العدد 22 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

تترسخ قناعة لدى الأردنيين بأن الحكومات باتت عاجزة عن الوقوف في وجه غول الأسعار الذي يطحنهم منذ سنوات.

القناعة ترسخت مع إعلان الحكومة رفع أسعار المشتقات النفطية وارتفاع معدلات التضخم إلى 11 بالمئة خلال الربع الأول من العام الحالي.

الإجراءات الحكومية لكبح انفلات الأسعار تبدو عاجزة لضعف الأدوات المتاحة للسيطرة على السوق باستثناء المادة 7 -أ من قانون التجارة والصناعة التي تتيح للحكومة تسعير المواد الأساسية. لكن هذا البند يصطدم بالنهج الاقتصادي الذي اختطه الأردن منذ سنوات، والقائم على آلية العرض والطلب.

الفشل الحكومي في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين الذين تقل دخول 75 بالمئة منهم عن 300 دينار شهرياً، يؤكده تآكل الدخول بنسبة 30 بالمئة نتيجة ارتفاعات الأسعار.

تقليص هامش الربح الذي يبالغ كثير من التجار في تقديره يشكل أحد آليات ضبط الأسعار من خلال كشف تجار التجزئة ودفعهم لتخفيض أرباحهم لا سيما في تسعير الخضار والفواكه.

المزارع مازن الحمارنة، يقدم عدداً من المقترحات لضبط الأسعار منها تطبيق المواصفات على السلع التي تصل لتجار المفّرق لا سيما أن ثلثي المنتجات التي تباع للتجار غير مطابقة للمواصفات مما يضطرهم لرفع السعر لتعويض الفاقد من البضائع.

أيضا، يقول الحمارنة إن إنشاء «أسواق للمزارعين» لبيع منتجاتهم مباشرة يخفض الأسعار بنسب تتراوح بين 20 و30 بالمئة.

كذلك، يساهم تصنيف المنتجات تبعاً لمواصفاتها، في توفيرها لجميع شرائح المجتمع كل حسب مقدرته المالية، يقول الحمارنة.

ارتفاع الأسعار مسألة ترتبط بمسببات كثيرة ليس أهمها العوامل الخارجية، فالمسببات المحلية متعددة منها: الهدر في الإنفاق، والفساد، والتشريعات والأنظمة، وتضخم الإنفاق الحكومي، وضعف الرقابة الحكومية كلها تسبب زيادة أسعار غير مبررة بنسب تتراوح بين 35 و40 بالمئة .

كما تساهم فوضى ترتيب الألويات برفع معدلات التضخم في مرحلة اقتصادية صعبة تحتاج الى وضع استراتيجية واقعية للتعامل معها، فعلى سبيل المثال تفضل الحكومة السير في تنفيذ مجمع الدوائر الحكومية بكلفة 1.2 مليار دينار على تنفيذ مشروح حيوي مثل جر مياه الديسي بكلفة 700 مليون دولار.

كذلك، يرتبط الغلاء بعلاقة غير صحية باتت تربط القطاعين العام والخاص لا سيما أنها تجاوزت مرحلة الشراكة لتصل مرحلة الوحدة الواحدة.

الخروج من الأزمة الحالية يتطلب عقد سلسة اجتماعات وحوارات وطنية مع شخصيات وطنية تعنى بالشأن العام، لا أن يكون القرار مرتبطاً حصراً بالسلطة التنفيذية، بحسب خبراء اقتصاد.

الخبير الاقتصادي، حسام عايش، يرى أن المبادرات الملكية كانت عامل كبح لمعدلات الأسعار التي ساهمت سياسات التصحيح الحكومية برفعها، إذ أجلت قرارات برفع الدعم عن الاعلاف والقمح لحين استكمال استراتيجية حكومية تصب في تجميل الواقع الاقتصادي وتحسين الأرقام بعيون المستثمرين.

ويؤكد عايش ان الأسعار في مرحلة "انفلات" ما يساهم في تآكل 35 بالمئة من مداخيل المواطنين الحقيقية.

