العدد 22 - أردني
 

نهاد الجريري

أيمن ممرض قانوني تخرج من كلية تمريض الجامعة الأردنية في تموز 2007، وهو يعمل حالياً في محل لبيع الوجبات السريعة براتب 140 ديناراً شهرياً.

يقول أيمن الذي يسكن في مدينة الزرقاء إنه قدم طلبات للعمل إلى جميع المستشفيات الخاصة في الزرقاء وعمان، ولكنه لم يحصل على وعد بمرتب يزيد على 150 ديناراً في كل منها، ما اضطره إلى أن ينتظر التعيين من ديوان الخدمة المدنية ورقمه في "الدور" ما يزال 216.

زميلته نيفين التي تخرجت في الدفعة نفسها تعمل منذ أكثر من شهر في مستشفى الشونة الجنوبية، بعد أن عملت فترة في مستشفى خاص.

هاتان القصتان ليستا مجرد أرقام في سجلات وزارة الصحة أو نقابة الممرضين، فهما تختزلان المتناقضات والمفارقات التي تلخص أزمة قطاع التمريض في المملكة.

بطالة!

الشائع بين الناس أن هنالك عجزاً في الكوادر الطبية في المملكة، وعلى رأسها التمريضية، غير أن نقيب الممرضين محمد حتاملة يقول بغير ذلك، فهو يؤكد أن القطاع يعاني من بطالة.

حتاملة يقول إن البطالة في قطاع التمريض هي "مشكلة مصطنعة" ويشرح قائلاً: إن حاجة المملكة من الممرضين والممرضات هذا العام تصل 2000 ممرض وممرضة، وذلك بناء على ما هو موجود لدينا من أرقام تشير إلى أن هنالك في مستشفيات المملكة 11 ألف سرير تحتاج إلى 12100 ممرضا وممرضة لخدمتها. غير أن العدد الحقيقي للعاملين في قطاع التمريض لم يتجاوز إلى الآن 10 آلاف شخص.

في المقابل، تشير سجلات نقابة الممرضين إلى وجود 655 طلب استخدام لديها، فيما وصل العدد في ديوان الخدمة حتى منتصف آذار/ مارس الماضي 1368 - مع مراعاة أن عدداً ممن يشملهم هذا الرقم يعملون حالياً في مستشفيات خاصة.

ويرجع حتاملة هذا الخلل بين العرض والطلب -إن جاز التعبير- إلى "سوء الإدارة". يقول: "طلبنا في أيلول الماضي تعيين 1350 ممرضاً وممرضة، لكن وزارة الصحة اكتفت بتعيين 350 ممرضاً قانونياً ومشاركاً، ولاحقاً طلبنا تعيين 1000 ممرض ولم نحصل على رد إلى الآن."

قاسم نعسان، مدير التوظيف في الوزارة، يقول إن "الوزارة تعمل بحسب الشواغر التي توفرها لها وزارة المالية وتترجم، في نهاية الأمر، إلى مخصصات مالية،" ما يعني أن هذه الشواغر قد لا تتطابق مع الاحتياجات الفعلية للوزارة.

لكن النقص، بحسب نعسان، يظل في الممرضات، فهناك "اكتفاء في الممرضين على مستوى المملكة"، كما يقول.

وبالعودة إلى سجلات نقابة الممرضين نجد أن طلبات العمل المقدمة من الذكور بلغت 1179 طلباً مقابل 189 طلباً تقدمت بها إناث.

نعسان يفسر هذا الفارق بأمرين، الأول: أن "الممرضة تستطيع أن تعمل في أي قسم من أقسام المستشفى، أما الممرض فعمله محصور في أقسام الرجال." أما الأمر الثاني فيتعلق بالارتفاع "الهائل" في أعداد الخريجين من الذكور مقابل الإناث. إذ بلغت النسبة، بحسب نعسان، 60بالمئة ذكوراً مقابل 35بالمئة إناثاً. وعام 2000 وصل عدد الخريجين الذكور 154 مقابل 250 خريجة؛ لكن المعادلة اختلفت كلياً عام 2007 إذ وصل عدد الخريجين إلى 914 مقابل 480 خريجة.

