العدد 22 - أردني
 

حسين ابورمّان

علاء شاب يعمل في أحد فنادق عمّان، كان يعاني من إسهال وألم شديد في البطن. راجع صباح الأحد (13/4) قسم الطوارىء في مستشفى مشمول بتأمين مؤسسته طُلب إليه أن يعرض نفسه على اختصاصي جراحة، فكان عليه أن ينتظر حتى الواحدة والنصف ظهراً موعد وصول الطبيب المعني الذي أشار عليه فوراً بأنه بحاجة إلى "عملية زايدة". علاء لم يقتنع بتشخيص الطبيب، فلملم أوراقه وغافل الطبيب، وغادر. لدى مراجعة اختصاصي باطنية، تبين أنه ليس بحاجة إلى العملية الجراحية الموصوفة.

هذا نموذج لقصص تقع في مستشفيات ومراكز وعيادات القطاع الخاص، وهي قصص محبطة وبعضها مؤلم، فهي تمثل ممارسات خاطئة، ينبغي حصرها في نطاقها، مع التعرف على سواها، وتفعيل آليات الشكاوى والمحاسبة على الأخطاء والتجاوزات حينما تقع.

المستشفيات الخاصة من القطاعات الرائدة في البلاد على الصعيدين الصحي والاقتصادي. ولارتباطه بالسياحة العلاجية، يعد كذلك من القطاعات الواعدة التي من شأن مواصلة النهوض به، تعويض الأردن عن النقص في موارده الطبيعية المنتجة.

يبلغ عدد المستشفيات الخاصة في الأردن 60 مستشفى من بين 101 مستشفى حكومياً وخاصاً في المملكة. وتشتمل المستشفيات الخاصة على 4500 سرير من بين مجموع الأسرة البالغ 10500 سرير في القطاعين العام والخاص. المستشفى الإيطالي أول مستشفى خاص أقيم في الأردن عام 1921.

تعود الطفرة في إنشاء المستشفيات الخاصة إلى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. ويقدر بأن حجم الاستثمار في المستشفيات الخاصة قد زاد على مليار وربع مليار دينار أردني، فيما يبلغ عدد العاملين في القطاع الطبي الخاص شاملاً المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية 58 بالمئة من مجموع العاملين في القطاع الصحي في المملكة، حسب مصادر جمعية المستشفيات الخاصة. تختلف المستشفيات الخاصة في الأردن عن غيرها من الدول في أنها بادرت إلى دخول مجالات طبية صعبة مثل جراحات القلب وزراعة الأعضاء والقرنيات، ولم تكتف، كما عملت بعض الدول، بالاستثمار في قطاعات أقل صعوبة مثل التوليد والتجميل على سبيل المثال.

وحسب فوزي الحموري رئيس جمعية أصحاب المستشفيات الخاصة، فإن "هذه الميزة أعطت الأردن تفرداً على المستوى العالمي، لكنها تطلبت إدخال تكنولوجيا طبية متقدمة بتكلفة عالية"، فلدى القطاع الخاص حسب أرقام الحموري: 13 جهازاً للرنين المغناطيسي، 17 جهازاً للقسطرة، 30 جهازاً للتصوير الطبقي المحوري، 15 جهازاً لتفتيت الحصى، 8 أجهزة طب نووي، 9 مراكز ليزر عيون، و15 مركزاً لأطفال الأنابيب لا يوجد ما يماثلها في وزارة الصحة حتى الآن.

هذه كله، يؤكد الطبيب الحموري، "يوفر للمريض الأردني ميزة في أن يعالج باستخدام أحدث تكنولوجيا في العالم بأسعار معقولة بمجرد أن تتوافر هذه التكنولوجيا في العالم، ما يوفر على الناس عناء وتكاليف السفر إلى الخارج".

التسعيرة

لكل مستشفى تسعيرته الخاصة المعتمدة من وزارة الصحة. وتتفاوت الأسعار بين المستشفيات، ، تبعاً لنوع الخدمة الفندقية، لأن أسعار الخدمات الطبية متقاربة، لكن أجور الأطباء تتفاوت أيضاً حسب درجة إقامة المريض من الأولى إلى الثالثة.

