العدد 22 - أردني
 

هيا صالح

"لم تعد الصيغ التقليدية الدارجة في قطاع النشر مجدية"، هذا ما يقول به الكاتب هزاع البراري في توصيفه لواقع العلاقة بين الناشر والكاتب على الساحة المحلية، وهو رأي يتفق معه فيه كتّاب آخرون، مشيرين إلى أن عمل الناشر "يبدو مجزّأ ويتميز بمعالم غير واضحة"، فحتى اليوم ما زالت دور النشر تصنَّف في خانة المطابع التي تمارس وظائف محدودة، مكتفيةً بدور الوسيط الذي ينحصر عمله في تحويل المخطوط إلى كتاب مطبوع بالشكل المتعارف عليه، وهو أمر ينطبق على الكتب الصادرة على نفقة أصحابها، وعلى تلك التي تقف وراء إصدارها مؤسسات رسمية أو خاصة، على السواء.

هذا لا يعني تهميشاً لدور الوسيط الذي تقوم به دور النشر، فهذا الدور هو "ما يمنح النصَّ الروحَ والحياة" كما يؤكد الناشر والروائي إلياس فركوح، وذلك من خلال طباعة الكتاب وإخراجه بالشكل المطلوب.

لكن هذه الوساطة، بحسب فركوح، ليست المهمة الوحيدة المنوطة بدور النشر التي يجب عليها، قبل كل شيء، تزويد القارئ بكتاب لائق؛ كتاب يمتلك قيمةً ما بنسبة ما، ومن ثم أن لا تنشر كتاباً عديم الفائدة.

وهو ما يؤكده أيضاً الشاعر موسى حوامدة الذي يرى أنه يجب على الناشر مراعاة مستوى الكتاب وجودته، وهو يرفض مقولة إن "مجتمعنا غير قارئ" التي تسوّغ نشر الكتاب الرديء، مستبدلاً بهذا الرأي المجحف بحق القراء، مقولةَ "قدموا للمجتمع شيئاً جيداً ومميزاً وسترون أنه يقرأ.. ويقرأ". فالمسألة ليست في الكمّ، وإنما في الكيف.

هناك مهام أخرى تقع على كاهل الناشر، منها أن يوفر مسوّقاً وموزعاً للكتاب، بحيث يقوم المسوّق بمهمة الترويج للكتاب عبر وسائل الإعلام، وتنظيم حفلات التوقيع.. أي إشهار الكتاب بوسائل الإعلام المختلفة. أما الموزع فيكون حلقة وصل مباشرة بين الكتاب والقارئ، ويوفر الكتاب في المكتبات وينقله من جغرافية الطبع إلى جغرافيات أخرى.

لكن هذه المهام، وخصوصاً التوزيع، كما يرى حوامدة، لا وجود لها على أرض الواقع، إذ يُطبع الكتاب ويُعرض لسنة تقريباً، ثم "يختفي داخل المخازن والمستودعات". وهو ما يؤكده البراري، الذي يشير إلى أنه من المفترض أن يعمل الناشر على نشر الكتاب في الساحتين المحلية والخارجية، مبيناً أن ما يحدث في ساحتنا يقوم على مبدأ "ادفع تطبع"، فالناشر يحاول الحصول على كلفة طباعة الكتاب قبل المباشرة بطباعته، ثم يعمل على توزيعه، وبذلك يذهب مردود التوزيع للناشر، وهذا "خلل واضح" بحسب البراري، لأن الناشر يكون قد تقاضى كلفة الكتاب مسبقاً، لذا فالنسخ المباعة يجب أن يعود مردودها على الكاتب، على أن يحصل الناشر على نسبة معلنة أو متفق عليها. وهذا ما لا يحدث غالباً.

من جهته، لا ينكر فركوح الخلل الحاصل في عملية التوزيع، عازياً ذلك إلى أننا في الأردن لا نتوافر على وكالات أو جهات تحترف عملية الترويج والتسويق والتوزيع، وأن غالبية ما لدينا هي دور نشر قائمة على جهود فردية، بمعنى أنه لا توجد فيها أقسام واختصاصات. ويشدد فركوح على أن عملية النشر "مركبة ومعقدة"، وتشتمل على الكثير من المهام التي يقع جزء منها على الناشر، وجزء آخر يجب أن يضطلع به المجتمع، مؤكداً أنه حتى لو تم الترويج للكتاب وعرضه، فإن المشكلة، بعدئذ قد تكمن في عدم وجود طلب على الكتاب الذي قد يشكل أحياناً "سلعة خاسرة".

يُرجع البراري هذا الضعف في قطاع النشر، إلى عدم قدرة دور النشر على تحقيق مكاسب مالية تسدد كلفة طباعة الكتاب، وتعود بمردود مادي على الكاتب، بحيث يكون الكتاب قادراً على أن ينفق على نفسه دون انتظار دعم هذه الجهة أو تلك. وهو يبدي الكثير من الاستهجان والاستغراب من أن دور النشر المحلية لا تسوّق محلياً، وتركز على المعارض العربية الموسمية المحدودة.