حتاملة يعزو هذا الأمر إلى انتشار كليات التمريض في الجامعات الخاصة تحديداً، ويشير إلى وجود 15 كلية منها ثماني خاصة وسبع حكومية. ويشرح أن "الفتيات في الغالب يكن أقل قدرة على تحمل نفقات الدراسة من الذكور." هذا الأمر حدا بكلية التمريض في الجامعة الأردنية إلى استحداث نظام جديد في 2006 / 2007 لتدريس الإناث فقط، يكون موازياً للتمريض العام الذي يضم الذكور والإناث.

ويبدو أن وزارة الصحة قد تنبهت إلى انتشار البطالة بين الممرضين الذكور، وبخاصة أن المستشفيات الخاصة مثلاً تطالب المتقدمين بخبرة لا تقل عن سنة!.

مصادر في "الصحة" قالت إن الوزارة بصدد دراسة إمكانية تشغيل 400 ممرض في مستشفيات عامة مثل مستشفى الأمير حمزة بأجر رمزي يفي "بالمصاريف" وذلك حتى يكتسبوا الخبرة اللازمة.

انخفاض الطلب على الممرض الأردني

بالرجوع إلى مسألة اكتظاظ كليات التمريض، يقول حتاملة إن "هذا الأمر يؤثر في نوعية التدريب والتعليم التي يجب أن يتلقاها الممرض، الأمر الذي ينعكس تباعاً على فرص التعيين والكفاءة."

حتاملة يشير تحديداً إلى تدني الطلب الخارجي على الممرض الأردني بسبب "تدني كفاءته." ويعتبر أن "اغتراب" الممرض أمر محبب – "فهو من ناحية يفيد في تعميق خبرة الممرض، ومن ناحية أخرى يدر على البلد دخلاً من العملات الأجنبية." بحسب حتاملة، فإن حوالات الممرضين الأردنيين العاملين في الخارج –وعددهم 4503 – وصلت 35 مليون دينار العام الماضي.

التمريض والقطاع الخاص

يعتبر حتاملة أن المستشفيات الخاصة مسؤولة عن جانب من البطالة في التمريض. ويقول "من المستشفيات الخاصة من يسمح بتشغيل طلبة براتب أقل أو يسمح بنظام الورديات المتواصلة، أيضاً براتب أقل." كما تسعى بعض المستشفيات إلى تشغيل ممرضات أجنبيات وعربيات. حتاملة يقدر عدد الممرضات الأجنبيات في القطاع الخاص بنحو 1000 ممرضة براتب متوسط مقداره 300 دولار (210 دنانير). فيما تبلغ رواتب الممرضين والممرضات الأردنيات في حدها الأدنى 250 ديناراً في القطاع الخاص، و280 ديناراً في القطاع العام.

لكن فوزي الحموري، رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، يقول: إن عدد الممرضات الأجنبيات يتراوح بين 350 و 450 وإن السبب في استقدامهن هو "عدم توافر ممرضات أردنيات." ويشير الحموري إلى أن خللاً أصاب معادلة التعيين في المستشفيات الخاصة في الفترة الأخيرة، إذ وصلت نسبة الممرضين 60بالمئة مقابل 40بالمئة للممرضات؛ علماً بأن المقياس العالمي يحدد نسبة الإناث بنحو 70بالمئة مقابل 30بالمئة للذكور، ذلك أن بعض الأقسام لا تقبل ممرضين مثل النسائية والخداج والأطفال.

ولتحقيق التوازن، قال الحموري إن المجلس التمريضي الأردني اتفق أخيراً مع وزارة التعليم العالي على تحديد نسبة المقبولين في كليات التمريض الأردنية بحيث تكون 60بالمئة للإناث و40بالمئة للذكور.

هذا، إذاً، هو سر التناقضات التي تشوب قطاع التمريض في الأردن. ويبدو أن المسؤول الأول عنها هو عدم وجود قنوات اتصال – في كثير من الأحيان- بين الجهات المعنية بتنظيم هذا القطاع: وزارة الصحة من جهة، ووزارة التعليم العالي من جهة أخرى، ووزارة العمل من جهة ثالثة، ونقابة الممرضين من جهة رابعة. لكن المفارقة الأكبر ربما كانت في نية النقابة الدعوة إلى مؤتمر دولي في أيار المقبل بهدف إتاحة المجال أمام الممرضين والممرضات "للحصول على عقود عمل في الخارج."

التمريض.. بطالة أم اكتفاء؟ تلك هي المسألة
 
17-Apr-2008
 
العدد 22