العدد 22 - أردني
 

سعد حتّر

"حفلة هيجان"، "تشطيبات ذاتية ومتقابلة"، "تمرد" و"اختطاف رهائن". حفنة مصطلحات تسللت إلينا من خلف القضبان. وهي تعكس طبيعة بعض مرتادي عالم السجون، كما تؤشر إلى أزمة مستفحلة لا بد من معالجتها بالكي قبل فوات الأوان.

قبل يومين قتل ثلاثة نزلاء وجرح عشرات آخرون في سجني "الموقر" و "السواقة"، حين احتج نزلاء– بحسب الرواية الرسمية- على تطبيق آلية فرز جديدة ضمن استراتيجية إصلاح. كلفة تأجيل علاج هذه الأعراض ترتفع يوماً بعد يوم. والثمن ضحايا جدد- حرقاً وتشطيباً- ونحت متواصل في صورة الأردن.

إدارة المعارك تتم على أيدي سجناء خطرين؛ "جنرالات" احترفوا المواجهة والهيمنة داخل السجون، بينما يدفع الثمن نزلاء- بعضهم لا يمتلكون سجلات جرمية- دخلوا السجن في قضايا هامشية، لكنّها قد تغير مجرى حياتهم.

ليس بالعنف يعامل السجناء. فما ذنب متهم في قضية نفقة، دهس أو شيك مرتجع حتى يحتجز إلى جانب مجرمين "عتاقى" يديرون لعبة "عسكر وحرامية"، تحت نظر الحراس أحيانا.

من هنا وضعت أخيراً إستراتيجية شاملة "لإصلاح" السجون في عدة محاور؛ فرز وتصنيف السجناء بين محكوم وموقوف، مع وضع "نظام نقاط" وصولاً إلى حالة تجانس داخل المهاجع، وحجر أصحاب الأسبقيات الإجرامية الخطرة. يعتمد النظام الجديد معايير البنية الجسمية، العمر نوع الجريمة أو الجنحة- بدلاً من الآلية السابقة التي كانت ترتكز إلى "آخر جريمة" يحكم فيها السجين.

تتضمن الاستراتيجية، التي تسعى إدارة السجون لتطبيقها بصعوبة بالغة، منح النزلاء طيفاً واسعاً من الأنشطة، لتخفيف الاحتقان، لا سيما مشاهدة الفضائيات، قراءة الصحف والمجلات واستدامة الاتصال مع ذويهم. وهناك مشروع مرتقب لترتيب "خلوات شرعية" مع الأقران داخل القضبان.

على أن خطط التصنيف تصطدم بتخندق حفنة من السجناء الخطرين، وراء مكاسب تراكمت على مدى عقود بفعل إهمال سلطات السجون تارة والخوف من المواجهة تارة أخرى.

في عالم السجن، البقاء للأقوى والأكثر "بلطجة". مخضرمون ينتزعون منصب "شاويش المهجع"، الذي ينظم شؤون رفاقه ويشكل مفتاح تعامل مع حراس السجن.

ثمّة "زبائن" دائمون يصنفون ضمن الشريحة "الأكثر خطورة" ترتزق من تواتر دخولها إلى السجون. تجارة متنوعة من حبوب الهلوسة إلى الكماليات بأنواعها وأحيانا الموبايلات.

أحد مرتادي السجون لجأ إلى مخالفة سير من الدرجة الأولى، لدخول السجن "تاجرا" محشوا بمخدرات بأمل بيعها لقاء بضعة مئات من الدنانير. حراس السجن اكتشفوا التسلل بالصدفة وأحبطوا محاولة السجين المخضرم لعقد صفقات مربحة مع سائر أقرانه.

على أن تجاوزات مماثلة قد تمر دون ضبط، وفي البال بعض سجناء يحاولون شراء ذمم رجال شرطة من أجل تسهيل التهريب. لذلك تتغير أطقم الحراسة بتواتر أسرع من مواقع أخرى.

إصلاح السجون يحتاج إلى جهود مركبة بدءا من الطب النفسي مرورا بعلم الاجتماع وانتهاء بحقوق الإنسان. ولا يجوز حصر دور الحارس والجلاد، المحقق والمدعي العام بالأمن العام، إذ لا بد من إناطة الفصل في النزاعات بأجهزة محايدة.

قد يفهم التعامل مع بعض عتاة المجرمين والقتلة. غير أن بلاداً تعرف معنى حقوق الإنسان، تدرك أنه حتى المجرمون، لهم الحق في حياة كريمة وطبيعية حتى وهم خلف القضبان. لذلك التعامل مع النزلاء بحزم لا يعني إهدار آدميتهم.

من الواضح أن تجاوز قواعد العلاقة بين النزيل ورجل الأمن، هو الذي يفجّر أحداث الشغب والمواجهات.

السجن ليس نهاية العالم، بل مرحلة قسرية يجب استثمارها لإعادة تأهيل النزيل حتى يواجه الحياة من جديد.

مدير إدارة السجون العقيد شريف العمري، يتحدث عن دورات تأهيل وتدريب مؤكدا أن 385 من زهاء 7500 نزيلا يعملون مقابل أجر، ضمن خطط دمجهم في المجتمع.

وتبقى شهادة عدم المحكومية هاجساً يلاحق كل نزيل. لذلك ثمّة خطط لتغيير آليات صرف مثل هذه الشهادة، بما يفتح أبواب الأمل أمام المحكومين للانخراط مجددا في حياة طبيعية.

بين "الهيجان" و "التشطيبات" تسعى فئة احترفت الإجرام للاحتفاظ بالزعامة في "امبراطورية السجون" امتداداً لإرث تراكم منذ بدايات سجني المحطة والجفر وانتهاء ب"أم اللوللو".

حتى تستحق “مراكز الإصلاح” مسماها: تصحيح مؤجل يرتفع ثمنه كلما تأخر
 
17-Apr-2008
 
العدد 22