الناشر محمد الشرقاوي يختلف مع ما ذهب إليه البراري، مؤكداً من منطلق تجربته، أن داره مثلاً توزع ما يزيد على 300 نسخة داخل الأردن في الجامعات والمعاهد والمؤسسات الرسمية والخاصة، وأنها تشارك خارج الأردن بمعدل أربعة معارض في السنة.

مأساة النشر على الساحة الأردنية، وعلاقة الناشر بالكاتب، تنسحب على الساحة العربية أيضاً التي يحكمها هي الأخرى مدى توفير تكاليف الطباعة، لا جودة المنتج والمراهنة على ربحيته بعد توزيعه، مما يعني، في المحصلة، تراكم نسخ الكتب في المخازن.

تقول د. مها العتوم التي جرّبت النشر خارج الأردن، وداخله أيضاً: "وجدت أن دور النشر المحلية جيدة، وفيها أريحية في التعامل، إذ يتمكن الكاتب من متابعة عملية إخراج كتابه وطباعته بالشكل اللائق"، مشددة من واقع تجربتها على أن "ترويج دور النشر العربية ليس أفضل من ترويج دور النشر المحلية".

أما حوامدة الذي تعامل مع دور نشر غير أردنية، وعلى وجه الخصوص، لبنانية، فيرى أن مشاكل الطباعة في لبنان هي نفسها في الأردن، لكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن عملية التسويق في لبنان تتسم بالاحترافية والخبرة.

ثمة اتفاق على أن عثرات النشر وارتباكاته تطاول الكاتب الذي لا يتعب لإخراج كتاب جيد، والناشر الذي قد يلجأ إلى حسابات الربح والخسارة وحدها، والمجتمع الذي يركض وراء اقتناء الكتب التي لا تضيف له شيئاً.. وتحضر هنا حادثة وقعت مع الكاتب العراقي سنان أنطون الذي أشار في أحد ندوات الترجمة، وأمام جمهور أغلبه من غير العرب، إلى دفع الكاتب العربي مبلغاً من المال للناشر حتى يخرج كتابه إلى النور. ضحك جمهور الندوة، لأنه يفهم أن الكاتب هو من يُدفع له..

هذا ما يضغط جدّياً باتجاه التفكير وإعادة التفكير، في العلاقة التي تبدو "غير سويّة" بين الكاتب والناشر، ومن ثم إزالة المقولة الشائعة بأن الناشر يستغل الكاتب. ولعل هذا لا يأتي إلا عبر تحفيز، ربما بدأت بوادره بتأسيس جائزة "بوكر" العربية، كما يرى فركوح.

فما دام أن الروايات المرشحة من المحتمل أن تفوز بجائزة مالية (10 آلاف دولار للقائمة الصغرى، و60 ألفاً للقائمة الكبرى)، وستحظى بفرصة ترجمتها للغات عالمية، فإن الاتفاق بين الكاتب والناشر قد يتم على أساس أن الفوائد المالية المترتبة على فوز الرواية تُقتسم بنسبة معينة بين الطرفين، وفي هذا تحفيز للناشر على أن يبحث عن النص الجيد وينشره ليرشحه ويستفيد منه مادياً ومعنوياً، ومن ثم توقفه عن مطالبة الكاتب بكامل كلفة الكتاب ما دام يطالب بجزء من ربح الجائزة، وهو ما سيقلص عدد الناشرين الذين يطالبون الكتّاب بدفع كلفة طباعة كتبهم، ومن جهة أخرى فإنه سيتاح للكاتب اختيار الناشر الذي يقدّره بشكل لائق، ويعامل إبداعه باحترام أكبر.

هذه بادرة قد تساهم في إرساء قواعد علاقة حضارية واضحة المعالم بين الناشر والكاتب تنظر إليهما بوصفهما شريكين معاً في صناعة الكتاب، وتلبي بعضاً من طموحات الكتاب التي ليس أقلها، كما يأمل البراري، أن تعمل دور النشر من خلال اتحاد الناشرين على صناعة قوة توزيعية داخلية وخارجية للكتب المحلية، وأن يكون هذا التوزيع كبيراً بحيث تتم طباعة أكثر من ألف نسخة من الكتاب الواحد، وبهذا فقط يمكن إخراج الكاتب الجيد واستثناء غير الجيد، حيث قوة الطلب على الكتاب هي الفيصل، وليس توافر كلفة الطباعة.

بينما تأمل العتوم أن تتخذ العلاقة بين الكاتب والناشر صفة الديمومة والاستمرارية، حتى يعرف الكاتب ماذا حل بكتابه، وما هو حجم الطلب عليه، وكيف تم توزيعه، وهل لقي قبولاً أم لا؟.

ألم يحن الوقت لنودّع مقولة “ادفع.. تَطبع”؟..
 
17-Apr-2008
 
العدد 22