العدد 22 - ثقافي
 

بعد توقف طويل عقب كتاب كارل إل براون المهم "السياسة الدولية والشرق الأوسط (برنستون، 1984)، شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً من جانب العلماء بالعلاقات الدولية والشرق الأوسط. ويبدو أن الدورة الجديدة من الاهتمام قد نشأت عن انهيار الاتحاد السوفييتي بوصفه قوة عظمى، واستجابة مباشرة لآثار فترة ما بعد الحرب الباردة على الشرق الأوسط.

وقد كرست سلسلة من الدراسات لتحليلات تفصيلية لما بعد الحرب الباردة وللوضع في المنطقة بعد أزمة الكويت، الذي ثبت أنه غني بالتفاصيل، ولكنه ربما كان ضحلاً بما يتعلق بالنقاشات النظرية.

على أي حال، فإن أعمالاً نشرت بعد العام 1990، تشير إلى اهتمام أكثر عمقاً بإضفاء جانب نظري للسياسة الدولية للشرق الأوسط. وقد أسهم تلحمي وبارنيت (2002)، وبراون (2001) واحتشامي وهينيبوش (2002) وفوسيت (2005) من خلال عدد من المجلدات المحررة، في إثراء الخطاب النظري، وإثارة أفكار جديدة، واختزال عزلة الدراسات الشرق أوسطية في أبحاث علم الاجتماع التي قدمها هينيبوش (2003) وهاليداي (2005) وأضافت ثقلاً جديداً للنقاشات المتجذرة علمياً، في كتابين ممتازين ألف كل منهما مؤلفاً واحداً حول العلاقات/السياسة الدولية للمنطقة. مع مثل هذا العدد من الأعمال، التي وضعت أخيراً حول هذه الموضوعات التي نشرت في المملكة المتحدة، فإن هاليداي قد ذهب بعيداً بحيث أشار إلى أن "مدرسة إنجليزية" حول العلاقات الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا تنتعش الآن.

حين يتعلق الأمر بهذا الاتجاه، فإن كتاب نونمان الجديد ليس استثناء، بل إن نسخته المحررة تضيف مزيداً من العمق إلى الأدبيات الغنية، حول العلاقات الدولية للشرق الأوسط. ونقطة البداية لديه هي: كيف يمكن لأحد أن يفهم في صورة أفضل سياق صنع السياسة الخارجية في الشرق الأوسط؟ بهذه المهمة، فإنه يرمي إلى تعزيز الجسر الموصل بين الدراسات الخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبين العلاقات الدولية. وهو يدافع عن "منهج لدراسة السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتجذرة في "نموذج (انتقائي) معقد للسياسة الدولية" (ص 7) وهذا يتضمن ما هو متعدد المستويات ومتعدد الأسباب، كما يتضمن التفسيرات السياقية في إطار تقاليد تحليل السياسة الخارجية. ومن نقطة البداية هذه يرتاد المساهمون في هذا الكتاب محددات السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويحيلونها إلى العلاقة مع أوروبا – إلى الاتحاد الأوروبي تحديداً. ومن خلال دراسة حالة إلى أخرى (مصر، وسورية، ولبنان، والمغرب، وتركيا، وإيران، بلدان مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط)، يختبر تجريبياً النموذج المفهومي الذي يبرز في أول فصلين في الكتاب، ويغتني النقاش حول العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في صورة كبيرة.

ويختلف تركيز دراسات الحالة في صورة ملحوظة، ما يعكس أهمية قرب دولة معينة من الاتحاد الأوروبي. لذا فإن هنالك قليلاً من الاتساق في مجموعة البراهين المادية المقدمة في كل من الفصول، ما يضيف مزيداً من الثراء على الكتاب. وهكذا فإن الفصل الخاص بإيران والذي وضعه موشافر مكرس للمشاحنات السياسية بين طهران والاتحاد الأوروبي منذ أواخر الثمانينيات، في حين أن دراسة "جاد" الخاصة بعلاقات مصر بالاتحاد الأوروبي تبرز وطأة التاريخ الاستعماري، على العلاقة والمأزق الاستراتيجي المعروف باسم الصراع العربي الإسرائيلي. وهكذا فإن أهمية البرهان في كل من الحالات المدروسة تقول لنا الكثير عن السياسة الخارجية للعوامل الأساسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك عن القوة النسبية للاتحاد الأوروبي في تعاملاته مع "جاره القريب" الفريد.

لو كان لي أن أقترح تعديلاً محسناً للكتاب، فإن ذلك سيكون تضمينه فصلاً عن إسرائيل، لعله يضيف بعداً مختلفاً تماماً للحالات المدروسة. فعلاقات إسرائيل المعقدة مع الاتحاد الأوروبي، في سياق تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، كان من شأنها أن توفر لنا تجربة مثيرة للاهتمام حول الإطار المفهومي للدراسة، التي تضع صنع السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إطار العالم النامي. فلو لم تكن إسرائيل حالة للدراسة لبلد نامٍ، فكيف للمرء أن يقيم سياستها الخارجية ودورها الإقليمي وعلاقاتها. وأي دور تلعبه في بلورة السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ غير أنني أبتعد عن الموضوع، فلب الموضوع ما زال هناك، والكتاب يكشف النقاب عن نواة متماسكة في قلب بنيانه. وهكذا فإن لدينا كتاباً ممتازاً آخر حول الاهتمام الجاري في العلاقات الدولية لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي الوقت الذي تزداد فيه الأدبيات الخاصة بدور العالم الخارجي في هذه المنطقة، فإننا نقع على فرصة حقيقية لتطوير أبحاث مقارنة متعددة الجوانب ومثيرة للاهتمام. وفي الوقت الذي تنمو فيه "المدرسة الإنجليزية" في دراسة العلاقات الدولية لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإننا ننتظر متوقعين تطوير استجابات للمناهج والأطر المفهومية في هذا الجانب من الأطلسي.

مزيد من العمق ينقصه تخصيص فصل عن إسرائيل
 
17-Apr-2008
 
العدد 22