العدد 22 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

بـ"الروب الأبيض" ومبضع الجراح يتصدّى لمعالجة المشكلات الإدارية، حتى صار علماً في وزارة الصحة باعتباره "رجل المهمات الصعبة".. و ربما لو لم يلق المسن علي الحفناوي حتفه بالمستشفى الذي يديره ، لظل اسم الطبيب طي التداول في اروقة الوزارة ومقالات متناثرة في الصحف.

ولد مدير مستشفى حمزة، سامي الدليمي، في جبل الجوفة عام 1952 لأب عراقي، يعمل سائق شاحنة، وقد أحب الأردن، فقرر الاستقرار في عمان ابتداء من 1939.

درس الابتدائية في مدرسة عبد الرحمن الغافقي، وأكمل دراسته الإعدادية في مدرسة الأمير الحسن ثم انتقل لمدرسة منصور كريشان في ماركا الجنوبية، ومن ثم مدرسة الأقصى حيث أكمل دراسته الثانوية.

تفتحت عيناه في طفولته المبكرة على عيادة الدكتور أنيس إيراني، الذي كان صديقاً لوالده. ولطالما أمضى ساعات فيها، وخصوصاً في العطلة الصيفية، فاستهواه الطب وتعلم زرق الأبر ولما يخط شاربيه بعد.

«وما يزال مديناً للدكتور الإيراني الذي يعده مثالاً أعلى له، لأخلاقه الحميدة ومعاملته الطيبة للناس» بحسب ما يروي مقرب منه.

طرقت المعاناة والظروف الصعبة باب العائلة مبكراً، فقد أصيب الوالد بشلل نصفي أقعده البيت، ما أضطره لمساعدته في قيادة الشاحنة. إلا أن حلم «المريول الأبيض» الذي راوده كان حافزه الى تخطي الصعاب.

وعيه السياسي تفتح على الوحدة بين مصر وسورية، وقد تشرب مبادئ الثورة العربية الكبرى ، وسعي الشريف حسين بن علي الى إقامة دولة العرب.

تركت هزيمة عام 1967 ونزوح الفلسطينيين أثراً كبيراً في شخصيته ترافق مع إحساس بالظلم والافتقاد للعدالة، ما دفعه الى التعمق في دراسة القضية الفلسطينية والعودة للتاريخ حتى صار دارساً له.

وصل الدليمي الى روما في مستهل العام 1970، وانهمك هناك بدراسة الطب بمعونة أسرية شهرية تبلغ 15 ديناراً، كانت على قلتها تشكل عبئاً مادياً على والده، ما دفعه الى استغلال أيام العطل في العمل. وأمكنه أن يجمع من عمله خلال العطلة الصيفية ما يفي بتكاليف دراسته لعام كامل. ولاحقاً.. حين كان في السنة الخامسة من دراسته أصبح يرسل لذويه 30 ديناراً.

أنهى دراسته في العام 1977 في الوقت المقرر ، وتمكن بفضل عمله ومثابرته من إكمال التخصص في الرعاية الصحية والعمل في مجاله أيضاً.

ثم عاد الى عمان التي "هي دائماً في القلب" تسبقه آماله وتطلعاته وصورة «المريول الأبيض» الذي آن له أن يرتديه.

التحق منذ العام 1980 بوزارة الصحة وعين في مديرية الأمراض المعدية في معان، انتقل بعدها الى مادبا حيث وقع في هوى فتاة «مادبوية» ولم يلبثا أن اقترنا في العام 1982، وكونا أسرة من ستة أولاد وبنتاً واحدة أكبرهم حمزة الذي سار على خطى أبيه دارساً لطب الأسنان.

تقول «أم حمزة» إن زوجها كان يفضل عمله على أولاده، «كثيراً ما غادرنا ملبياً نداء الواجب تاركاً بيته في أوقات الأعياد وأولاداً أحياناً بحاجة الى طبيب».

نقله وزير الصحة زيد حمزة عام 1987مرة أخرى الى معان، وفوجئ الوزير بحسب ما يروي «بوفد من الاخوان المسلمين برئاسة المرحوم أحمد قطيش الأزايدة يزورونه في مكتبه، ويطلبون، بعد أن أطنبوا في مدح الدكتور الدليمي بأن يعدل عن قرار نقله الى معان».

ويضيف حمزة:«الرجل يستحق المدح، فهو مثال للطبيب اللامع والإداري الناجح».

