العدد 22 - أردني
 

تبدو بعض العائلات الأردنية وكأنها تعلن "حالة الطوارئ" كلما تردد منها فرد على مستشفى البشير لأي سبب كان؛ فيتوجه أفراد كثر من عائلة المريض إلى المستشفى ويشرعون في انتظار كأنه لا ينتهي في يوم من أيام البشير.

مع الانتظار ثمة حالة عامة من الشعور بالانكسار – هو أقرب إلى المريض أو المراجع - مرده إلى فجوة شاسعة من "سوء الفهم" بين "زائر البشير" والكادر الطبي والإداري فيها. لكن هذا ليس سوى جانب واحد من جوانب سوء الفهم الذي يمكن ملاحظته أيضا بين الطبيب والإدارة، الممرض والطبيب، وموظف الخدمة والطبيب.

في مبنى العيادات الخارجية الذي يضم 38 وحدة، يبدأ المراجعون بالتوافد منذ السابعة صباحا حتى "يحجزون دورا" لهم في طابور الانتظار. سيدات يحضرن أطفالهن حتى الرضع منهم لأن "مشوار البشير" لا يمكن أن ينتهي في ساعة أو ساعتين. كما يحضرن معهن وجبات الإفطار. فلا تكاد تخلو قاعة من فتات الفلافل وكسرات الخبز الناشف.

2000 مراجع يومياً

أكثر من 75 بالمئة من المراجعين المقدر عددهم بألفين يوميا هم من النساء والعجزة والأطفال. منهم من يفترش الأرض أو الدرج لعدم توافر المقاعد الكافية، فتبدأ ملامح صورة بائسة في التشكل لأكبر مستشفيات المملكة وأكثرها اكتظاظاً.

تكتمل صورة البؤس حين يتحول أي طلب من جانب الزوار إلى مشادة كلامية مع الممرضات اللواتي يمكن القول إنهن يفتقدن الخبرة في التعامل مع المراجع، فتكثر مشادات يكون فيها المريض "الحلقة الأضعف"، ببخاصة لدى وقوع حالات تجاوز في "الطابور" لجهة محاباة صديق أو معرفة.

الممرضة وردة تقول إن نقص الكوادر يكون على حساب "الكلمة الطيبة" ومراعاة وضع المرضى. وتضيف: "لا أستطيع كممرضة أن أستوعب 100 مريض يتوافدون على عيادة واحدة". طبيب أعصاب، يرفض الكشف عن اسمه، يضيف أنه "لا يستطيع أن يستوعب كيف يمكنه أن يعالج 120 مريضا في يوم واحد". ويقول: "بعد المراجع رقم 30 أبدأ بالتفكير في طريقة للتخلص من المراجعين من خلال الفحوص السطحية ووصف الأدوية التي لا تضر ولا تنفع".

مدير المستشفى عبدالهادي البريزات، يرى أن المراجع يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الخلل في العيادات الخارجية. ويقول "يصر المراجعون على الانتهاء من معاملاتهم في الفترة الصباحية (من 8:30 - 12:30) علما بأن الفترة المسائية (13:30 - 16:00) تكون أقل ازدحاما". وبينما يؤكد دماثة خلق غالبية الكوادر، يرى البريزات أيضا "أن التعامل الحسن مع المريض أمر لا يمكن فرضه بقدر ما يكتسبه الفرد من بيئته وتربيته الخاصة".

البريزات، الذي تسلم منصبه قبل شهر ونصف، يعتبر أن الحل الأمثل لهذه الأزمات يكمن في "إصلاح شامل لنظام المراجعات". ويشرح أنه "سيبدأ مطلع أيار/مايو المقبل بتطبيق نظام توزيع المراجعات ضمن الفترة الواحدة لتجنب الزحام والضغط".

وينفي الجرّاح المتخصص على مستوى العالم العربي وجود نقص في الكوادر. لكنه في الوقت نفسه يقر بعدم كفاءة بعض الكوادر التمريضية الجديدة. ويلقي باللائمة على "نوعية الخريجين الجدد في الجامعات الخاصة تحديدا."

لكن عصام الشريدة رئيس قسم النسائية والتوليد في البشير يرى أن "النقص في الكوادر مسؤول في ناحية عن نقص الخدمات الفندقية، وفي بعض الأحيان عن سوء التعامل الذي قد يشعر به المراجع".

