العدد 1 - أردني
 

تتخلى شريحة من الناخبين عن حقها الدستوري في الاقتراع، ما يعكس انسلاخاً عن المحيط السياسي، وفعلاً سلبياً من شأنه التاثير على تطور المجتمع.

ويرى مراقبون أن تلك الممارسة تساهم في تعزيز راهن يتمثل في هيمنة قوى تتقصد تغييب هذه الشرائح، ويعتقدون أن بعض القوانين المعمول بها حالياً ساهمت في تعميق حالة العزوف، ومنها عدم عدالة توزيع مقاعد المجلس النيابي على الدوائر الانتخابية في المملكة، وعدم أخذ عدد السكان بالحسبان، ما يعكس سيادة الخوف من تغييرات في الواقع الديموغرافي القائم.

ويربط هؤلاء بين عدم المساواة في توزيع الدوائر وبين تعميق ظاهرة العزوف، ويدللون على ذلك أن العاصمة عمّان التي يربو عدد سكانـــهـا عن مليوني نسمة تحتل 23 مقعــداً فقط في مجلس النواب، وكذلك محافـــظة الزرقاء التي يبلغ عدد سكانــــها نحو 800 ألف نســــمة، ولها 10 مـــقاعــــد فقط، بينما تماثل الكرك في عدد مـــقاعــــدها النيابية الزرقاء وتشـــاركها العــدد نفـسه في حين لا يتجاوز عدد ســـــكانها 200 ألف نسمة، بيــنـــما يبـــلغ عــــدد سكان جرش ومـــادبـــا نحو 150 ألـــف نسمة لكل منهما، ولا تزيد حصة الواحدة منهما في المجلس على أربعة نواب.

وتفيد أرقام رسمية أن تدني نسبة المشاركة يبرز، بشكل واضح؛ في المناطق التي يشكل فيها الأردنيون من أصول فلسطينية أغلبية في عدد الأصوات، في وقت تعزو فيه تحليلات ضعف مشاركتهم في الانتخابات إلى الخوف من فكر ة الوطن البديل، وهو ما يقوّض - في اعتقادهم - من فرص عودتهم إلى فلسطين، ويرتب، من ثم، إسقاط حق العودة، إضافة إلى شكواهم من ضيق الفرصة المتاحة لهم للمشاركة.

ويقول الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور فارس بريزات:إن هناك خوفاً من فكرة التوطين السياسي، فالأردنيون من أصل فلسطيني يخشون بمشاركتهم في الانتخابات من تثبيت الهوية السياسية الأردنية، وهذا يتساوق مع فكرة الوطن البديل وسقوط حق العودة المرفوض بالنسبة إليهم، وهم بذلك يعزفون عن الانتخاب".

ويرى بريزات أن التمثيل البرلماني بالنسبة لتلك الشريحة ضئيل بالنسبة لأعدادها ضمن المجموع العام للناخبين، وهذا يعد من وجهة نظرها إجحافاً، لكن بالمقابل ليس من الضــروري أن يرتبط التمثيل بأعداد السكان، ففي أعتى الديمقراطيات مثل الولايات المتحــدة، يطغى التمثيل الجغرافي على التمثيل وفقاً للديموغرافيا، وهو أمر مطبق في مجلس الشيوخ الأميركي فقط.

ومن العوامل الأخرى، وفقاً لبريزات!«أن الخدمات في المناطق المكتظة بالسكان أفضل مما هي عليه في الريف والبادية، وبذا فالجانب الخدماتي يستحوذ على اهتمام الناخب في المناطق النائية ويدفعه إلى الإقبال على صناديق الاقتراع بنسب مرتفعة عن المدن».