في معان التي تكتنز ذاكرته العديد من العلاقات الطيبة مع أهلها، زاره في العام 1989 وزير الصحة في حكومة الأمير الراحل زيد بن شاكر زهير ملحس، وكان يعرفه قبلاً، ويعرف أنه أول طبيب واكب مسيرة الأردن في مجال الرعاية الصحية، ملحس أسند اليه منصب مدير الرعاية الصحية.

يشرح ملحس أن «استقامة الدليمي وشهامته ومثابرته لافتة ، طيب المعشر، يعمل بجد وإخلاص». ويتفق معه وزير أخر هو مصلح الطراونة الذي يراه "متفان في عمله، مستقيم ونشيط".

في العام 1990 أوفدته وزارة الصحة من ضمن فريق لمنظمة الصحة العالمية لتقييم وضع اللاجئين الأفغان في باكستان، ثم عمل مستشاراً للمنظمة في العراق، ليعود في العام 1993 مساعداً لمدير صحة العاصمة. غير أن المنظمة الدولية طلبته مرة أخرى، فذهب في مهمة إنسانية أخرى الى بلاد الأجداد، عاد بعدها مديراً لصحة العاصمة حتى العام 1999. ونقل بعدها مديراً لصحة البلقاء حيث بقي على رأس عمله حتى العام 2001.

تنقل بعدها في العديد من المناصب حتى تولى رئاسة اللجنة الطبية العليا حتى عام 2006 ، نقل بعدها مستشاراً بلا صلاحيات للوزير بسبب «موقفه الرافض لعلاج حالتين في الخارج، كان يرى أنهما لا تستحقان» بحسب موظف واكب مسيرته العملية.

يرى مسؤولو الوزارة أن مستشفى الزرقاء كان حالة ميؤوساً منها، حتى أرسل الدليمي اليه، «بذل الدكتور سامي جهداً خارقاً في المستشفى، وكان يصل الليل بالنهار، غير أن الإمكانيات كانت أقل من أي مستوى» يقول الدكتور حسن حسنين الذي رافقه سنوات طويلة.

ويضيف: "زاملته 17 عاماً، ودوماً كان متميزاً ومستقيماً بعمله، نشيطاً ومواظباً ويعمل حتى في أيام العطل، بل ويعمل أحياناً على حساب بيته، وفضلاً عن ذلك يمتلك خبرة إدارية كبيرة".

عندما زار الملك عبد الله الثاني المستشفى في أيار 2007 وسأل مديره دليمي عن حاله، أجاب بصراحة "المستشفى متهالك يا سيدي، ولا بد من الإسراع بتوجيهات جلالتكم بإنشاء مستشفى آخر".

في تشرين الأول/ أكتوبر 2007 نقل الدليمي مديراً لمستشفى الأمير حمزة الذي كان يعاني أيضاً من معضلات كبيرة وتحديات أكبر.

استطاع خلال عمله فيه أن يرفع نسبة الأشغال من 41 بالمئة الى 66 بالمئة، كما شجع الأطباء على القيام بالأعمال المميزة، فتم زرع 30 قرنية و8 قواقع لآذان المرضى بنجاح، ورغم انجازاته في هذا المستشفى، فإنه تعرض للتوقيف على خلفية قضية وفاة "الحفناوي" الذي عثر على جثته بعد يومين من اختفائه في غرفة تابعة لقسم الاشعة.

"لا يوجد مدير في وزارة الصحة تنقل بقدر الدكتور الدليمي، أو تعرض للغبن مثله، ولو لم يكن عراقي الأصل لكان وصل الى أعلى المناصب. فمشكلتنا أننا نشتم سايكس بيكو كل يوم، وفي صدورنا ألف سايكس وألف بيكو". يعقب طبيب رافق الدليمي على مسيرته. على ان طبيباً آخر يؤكد «أن مصاهرة الدليمي لوزير سابق، مكنته من بناء حظوة لدى صانع القرار».

.. لا يملك المثال أن يوجد مادة يشكلها، ولا الكاتب حين يضع نصب عينيه ميزان الحيدة والموضوعية أن يغير في الحقائق، ولا ان "يزوق" البشع أو يسيء الى الجميل ليقدمه وجبة من العسير هضمها. وحسبنا أن مسؤولا لديه موقف من الدكتور الدليمي، رفض التعليق بقوله "إذا سئلت عنه أو سئلت عن عريس، لا أملك أن أنطق بغير صفاته الحميدة، تاركاً الأخرى جانباً".

سامي الدليمي: حلم “الروب الأبيض” يتحقق ولكن..
 
17-Apr-2008
 
العدد 22