يؤكد الشريدة أن "الأولوية تعطى دائماً للناحية الطبية والعلاجية. أما التعامل والخدمات الأخرى فتحتل مركزاً ثانوياً في ظل هذا النقص". ويصر الشريدة على أن المستوى الطبي للبشير يضاهي أفضل المستشفيات في العالم. أما المستوى الخدمي فيظل دون المطلوب.

ردود الشريدة جاءت على ملاحظات أوردتها «ے» عن قسم النسائية والتوليد الذي يحوز على 40 بالمئة من مجمل أعمال البشير اليومية، بحسب الشريدة.

خدمات خاصة

في إحدى الغرف، ترقد أم يزن على سرير غطي بنصف ملاءة وشرشف تشقق في أحد جوانبه، وتوسدت مخدة اسفنجية عتيقة. أم علاء، على مقربة منها، أحضرت معها ملاءة ووسادة خاصتين. أما أم منة، فتقول إنها لم تستطع تناول أي من وجبات الطعام التي قدمت لها لأنها كانت باردة. لذلك اكتفت "بسندويشة شاورما" أحضرها زوجها لتسد رمقها.

أم بيسان تحدثت عن معاناتها طوال الليلة السابقة عندما لم تجبها أي ممرضة تعطيها ما يسكن ألم المغص الذي ألم بها. وتقارن أم بيسان بين ولادتها تلك وولادة سابقة في مستشفى خاص، حيث "كانت الممرضات يقمن بجولات منتظمة" للاطمئنان على حالها وتلبية احتياجاتها. وهنا يؤكد الشريدة أن الممرضات ينتظمن في جولاتهن، كما يؤكد توافر الأغطية والشراشف. أما عن نوعية الطعام، فيقول إن المستشفى يعد وجبات لأكثر من 1500 شخص من مرضى ومرافقين وعاملين – ولا بد في هذه الحالة من أن تصل وجبة أو اثنتان وهي باردة.

لا شك في أن أحوال البشير تغيرت في السنوات الأخيرة – إلى الأفضل،

فمن يعرف البشير قبل خمس سنوات، سيرى الفرق من حيث إعادة تنظيم الأقسام وتجميع ذات العلاقة منها في مجمعات خاصة، بالإضافة إلى رفع مستوى النظافة في أقسام المستشفى- وإن كان ما يزال دون المطلوب. لكن ما بقي على حاله هو شعور المريض/المراجع/الزائر بأنه معرض دوما لمزاجية الطبيب أو الممرض في التعامل. فالأول يعتبر نفسه مغلوبا على أمره بسبب هشاشة وضعه الاقتصادي. فهو في النهاية غير معني بنقص الكوادر والإمكانيات وما يطالب به هو حقه في العلاج. أما الأخر، فيعتبر أن ما يقدمه يفوق إمكانياته كإنسان أو طبيب أو ممرض.

أطباء.. وممرضون

لدى دخولي قسم الإسعاف والطوارئ، كان الممرضون الثلاثة المناوبون يحتلون الجانب الأيمن من القاعة يشربون الشاي والنسكافيه، ويتندرون على الزواج و»الهجرة إلى كندا»، فيما انشغل الأطباء الخمسة المناوبون بمداواة المراجعين وإملاء الاستمارات الخاصة. أما مرافقو المرضى فتولوا مهمة نقل المريض إلى التصوير مثلا – حتى إن أحدهم كان يحمل السائل الوريدي- الخاص بمريضه بيده. وقد بادر بعضهم إلى رفع المريض من سرير إلى آخر بغض النظر عن حالته التي قد تكون هشة. الدكتور موسى يقول إنه «لا يستطيع كطبيب أن يفرض العمل على الممرض «لأن هذه سياسة مستشفى». وعلى بعد عدة أمتار، كانت قاعة المراقبة وأسرتها الخمسة بشراشفها غير النظيفة الملوثة ببقع دم. سألت الممرض المناوب عن ذلك فقال: إن ثمة «نقصا في الشراشف» فلا يستطيعون استبدالها كلما اتسخت.

في حضرة الوفد

في قسم النسائية والتوليد صباح السبت 12 /4 /2008، حدثت مشادة كلامية كان فيها المريض أو الزائر هو الخاسر. إذ أصرت إدارة القسم على تأخير موعد الزيارة 40 دقيقة لأنها تصادفت مع زيارة «وفد» تبين لاحقا أنه من منظمة الصحة العالمية.

وبعد ذهاب الوفد اضطر الزوار إلى الانتظار خارجا مرة أخرى، لأن الطبيبة المناوبة طلبت من «الأمن» إخراجهم حتى تنهي الكشف على المريضات.