ويؤكد بريزات أن «استطلاعات رأي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أثبتت أن أسباباً مثل عدم وجود هوية صالحة للانتخاب، وعدم توافر الوقت يوم الانتخاب والظروف الشخصية والعائلية، إلى جانب عدم قناعة بعض المواطنين بالعملية الانتخابية وقانون الانتخاب، فضلاً عن المرض وكبر السن أو عدم وجود مرشح مقنع أمام الناخب، كلها أسباب تفسر إحجام الناخب الأردني عن الإدلاء بصوته. وتأتي هذه الإجابات من العينة الوطنية رداً على سؤال حول سبب عدم ممارسة الناخب حقه الانتخابي».

ويعزي العين عبد الحافظ الشخانبة سبب تراجع نسب التصويت في المدن إلى «أن الخدمات المقدمة إلى المواطن في مدن الزرقاء وعمّان مثلاً أفضل بكثير مما هي عليه في الأرياف والبادية، وهو ما يبعد غير المسيسين في التجمعات السكنية الكبرى عن صناديق الاقتراع، ويدفع الناخب العشائري إلى الإقبال بأعداد مرتفعة من أجل الخدمات في الأرياف والبوادي، فضلاً عن عدم توافر ما يعرف بالجانب العشائري في المدن كما هو الحال في الأرياف».

ويعتقد أن العامل الأهم في «إقصاء» الناخب الأردني عن صندوق الاقتراع هو حالة إلاحباط التي تعتري تفكير المواطن، وموقفه من قدرة مجلس النواب على مجابهة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تجتاح المملكة من وقت لآخر، التي تمثلها ارتفاعات جنونية متوالية في الأسعار، فضلاً عن عجز المجلس النيابي عن القيام بدور تشريعي رقابي على قرارات الحكومة إلى جانب الأحداث التي تمر بها المنطقة على الصعيدين السياسي والأمني، وبخاصة الاحتلال الأميركي للعراق والإسرائيلي في فلسطين، وحالة الإحباط العام التي تشكلها في الوعي الجمعي للعامة».

ولعبت تراكمات سابقة، مثل تدخل الحكومة في تسيير الانتخابات وفقاً لمصــالحها، إلى التأسيس لحالة تراكمية من الإحـــباطات التي استولدت أشكالاً من اللامــبالاة من الانتخابات ونتائجها في قطاعات واسعة بالشارع الأردني، فالنتائج معروفة سلفاً حسبما يحددها «التدخل الحكومي» كما في الانتخابات البلدية الأخيرة، وفق رئيس فرع حزب جبهة العمل الإسلامي في مـــحافظة مادبا المهندس زياد الشوابكة.

ويرى الشوابكة «أن الأردنيين من أصل فلسطيني أكثر حماساً لناحية الإقبال على الفعل السياسي بشكل عام، لكن المشكلة تكمن في عدم توزيع المقاعد النيابية بطرق عادلة ومتساوية بين المناطق في المملكة».

ويعتقد أن التدخل الحكومي في سير الانتخابات البلدية الإخيرة أحدث حالة من الاحتقان الشعبي، ما اوجد عند المواطن قناعة بأنها (الحكومة) المساهم الأكبر في صياغة المشهد السياسي الداخلي، وأفضى إلى ابتعاد المواطن عن دوره في اختيار ممثليه في المجلس النيابي، وأدى ذلك إلى تزعزع ثقة المواطن الأردني بالانتخابات المقبلة.

ويذهب الدكتور رعد العتوم، إلى «أن الوعي السياسي السائد لم يتبلور بالشكل الذي يجعله يفكر جدياً في قدرة النائب على التغيير، فضلاً عن اللامبالاة التي خلقتها تراكمات سابقة، إلى جانب أن المواطن لم يلمس تحسناً في مستويات معيشته والخدمات المقدمة إليه، عدا عن عدم قيام المجلس بالدور الرقابي والتشريعي المطلوب منه على الوجه الأكمل».

ظاهرة العزوف عن الاقتراع مرشحة للتكرار – علاء طوالبة
 
08-Nov-2007
 
العدد 1