وحسب الحموري، "فإن أسعار العلاج في المستشفيات الأردنية تعد من أقل الدول، حتى بالمقارنة مع بعض الدول العربية. فمتوسط التكلفة العلاجية في المستشفيات الأردنية تساوي 50 إلى 60 بالمئة من التكلفة في السودان. بينما تمثل التكلفة في السعودية ضعفين إلى ثلاثة أضعاف التكلفة في الأردن".

يتفق النائب والطبيب نصار القيسي مع هذا الرأي، وفق ما ذكره في برنامج عن المستشفيات في الأردن بثته قناة نورمينا الفضائية الخاصة مساء الأحد الماضي.

يشكو مرضى أحيانأ من توسع المستشفيات والمراكز الطبية في تقديم خدمات لهم غير لازمة بما في ذلك الإدخال أحياناً دونما حاجة فعلية. الطبيب أديب صالح الذي عمل في عدة مستشفيات خاصة، يقول "إن الإدارة في بعض المستشفيات تشجع أطباء الطوارىء على زيادة نسبة الإدخالات مقابل حوافز مادية. يحدث هذا للحالات المؤمنة صحياً، أما الحالات غير المؤمنة، فيتوقف الميل لإدخالها على تقدير وضعها المادي".

يعزو الحموري ارتفاع تكلفة المعالجة في المستشفيات الخاصة إلى تدني المداخيل في الأردن. ويضيف "المستشفيات مؤسسات استثمارية لا تستطيع أن تكتفي بأسعار رمزية. فالأدوية مستوردة، والأجهزة مستوردة، وإذا خسر المستشفى، يقع تراجع في نوعية الخدمة، ناهيك عن أن المستشفيات لا تربح جميعها: بعضها يخسر، بعضها بيع في المزاد العلني، وبعضها أغلق أبوابه رغم أنه من المستشفيات العريقة".

المسؤولية الاجتماعية

المستشفيات الخاصة تأتي في مقدمة المؤسسات من حيث دورها الاجتماعي، حسب ما يرى الحموري الذي يؤكد "أن 95 بالمئة من العاملين في المستشفيات الخاصة من الأردنيين، لأن هذه المؤسسات تتعامل مع مهن يشغلها أردنيون. أما نسبة الـ 5 بالمئة الباقية، فهي تخص العاملين في قطاع التمريض".

الطبيب أديب صالح يقول إن المستشفيات الخاصة "تعاني من نقص في الكوادر التمريضية، وهذا ما يشكو منه الأطباء بشكل خاص". ويضيف "الأعداد المؤهلة لاختصاصات مثل العناية الحثيثة والطوارىء وغسيل الكلى في السوق المحلية قليلة، وأحياناً لا تستقطب الأجور المعروضة على الممرضين المطلوبين سوى فئة خبرتها ليست كافية".

توفر المستشفيات الخاصة الفرصة لتدريب عشرات أطباء الاختصاص. وتعد داعماً رئيسياً لأنشطة نقابة الأطباء والجمعيات الطبية، وتقيم ورش عمل طبية متخصصة ومحاضرات للأطباء والجمهور. لكن "لا يوجد لدى هذه المستشفيات نظام للتدريب والتعليم خاص بها، يساعدها على تطوير قدرات أطبائها، وتأمين احتياجاتها من الكوادر التمريضية المؤهلة"، حسب الطبيب أديب صالح.

نقيب الأطباء زهير أبو فارس نبّه مؤخراً إلى "وجود نقص حاد في الاختصاصات الدقيقة ومنها جراحة الدماغ والأعصاب وجراحة القلب وبعض الجراحات الدقيقة، لافتاً إلى أن عدد أطباء القلب في القطاع الخاص لا يتجاوز أصابع اليدين".

وحذّر أبو فارس أيضاً من أن يتأثر دخل المملكة من السياحة العلاجية نتيجة تلك المستجدات ما "يتطلب وضع استراتيجية لتأهيل الأطباء الجدد وتدريبهم، مشيراً إلى أن الطبيب حديث التخرج بات يضطر للتدرب على حسابه الخاص".