***

"المستشفى" في السلط.. لم يتبق منه سوى الاسم

السّجل-خاص

«مكرهة صحية لا مستشفى» جملة واحدة تشخص حالة مستشفى الحسين الوحيد في السلط، الذي تأسس عام 1964، وبدأ مستوى الخدمات فيه بالتراجع في السنوات الماضية نتيجة الازدحام ونقص الإمكانيات.

ما إن تدلف من باب غرفة الطوارئ حتى تلحظ طوابير المراجعين وتستشعر تدني مستوى الخدمات، سوء المعاملة، وظروف العمل الصعبة وسط حالة من الإحباط لدى الأطباء والممرضين والمرضى على حد سواء.

طبيب الجراحة العامة، محمد عبد الفتاح غنيمات، يقول: إن المستشفى «يعاني منذ سنوات من مشاكل عديدة لكن شكاوى العاملين فيه لم تلق آذاناً صاغية لدى المسؤولين الذين يزورون المستشفى في زيارات بروتوكولية دون الاطلاع عن كثب على وضعه السيء».

التجول في مرافق المستشفى «يكشف نقصاً كبيراً في الأدوات وتراجعاً في مستوى الخدمات». فالمستشفى، الذي يعنى ب 200 ألف نسمة، لا يتوافر فيه سوى غرفة واحدة للعمليات، إذ إن اثنتين منها معطلة منذ أربعة أشهر.

يعاني المستشفى- الذي حدّث آخر مرة في نهاية الثمانينيات ويخدم سكان السلط، البقعة، وعين الباشا- من نقص في الكوادر الطبية، إذ يفتقد لأطباء تخدير، اختصاصي قلب، جراحة أعصاب، وجراحة أطفال.

كذلك، يفتقر قسم الجراحة النسائية إلى ستائر بين الأسرّة، ما يوقع المريضات في حرج شديد أثناء زيارة الأهالي، الأمر الذي يؤدي الى وقوع مشاحنات ومشادات كلامية بين بعض الزوار وموظفي وممرضات المستشفى.

المريض هو الحلقة الأضعف، حسبما يقول غنيمات، كونه يتيه بين الإدارة، وعيادات الاختصاص، والطبيب المسؤول. يتلقى "المرضى، في بعض الأحيان، معاملة سيئة من بعض الأطباء الذين تنقصهم الخبرة، ويتعاملون معهم بفوقية غير مبررة".

مشكلة المستشفى لا تكمن فقط في القوى العاملة فيه بل تتعداها لتطال مستوى النظافة المتدني لدرجة غير لائقة، إذ تتواجد القطط والفئران في كثير من مواقعه.

المستشفى، برغم الضغط الكبير في مستوى العمل، يخضع للصيانة كل ثلاثة أشهر- وهي فترة طويلة تعطل خلالها العديد من المعدات وينحدر مستوى النظافة في غرف المرضى.

الأطباء ليسوا أحسن حالاً. فالسكن المخصص لهم يعاني من أعطال دائمة في شبكات الصرف الصحي والمياه حتى إن بعضهم يضطر للمبيت في مصلى مخصص للأطباء في أيام المناوبات. السكن على حاله منذ سنوات برغم اعتراف وزير صحة أسبق، بأنه غير مناسب ولا يصلح.

الإمكانيات واللوجستية تعانيان أيضاً من النقص. فأدوية الأمراض المزمنة غير متوافرة في كثير من الأحيان. الصيدلية تتعرض لضغوط كبيرة، إذ يضطر المراجعون للانتظار ساعات لصرف الدواء إن وجد.

كما أن هناك نقصاً في الأسّرة. بل إن بعضها تعرض للتكسير إلى جانب أن أغطيتها غير نظيفة نتيجة ضعف مستوى الشركة التي تقدم خدمات التنظيف في المستشفى.

أما وجبات طعام المرضى، فيقدمها عمال غير مختصين. ولا يوجد اختصاصي أو مهندس تغذية يشرف عليها. من المفارقات أن وجبات مرضى السكري وجبات تحتوي على السكر.

للتعقيم معاناة أخرى، إذ لا تتم عمليات تعقيم الأدوات الطبية بطريقة صحيحة.

مشاكل الأطباء لا تنتهي. فإلى جانب انخفاض أجورهم، يواجهون إهمالاً لجهة تواتر دورات التدريب والتأهيل، وحصرها بمن يمتلك واسطة، يؤكد غنيمات.

