.

هذه المفارقة تفسر تلك الألوان الغامقة، المعتمة والسوداوية، التي تنحو باتجاه الأحمر وتدرجاته، التي تتناثر فوقها بؤر ضوئية من الأبيض تشكّل ما يشبه طيفاً شبحياً يترصد بالمرأة التي تلتفّ بدوامات لونية قاتمة تعبّر عن أجواء الوحدة والحزن والمرارة.

في هذا المعرض، وعبر 35 لوحة، تتخذ المرأة وضعياتٍ مختلفة، غير أنها تشترك في ذلك الوجه المقسوم إلى شطرين؛ أحدهما مضيء، والآخر يغرق في العتمة، بما يذكر بثنائيات: الخير والشر، السلم والحرب، الجمال والقبح، والأمن والخوف.. كما تبدو نساءُ اللوحات بعيون مغمضة ورؤوس ساهمة في البعيد كأنما تنتظر عودةً مستحيلة لذلك الذي لن يأتي.

ويرى السراي أن الجانب المعتم من الوجه يعبّر عن حال المرأة الغارقة في عتمة روحها وانكسارها آملة أن تبتعد عن الواقع المرير، أما الجانب المضيء فهو أشبه بـ"نافذة تطل على عالم خارجي، متناسية أبعاد الزمان والمكان.. متأملة وحالمة، تغادر الواقع لتبدأ مسيرة الحلم مغمضة العينين".

وفي عدد من اللوحات يطل من خلف ستار اللون الذي يشكل أرضية اللوحة ما يشبه الثورَ المستلهَم من الحضارة السومرية التي قدسته وألّهته وعدّته حامياً للمرأة ومؤازراً لها، وأحياناً ما يشبه الحمامةَ التي تشير إلى رغبة المرأة بالتحليق خارج واقعها المليء بالقيود والإحباطات. هذا ما يفسر احتفاء الفنان باللون الأزرق المتموّج مع الأبيض، بما يحيل إلى السماء بأفقها المفتوح، إذ تبرز المرأة من خلال ذلك وكأنما تنام فوق سحب الغيم وتسبح في الفضاء.

كذلك بدت المرأة في اللوحة الواحدة منفردة حيناً، أو مع أخريات تميل رؤوسهن بشكل طفيف، بحثاً عن ذلك الغائب في قلب العتمة. إن الفنان هنا لا يحاول التأشير على واقع المرأة بقدر محاولته إعادة صوغ عالم متخيَّل أكثر حرية وانفتاحاً تشكّل المرأة محوره ويستمد هو منها دهشته وجماله.. هو عالم مأمول يصر الفنان رسمَ ملامحه عبر ريشته وألوانه.

إنها مشاهد مصوّرة تستفز الأسئلة عن ذلك الجسد الرقيق كما البلّور، الذي تكسّر وتناثرَ شظايا، لكنه لم يفقد بوصلته، وهو ما يزال يحاول لَملمة فسيفسائه وإعادة تركيبها من جديد.

ولد السندي ببغداد، حصل على دبلوم فنون جميلة (جرافيك) سنة 1993، حاز على جائزة ملتقى المثقفين الأول العام 2005، أقام عدداً من المعارض المشتركة داخل العراق وخارجه، وهو يطرح في أعماله موضوعات مستمدة من الواقع ويشتغل عليها كاشفاً أبعادها المختلفة.

المرأة العراقية بوصفها “بنيلوب” جديدة
 
24-Apr-2008
 
العدد 23