رئيس جمعية المستشفيات الخاصة يشير إلى وجود ميثاق شرف بين المستشفيات الخاصة يقضي بأن تلتزم بمعالجة أي حالة خطرة تصل إلى الطوارى بما يكفل الحفاظ على حياتها ثم تخيّر بين أن تستمر إذا كانت لديها الإمكانيات المادية لتلقي العلاج أو تنقل إلى مستشفى حكومي.

"تقوم المستشفيات الخاصة بإسعاف الجرحى والمصابين في الحوادث الجماعية بدون أن تتأكد من الجهة التي يتعين عليها أن تدفع تكلفة العلاج، مثل حريق إربد، وحادث الباص المروع في جرش، وتفجيرات فنادق عمّان الثلاثة. كذلك بادرت المستشفيات الخاصة إلى إعلان استعدادها معالجة جميع جرحى غزة مجاناً"، حسب ما أكد الحموري.

أما بخصوص تغطية بعض الإصابات الناجمة عن حوادث السير كالتي لا يكون الفاعل فيها معروفاً، يذكر الحموري بأن جمعيته اقترحت على مدير هيئة تنظيم قطاع التأمين باسل الهنداوي "إنشاء صندوق تتكون موارده من اقتطاع (1) بالمئة من بوالص التأمين على السيارات لمعالجة تلك الحالات. وهذه الفكرة سهلة التطبيق، وهي بانتظار أن يتم تفعيلها".

الاعتمادية

موضوع الاعتمادية مطروح على بساط المستشفيات الخاصة منذ ثلاث سنوات، وتم التطرق إليه في إطار الاستراتيجية الوطنية للسياحة العلاجية. "فهذه المستشفيات بحاجة للاعتمادية حتى تروج نفسها في الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا يعكس حق المريض في معرفة أن المستشفى الذي يقصده مؤهل لعلاجه"، يقول الحموري.

وللتأكد من تحقيق معايير الاعتمادية، بادرت جمعية المستشفيات الخاصة بالتعاون مع قطاعات طبية أخرى إلى إنشاء "هيئة اعتماد المؤسسات الصحية"، وهي شركة غير ربحية مستقلة تشارك فيها القطاعات المعنية. ويرأس مجلس إدارتها الذي تشكل منذ شهرين وزير الصحة السابق سعيد دروزة ، علماً أنها بدأت العمل منذ سنة ونصف السنة. والآن هي جاهزة للكشف على المستشفيات لمنح من يستحق منها شهادة الاعتمادية. بينما نجح كل من مستشفى الحسين للسرطان، مستشفى الأردن، والمستشفى التخصصي، في الحصول، في فترة سابقة، على الاعتمادية الدولية.

يذكر أن الاعتمادية ليست لها علاقة بحجم المستشفى، إنما هناك حوالي 870 معياراً مطلوب تحقيقها. علاقة المستشفيات الخاصة بوزارة الصحة ستوضع على المحك في الأيام المقبلة. الاتفاقية مع الوزارة بشأن معالجة الفئة الأولى من موظفي القطاع العام في المستشفيات الخاصة، تقترب من نهايتها. رئيس الجمعية فوزي الحموري يقول: بعثنا منذ شباط فبراير الماضي كتاباً إلى وزارة الصحة من أجل اللقاء لإعادة النظر في الاتفاقية، قبل شهرين ونصف الشهر من انتهائها، لكن لم يتم الدعوة إلى اجتماع لبحث ذلك. لذلك "أعلنت المستشفيات من جهتها أنها لا ترغب في تجديد الاتفاقية إذا لم تعدل الأسعار، لذلك يعد شهر نيسان/أبريل انتقالياً". ويضيف: "نحن نطالب بخفض نسبة الإعفاء في الاتفاقية من 35 إلى 15 بالمئة، وبشمول الفئة الثانية من الموظفين بالاتفاقية، لأن هذا يشمل عدداً أكبر من الناس، علماً أن المستشفيات الصغيرة غير مستفيدة من شمول الاتفاقية للفئة الأولى فقط".

المستشفيات الخاصة: قصة نجاح تشوبها ممارسات خاطئة
 
17-Apr-2008
 
العدد 22