***

مستشفى الأمير حمزة.. جاء حلاً فأصبح مشكلة

سليمان البزور

عجوز في الثمانين يدخل بطريق الخطأ غرفة أشعة مهجورة، وبعد ثلاثة أيام يعثر عليه بمحض الصدفة مفارقاً الحياة. قبله كان محمد أبو مشرف على موعد مع الموت لكن ليس منسياً في غرفة أشعة، بل لعدم توافر طبيب اختصاص يعالجه من احتشاء عضلة القلب، حارقة نفايات طبية تصهر على درجة حرارة 1200 مئوية فتشعل الحرائق في الطابق الخامس؛ إغلاق ثلثي غرف عمليات المستشفى بسبب تسرب من طوابق أخرى إلى غرف العمليات، إضراب لعمال الخدمات العامة والنظافة، أحداث بغض النظر عن أسبابها، فإنها رسمت خلال أقل من عامين صورة مستشفى الأمير حمزة الذي أقيم لتخفيف العبء عن مستشفى البشير، فتحول إلى مشكلة تحتاج إلى حل.

افتتاح متسرع

دعوات رسمية وغير رسمية انطلقت لتأجيل افتتاح مستشفى الأمير حمزة لحين الانتهاء من تجهيزه، بشكل كامل، قبيل افتتاحه رسمياً على عجل في أيار 2006. كلفة المستشفى الإجمالية ناهزت 40 مليون دينار، ساهم فيها الصندوق العربي للإنماء الاجتماعي والاقتصادي بنسبة 90 بالمئة، فيما وصلت نسبة المساهمة الحكومية 10 بالمئة من التكلفة الإجمالية.

بدأ العمل في إنشائه في آب 2001 بهدف رئيس هو تخفيف العبء عن مستشفى البشير بما نسبته 50 بالمئة. غير أن المستشفى الذي يفترض أن يخدم غرب وشمال عمان يضم 400 سرير، ويعمل فيه 156 طبيباً و450 ممرضاً وممرضة، علما بأنه يحتاج للعمل بكامل طاقته لنحو 2000 كادر من مختلف التخصصات للعمل في هذه المرافق بحسب أحد الأطباء الذي رفض الكشف عن اسمه.

يشتكي محمد أبو العز القادم من جبل القصور لعلاج والدته من آلام المفاصل والروماتيزم، من النظام المعمول به: "قبل ستة أشهر بدأت والدتي المراجعة وكنت أرافقها، المشكلة المتكررة هي أن الطبيب المعالج لوالدتي في قسم العظام لا يتواجد، بشكل مستمر، في جميع المراجعات. عند المراجعة يتم صرف الدواء للوالدة، لكن حين لا يكون الطبيب مناوباً نعطى موعداً آخر ولا نستطيع الحصول على الدواء إلا في المراجعة القادمة، عندها نضطر إلى شراء الدواء من الخارج".

يقول المواطن ياسين القادري: "منذ ساعتين وأنا أنتظر أمام عيادة العظام لكي يكشف الطبيب على قدم الوالدة المكسور، وهناك أشخاص جاءوا بعدنا ودخلوا عن طريق الواسطة، إما أن يكون أحدهم جاء برفقة أحد العاملين في المستشفى، أو أنهم يلجأون إلى الفراشين لمساعدتهم".

يضرب القادري الذي دخل يشتكي للمدير فلم يجده كفا بكف قائلا: "الممرضة، أخذت ملفاتنا ولم نعثر عليها لغاية الآن".

وينتقد حمدي غنايم نظام البطاقات "الفيش"، الذي بدأ المستشفى العمل به منذ أسبوعين، من أجل تلافي الازدحام وتنظيم الدور: "توزيع البطاقات ينفذ في أقسام دون أقسام أخرى، وأحياناً يعمل به ليوم ثم يتوقف خمسة أيام أخرى". ويعترف أحد أطباء في قسم الأعصاب الذي رفض ذكر اسمه: "نظام البطاقات ما زال غير مكتمل، ونحن في قسم الأعصاب لازلنا ننتظر تطبيقه".

مدير العلاقات العامة في المستشفى مجدي أبو جلود يحمل المواطنين جزءاً من مسؤولية ما يحدث في المستشفى: "العديد من المواطنين لا يلتزمون بمواعيد مراجعتهم؛ إما أن يأتوا قبل الموعد بيوم أو بعده بيوم، وبعض المواطنين يأخذون موعدا الساعة الحادية عشرة ظهراً، ليأتي إلى المستشفى، في ساعات الصباح الأولى".