الارتفاع غير المنطقي للأسعار يعكس تخبطاً في السياسات ومشكلة في تحديد أولويات الاقتصاد الوطني، بحسب عايش الذي يؤكد أن الأولوية الآن تتمثل في تحقيق الأمن الغذائي.

يقترح عايش، وضع خطة معاكسة لإعادة ترتيب الأولويات مع التركيز على القطاع الزراعي، ودعم المزارعين لا سيما أن مشكلة القطاع لا تكمن فيه بل في القائمين عليه الذين يعجزون عن تطويره ليكون منتجاً فاعلاً اقتصادياً.

يذّكر عايش أن جميع البرامج والخطط التنموية المحلية فشلت في تحقيق أهداف الألفية المرتبطة بتحقيق التنمية الشاملة التي ستواجه العديد من التحديات خلال العقد المقبل.

عايش يقدم مقترحات للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تلم بالعديد من الدول غير النفطية منها، على سبيل المثال لا الحصر، عقد قمة اقتصادية عربيةحول قضايا البطالة، الفقر وارتفاع الأسعار.

يطالب عايش بوجود رأي عام عربي ضاغط يدعو الدول العربية المنتجة للنفط لإنشاء صندوق لدعم الدول العربية غير النفطية مقدراً حجم مدخرات الصندوق خلال عام واحد بـ 7 مليارات دولار تتأتى من تخصيص دولار واحد لكل برميل نفط يصّدر للصندوق.

محلياً، يدعو عايش لإقامة جمعيات تعاونية تركز على المشاريع الانتاجية الزراعية والسعي لاستصلاح الأراضي بهدف التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص أيضاً تساهم بتقليص المشكلة، من وجهة نظر عايش.

الخبير الاقتصادي، مازن مرجي، يصف واقع الحال، ويقول: "ما يجري هو فلة حكم"، إذ بات الجشع، الاحتكار والطمع هو العنصر المسيطر على معدلات الأسعار.

لكنه يعزو ذلك إلى المنتفعين من الوضع القائم والذين يقدمون المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.

يشير مرجي، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها توجيهات ملكية بهذا الخصوص، لكنه يستدرك أن تكرار هذه المطالب تشير إلى تلمس جلالته إلى درجة التعقيد التي بلغها الموقف وتراجع المستوى المعيشي للمواطنين.

يوضح مرجي أن عدم فشل الحكومة في ضبط الأسعار يأتي نتيجة تشكيلتها غير القادرة على اتخاذ قرارات تصب في الصالح العام بل تركز على مصالح فئة محددة من المجتمع.

يشرح مرجي الأثر السلبي لحالة انفلات الأسعار على الأمنين الاجتماعي والاقتصادي ويقول: لا يمكن لأي حكومة أن تهمل مسألة الأمن الاجتماعي التي لا يقل الإنفاق عليها أهمية عن الإنفاق العسكري، فكلها عوامل تصب في مصلحة الأمن الشامل.

مرجي، يلفت إلى أن المواطنين ما يزالون في حالة "تلقي صدمة" لكنه لا يقلل من أثر الأوضاع الراهنة على الاقتصاد الوطني الذي يتوقع له أن يدخل حالة ركود صعبة.

الحلول المطروحة من قبل مرجي تتلخص بالعودة عن قرارات رفع الدعم عن المشتقات النفطية، إعادة الدعم للأعلاف، زيادة مداخيل المواطنين شرط أن لا تقل عن 300 دينار شهرياً، تفعيل المادة 7 - أ من قانون الصناعة والتجارة، إضافة إلى تحديد هامش ربحي معقول للتجار من خلال الكشف الحقيقي لكلف استيراد السلع، وعلى رأسها النفط.

المقترحات المتوافرة متعددة منها إعفاء التجّار من غرامات ضريبتيّ الدخل والمبيعات، وإبقاء الضريبة الأصلية لتقليص الأثر على أسعار السلع مباشرة.

الحكومة أمام تحدي ضبط انفلات الأسعار
 
17-Apr-2008
 
العدد 22