ويشير ممرض رفض الإفصاح عن اسمه، يعمل في قسم الطوارئ، إلى نوع من "الغبن" الذي يتعرض له كادر المستشفى، ويدافع عن نفسه وزملائه: "نحن نخوض معركة حقيقية مع أكثر من طرف؛ المرضى، وذويهم الذين يعتقدون أن أحدا لا يحتاج للمعاينة أو العلاج سوى مريضهم". ويتساءل: "لماذا لا توفر لنا وزارة الصحة 500 ممرض و100 طبيب من مختلف التخصصات، ثم بعدها لتأتي وتحاسبنا، إذا كان هناك تقصير؟"

تشير أرقام المستشفى إلى أن زهاء 750 مريضاً يراجعون قسم الطوارئ في المستشفى يومياً.

فوبيا صحية

بعد سلسلة الحوادث الأخيرة التي عصفت بالمستشفى تشكل لدى البعض

"فوبيا صحية". الحاجة فوزية 58 عاماً تعبر عن ذلك :"أصبحنا نخشى من زيارة المستشفى بعد تكرار الأحداث المؤسفة التي وقعت في المستشفى مؤخراً، إلا أن الحاجة هي التي تدفعنا لذلك"، في إشارة غير مباشرة إلى حادثة الحفناوي.

لكن تداعيات الحادثة الشهيرة ربما تكون بداية تصويب أوضاع المستشفى سيء الحظ، فقد شهد المستشفى منذ أيام زيارة رئيس الوزراء نادر الذهبي الذي قدم وعودا بمزيد من الاهتمام بالمستشفى.

يوم الزيارة كان التأهب الحكومي في ذروته. بدأت الزيارة بجولة في أقسام المستشفى وانتهت بوعود بتصويب الأوضاع، واتخاذ حزمة من الإجراءات تتمثل في رفد المستشفى بالخبرات والكفاءات اللازمة والصيانة المستمرة لمرافقه. وكان أول الغيث في هذه الوعود الإعلان عن وصول 900 من مقاعد الانتظار الجديدة التي ستوزع على مختلف الأقسام التي تحتاج إلى مقاعد إضافية، كما قال أبو جلود.

"رب ضارة نافعة"، تعلق الحاجة سميرة الدرويش القادمة من القويسمة "ربما جاءت وفاة الحاج الحفناوي لتكون فرصة لتعديل الأوضاع في المستشفى، الذي طالما عانينا فيه".

الممنوع والمشروع!

لدى تجوال كاتب هذه السطور في ردهات قسم الكلى كان ثلاثة أشخاص يدخنون بشراهة بالرغم من أن لافتات منع التدخين لا تبعد عنهم سوى بضعة سنتيمترات. توجهت لمسؤول الأمن هناك لسؤاله إن كان التدخين مسموحا به، أجاب بالنفي، وحين أشرنا له إلى أولئك الأشخاص، قال إنه سينبههم بعد قليل، لكنهم استمروا في التدخين حتى انتهت سجائرهم.

***

"الزرقاء".. 1200 مراجع على 300 سرير

منصور المعلا

على تل مطل على معسكرات الجيش، وأحياء فقيرة تقبع ما بين سيل الزرقاء الملوث بالمياه العادمة وفضاء تملأه روائح الغازات الخارجة من فوهات مداخن مصفاة البترول، ومحطة الحسين الحرارية، تتعرج الطرق والأزقة لتوصلك إلى «الحاووز».

الحاووز اسم التصق بمستشفى الزرقاء الحكومي الذي «أعياه الإجهاد»، على حد تعبير أحد المراجعين؛ مرضى يقفون في طوابير، أو يستلقون على الأرصفة في انتظار فراغ طبيب معالج يخفف من ألمهم.

واقع المستشفى استدعى تدخل الملك عبد الله الثاني الذي قام بثلاث جولات مفاجئة كان آخرها في صيف العام الماضي.

الملك وجه في حينه انتقادات مباشرة لحكومة البخيت لتباطئها في تقديم الخدمات للمواطنين ليس في مدينة الزرقاء وحدها بل في أرجاء البلاد كافة، بعد ذلك بدأ تنفيذ مشروع المستشفى الجديد للزرقاء، وكان ذلك بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على تبرع الملك بقطعة أرض مساحتها 112 دونما لبناء مستشفى حديث ومتطور يخدم أبناء المحافظة. وقد بدأت مرحلة التنفيذ في نهاية العام الماضي، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من البناء بعد ثلاث سنوات.

المستشفى القديم يكتظ يوميا بعشرات المرضى والمراجعين، فيما تحول الطاقة الاستيعابية الصغيرة دون تمكن الفرق الطبية من تقديمها الخدمات العلاجية للمواطنين بصورة أفضل، على حد تعبير طبيب في قسم الطوارئ.

أضاف الطبيب « لا تسأل أحدا عن واقع المستشفى أو الخدمة الطبية التي يقدمها. فقط اجلس وانظر بعينك». كان هناك شابان يهمان بإدخال عامل وافد تعرض لكسر بيده أثناء عمله في ورشة، وهما حائران في أي مكان يمكنهما أن يضعا المصاب في المستشفى محدود الأسرة والإمكانيات.

في ركن آخر من المستشفى كانت تقف مجموعة من الشباب بجانب سرير لقريب لهم يستحثون الطبيب على إعطاء مريضهم الأولوية في العلاج لحساسية إصابته، كما قالوا، بينما يخبرهم الطبيب أن المرضى كلهم بحاجة إلى رعاية طبية. مثل هذا المشهد الملتبس أدى إلى وقوع أكثر من اعتداء على أطباء وممرضين في المستشفى من مراجعين، كان آخرها قبل أسابيع حين اعتدى مرافقون لمريض على ممرضين بحجة عدم إيلائهم الرعاية الطبية اللازمة لمريضهم.

المستشفى تأسس عام 1961 ليقدم الرعاية الطبية لأبناء قصبة الزرقاء التي لم يكن يتجاوز عدد سكانها آنذاك 60 ألف نسمة بحسب الإحصاءات الرسمية، إلا أن الهجرات القسرية المتتالية، وتحول المدينة من ملمحها العسكري إلى الملمح الصناعي، ضاعف الرقم مرات عدة ليصل إلى نحو مليون مواطن، ما يعني ضرورة إجراء توسعة لمبنى المستشفى، غير أن طبيعة المبنى تحول دون التمكن من إجراء أي توسعة أو تحديث.

يراجع المستشفى في مبناه هذا أكثر من 1200 مراجع يومياً، ما يشكل عليه عبئاً كبيراً، على حد تعبير مدير المستشفى ياسين الطراونة، فلا يزيد عدد أسرة المستشفى على 300 سرير.

الطراونة يرى أن واقع المستشفى تحسن في أعقاب الزيارة الملكية الأخيرة حيث تم تأمين عدد من الأجهزة الطبية اللازمة، إضافة إلى توصيل خط مياه إلى المستشفى ساهم في حل مشكلة المياه المستعصية منذ زمن.

كما تم شراء أجهزة ومعدات طبية منها جهاز تخطيط للدماغ، وآخر لتخطيط العضلات وسيارة لنقل المرضى إلى المستشفى .

طول الفترة التي يقضيها المريض في الانتظار والقصور في الخدمات الطبية التي تفرضها طبيعة المستشفى غير الملائمة، إضافة إلى عدم توافر الأدوية، ووجود نقص في اختصاص جراحة الأعصاب والدماغ، هي أبرز المشاكل التي تواجه مستشفى الزرقاء، بحسب تقرير لوزارة الصحة عن واقع المستشفى.

وضع المستشفى لخصه مديرة الأسبق سامي الدليمي في أعقاب زيارة الملك الأخيرة حين وصفه بأنه «بال ومتهالك ولا يمكن تطويره أو تحسينه بأي حال من الأحوال.»

المستشفى بحاجة إلى العديد من الأجهزة الطبية، غير أن المبنى الحالي لا يتوافق مع متطلبات تلك الأجهزة من حيث التجهيز والبناء. وقد عبر عدد من المرضى الذين التقت بهم «ے» عن استيائهم وانتقادهم للخدمات التي تقدم لهم في المستشفى، وبخاصة فيما يتصل بطول فترة الانتظار وعدم توفر الأماكن الملائمة للعلاج.

وتعد محافظة الزرقاء التي يقطنها نحو مليون مواطن أكثر مناطق المملكة كثافة سكانية، وهي محاطة بملوثات عديدة وبخاصة أن 52 بالمائة من الصناعة الوطنية موجود فيها.

أحوال المستشفيات الحكومية: “البشير”.. حالة طوارئ لا تنتهي
 
17-Apr-2008
 
العدد 22